الاكتئاب مرض العصر

بشرى بوغلال  | المغرب

لطالما كانت الأمراض النفسية متجدرة في عمق المجتمع ومتغلغلة في شتى طبقاته الاجتماعية بدون تمييز يذكر، فمنذ القدم والنفس البشرية في صراع مع نفسها بين الاختلال حينا والاستقامة أحيانا، ومع تطور عصرنا هذا وازدياد الضغوطات على الشخص وتراكم المسؤوليات لدرجه تفوق قدرته على التحمل، اكتمل جنين المرض النفسي في أحشاء البشرية وأصبح أكثر ضراوة وتعقيدا.

وهنا نقدم تعريفا مبسطا لهذا الأخير الذي بات جزءا لا يتجزا من حياتنا الصحية:  فالمرض النفسي عبارة عن خلل في الحالة العاطفية للشخص وغالبا ما تعود أسبابه إلى التوتر الشديد وارتفاع مشاعر القلق الحادة، مما ينتج عنهما اضطراب في التفكير ينعكس على سلوكيات الشخص ويؤدي به إلى حالة مزاجية سيئة وشديدة الحدة، تلقي به في دوامة لا متناهية من المشاعر السلبية والكآبة المفرطة التي تعد خطرا جسيما في حال استمرارها طويلا.

ويبقى الإكتئاب من أهم أنواع المرض النفسي وأشدها وطأة على الشخص ومحيطه، فبالرغم من أنه مرض مرحلي تظهر أعراضه بشكل تدريجي بعد التعرض لأزمات متتالية، و مواجهة ضغوط تفوق حجم الشخص وليونته في التعامل معها لوقت معين،  إلا أنه يجر صاحبه إلى سلسلة من الاضطرابات النفسية التي لا تقل خطورة عنه، ونذكر من بينها القلق و نوبات الهلع التي تحمل في طياتها خوفا شديدا يحفز ردود الأفعال الجسمانية بشدة وبدون وجود سبب واضح للخوف أو خطر فعلي.

بينما ينفرد الاكتئاب هنا بحصة الأسد من حيث كمية الحزن واليأس التي يشعر بها الشخص ،مع انعدام النظرة التفاؤلية للحياة، وتخييم سحب التشاؤم السوداء على الحالة العاطفية والفكرية للمريض مع إحساس مصاحبٍ بالذنب، وفقدان الشغف الذي ينعكس على مستوى إنتاجية الفرد وتحصيله العلمي والعملي، وفي أحيان عدة ينتاب المريض موجات هائلة من التقلبات المزاجية الحادة ،والانتقال من الهدوء إلى الغضب الشديد بسرعة وبدون مبرر.

وقد يكون ضعف الوازع الديني لدى الشخص سببا رئيسا للوقوع في شراك المرض النفسي و التخبط في متاهاته اللامحدودة،  فعدم التحلي بالمزيد من الإيمان يجعل الشخص فريسة سهلة لهذا الأخير مما قد يجعل منه وجبة دسمة تؤكل على مهل،  لذلك  فالبعد عن النهج الديني السليم والعيش بلا تغذية روحية، وكذا الركض في حلقة مفرغة من الروتين ورداءة المواقف والأشخاص والقيم، هو ما يلقي بالشخص في مهب رياح هذا المرض، ويجعل منه مادة مستهلكة و كتلة من الضياع الشهي.

ولتشخيص المرض النفسي يتم استبعاد المشاكل الجسدية، واختبار الكحول والمخدرات من طرف طبيب مختص، لكي يتم بعدها تقييم الحالة النفسية لدى الشخص من خلال أعراضه ومشاعره والأفكار التي تدور في خلده، وكذا أنماطه السلوكية،لتأتي من بعد ذلك مرحلة العلاج واحتواء المرض ثم السيطرة على الخلل الناتج عنه.

وغالبا ما يرتكز الجزء الأكبر من المرحلة العلاجية للمريض على التحدث مع طبيبه أو معالج نفسي معتمد في علم النفس، قادر على الإصغاء إليه وفهم الظروف الحياتية التي شكلت شخصيته ورسمت أسلوب حياته، من أجل تحديد خطة علاج مناسبة مرتكزة على سلسلة من جلسات العلاج النفسي المقرون بالعلاج الدوائي،  والبعض من جلسات الاسترخاء، يتعلم خلالها المريض كيفية التعامل مع الضغوط ومعالجتها والتخلص من التراكمات، وهنا  تلعب الأسرة دورا هاما لكونها علاجا فعالا ووسطا مريحا للشخص، من حيث الدفء الأسري والإحتواء العميق للفرد من أجل تسريع العلاج وإعادة تأهيله واستعادة زمام حياته مرة أخرى، ومن تم محاولة صنع القرار من جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى