غربة
طالب همّاش
talebhammash@gmail.com
يا ليلُ ترقرقْ بدموعكَ
يا ليلُ … فراقاً بعدَ فراقْ !
ما عادَ الروحُ يطيقُ الوحشةَ
والوحشةُ ليسَ تُطاقْ
تحتَ القمرِ الغاربِ
قلبٌ يتدفّقُ بالدمعِ الساخنِ
_ آهٍ يا ربُّ _
وللغربةِ آخرُ أغنيةٍ
تنتحبُ الآنَ على الأشجارِ المنتحبه !
آهٍ يا ربَّ الغربةِ
ما أصعبَ هذي الغربه !
ما أصعبَ هذا اليأسَ العاقْ !
ألفُ كمانٍ تتألّمُ موسيقاهُ
المصلوبةُ بالأصواتِ السودِ
وألفُ غرابٍ
يغرزُ مخلبَهُ الجائعَ في النفسِ المكتئبه !
آهٍ يا ربَّ الغربةِ
من يرحمُ روحَ الراهبِ
حين تحيطُ وحوشُ الوحدةِ
كالأشباحِ مراثيهِ
ويغدو منتصفُ الليلِ الموحشُ
نعشاً لمراراتِ الروحِ المغتصبه ؟
من يرحمُ روحَ الراهبِ
حين تموتُ من الإرهاقْ ؟
مغترباً وسطَ رياحِ الأرضِ الأربعِ
يرتفعُ البحرُ بإيقاعِ الحزنِ الضائعِ
فوق دماغي الميتِ ،
ويهطلُ في شلّالِ الريحِ
شقاءُ الأرواحِ المغتربه !
آهٍ يا ربَّ الغربةِ
ما أصعبَ هذي الغربه !
ما أصعبَ أن تتماوتَ ناياتُ الألمِ الليليّةِ بالأشجانِ ،
وتغرورقَ كلّ مآقي الغيمِ المتعبِ بالعبراتِ المنسكبه !
ما أصعبَ أن تتصاعدَ كلُّ الأصواتِ المتألّمةِ المرّةِ
من أرحامِ الآبارِ
كصوتِ رجاءٍ محترقٍ
يترقرقُ بالألمِ الشاقْ !
فترقرقْ بدموعكَ يا قلبُ فراقاً بعد فراقْ !
هرّت أوراقُ الحورِ على أرصفةِ الدارِ المهجورةِ
فبكيتُ وحيداً في هبّةِ ريحٍ يا دارْ !
هرّتْ أوراقُ الحورِ
وصارَ غناءُ البلبلِ
عند نهاياتِ الأشجارْ !
آهٍ ياهدآتِ المشمشِ
آهٍ يا هدآتْ !!
هرّت أوراقُ الحورِ…
وأيلولُ المتعبُ يكتبُ سيرتَهُ المجروحةَ
بينَ مماشي المشمشِ بالدمعِ
ورخرخةِ الغيماتْ !
آهِ على هبّةِ ريحٍ
هائمةٍ في سهلِ الآهاتْ !
آهِ على تنهيداتِ حفيفٍ
يحملها الشجرُ النائمُ في أحلامِ الريحِ
مع الهبّاتْ !
آهِ على رفِّ حمامٍ
يتهادى فوق حفافي الوادي
شَلْحَاتٍ .. شَلْحَاتْ !
آهٍ من أشواقٍ
ترقدُ في أعماقِ القلبِ الحافي
وتهزُّ بكاءَ الروحِ من الأعماقْ !
يا قلبُ فكيفَ تطيقُ الغربةَ
والغربةُ ليسَ تُطاقْ ؟
صرخاتُ الغربةِ ريحُ شتاءٍ متوحّشةٌ
تتمزّقُ في روحِ الباكي
كشرارةِ نارْ !
صرخاتُ الغربةِ يا ليلُ
قصائدُ نعيٍ يتعلّقُ مطلعُهَا الطلليُّ الفاجعُ
كالنعواتِ على كلّ جدارْ !
صرخاتُ الغربةِ صوتُ صهيلٍ مكسورٍ
في جنباتِ الوعرِ
ورجعُ نحيبٍ حارْ !
صرخاتُ الغربةِ في إيقاعِ اليأس المتعاظمِ
تتلاطمُ كالأمواجِ المصطخبه !
آهٍ يا ربَّ الغربةِ
ما أصعبَ هذي الغربه !
حزنُ القلبِ عظيمٌ
وعظيمٌ في هذي اللحظاتِ الصعبه !
هبّتْ رائحةُ القبرِ مع الريحِ
وسالَ نواحُ كمنجاتِ النعي
على نهرِ النغماتِ المنكسره !
هبّتْ رائحةُ القبرِ
وحلَّ سكونُ الفصلِ المظلمِ
في أروقةِ الموتِ السوداءِ
ولاحتْ كخريفِ الأعمارِ
نهاياتُ الأيّامِ المحتضره !
الآنَ سترقدُ في أعماقِ الروحِ المتعبِ
كلُّ أسابيعِ اليأسِ المنطمره …
ويعودُ الكونُ إلى وحدتهِ المدفونةِ
في الأعماقْ !
حلَّ أوانُ الفصلِ المظلمِ يا روحُ
ودقّتْ ساعاتُ العتمةِ
دقّتَها الميتةَ
في جمجمةِ القلقِ العاقْ !
يا قلبُ ترقرقْ بدموعكَ
يا قلبُ .. فراقاً بعدَ فراقْ !
صورُ الأحبابِ مسافرةٌ
تتراءى كطيورِ المغربِ في عينيّ
وتنحلُّ مع الدمعِ عزاءً
لفؤادٍ يتعزّى في كلِّ عذابْ !
صورُ الأحبابِ مسافرةٌ كطيورِ الهجرةِ
في عينيّ
وراجعةٌ كلُّ تصاويرِ الأغراب ْ .
آهٍ يا أغنيةَ الريحِ المحترقه !
ما عادت تتراءى في أعيننا
غيرُ تصاويرِ الرُّحّلِ والغيّابْ !
فلأيّ مصيرٍ تغرقُ شمسُ الغائبِ
في أجواءِ الشفقه ؟ ..
وتصيخُ نصوبُ الصخرِ مسامعها
لفؤوسٍ تتعاركُ كالصيحاتِ
على سندانِ القدرِ العنّينْ ؟
وأنامُ على صدركِ يا ريحُ غريباً
مملوءاً بالأشجانِ
أغنّي أغنيةَ الحيرانِ مع الريحِ
وصوتُ هزيمِ الريحِ حزينْ !
تهتزُّ شجيراتُ الشوقِ فتشتاقُ الروحُ
وتنسابُ دموعُ الحزنِ على سكّينْ !
يا بَكْوَةَ روحٍ تتنهنهُ في العتمةِ
وا أسفاهُ لقد صارَ القلبُ الساهي
كتلةَ طينْ !
ما عدنا نكتبُ اسمَ الحزنِ الضائعِ
بالشوقِ على طرقاتِ العشّاقْ !
.. صورُ الأحبابِ مسافرةٌ
كتوابيتِ الموسيقى الليليّةِ
وضريحُ الغربةِ ضاقْ !
يا قلبُ ترقرقْ بدموعكَ يا قلبُ
فراقاً بعدَ فراقْ !
الغربةُ صرخةُ روحٍ
تتمزّقُ في جبروتِ الأرضِ
وألفُ جريحٍ يتألّمُ في أغنيةِ الترحالِ المرّةِ
ألفُ جريحْ !
الغربةُ شَبَّابَاتٌ تتناومُ بالأشجانِ
وتنداحُ بكاويها المكلومةُ
في نهرِ الحسراتِ مع الريحْ !
الغربةُ صحراءُ ذئابٍ تتراكضُ بين جرودِ الصبّارِ
لشربِ دماء ضحاياها المغتصبه !
ما أقسى أنْ تهتزَّ على صرخاتِ الريحِ
جميعُ حقولِ القمحِ المنتهبه !
يا قمرَ النورِ الربّانيِّ الهادىءَ
رخرخْ نورَكَ فوق دماغي الميتِ
وأنقذني من هذي اللحظاتِ الصعبه !
حزنُ القلبِ عظيمٌ
وعظيمٌ صوتُ اليأسِ الغائصُ
في قاعِ السأمِ العاقْ !
آهٍ كيف تجاوبَ صوتُكَ يا ربانُ
بكلِّ عذاباتِ النفسِ المستلبه !
آهٍ من صحراءِ بكاءٍ تتحطّمُ تحتَ نحيبِ الموجِ
ومن أفئدةٍ تبكي نادمةً يا ربُّ
من الإرهاقْ !
ما من ألمٍ يعتصرُ الروحَ الفاقدَ
أكثرَ من مطرِ الليلِ على
شبّاكِ فراقْ !
فتألّمْ يا قلبُ من الأعماقْ .