أنّات الليل
فادي حسن/ سوريا
ضع وجعي أمامكَ كخُفَّي زائرٍ سيء السُّمعة
واتبعني كصرخةٍ تدهنُ مفاصلَ رُكبتيها
بزيتِ الانتظارِ المُكرَّر
هل تسمعُ صهيلَ المكان؟
هل تسمعُ أنَّاتِ اللَّيلِ وهو يُرخي جبينهُ كحصان؟
هل تسمع قهقهاتِ الضيوفِ وهم يغادرونَ دمي؟
سأعيدُ ترتيبَ الأكيدِ بأيدٍ من شكٍّ
وأرتِّبُ الحقيقةَ في صناديقها؛ كمسافرٍ
نسيَ توديعَ مرآته!
وكنسوةٍ يُدلِّكنَ عورةَ العمرِ بمراهم الضَّحك
تخبِّئُ الحقيقة بشاعتها أيضًا.
قمْ بِكهَّانِكَ وأنتَ..
ولنتراجع قيدَ خطوةِ كفيفٍ في مقتبلِ الفجرِ
ماذا ترى..؟
لن ترى…
روحي هُناك تهزُّ قبرها؛ كأمٍّ تُكسِّرُ الرِّيح حطبًا
وتدثِّرُ بكاءَ التُّرابِ بِقُفطانِ الدَّموع
أليست الغفوةُ ميثاقُ عازفٍ يشدُّ جرحهُ إلى
الأبديَّةِ كوتر ؟
فأجفلنَ الأغنيات كحطابٍ يقلِّمُ جذوعَ دمِه.
فلتبقى حيثُ أنتَ
سيقتلكَ نصفُ المجيء؛ فلا تغادر عودتكَ
وها أنا ذا يا ربُّ أقود سرير أنقاضي
بعجلاتهِ الزَّرقاء
كحزنٍ يسوقُ خليلاتهِ إلى حانةِ القيامة!
هل أطلب شيئًا آخر يارب؟
من يُمسك هذي الرَّعشةَ في كفّيَّ
ويخبرُ الطبَّالين في قلبي
بأنَّ الحفلَ قد أنتهى..
والكلُّ أشعل شمعة أمانيهِ في صدري وغادر
من يُضرمُ المساء خواتمًا-متبرجًا بساعاتهِ المُعطَّلة-
كبقايا سربٍ من الأصابع على حافةِ الخاتمة؟
ويوزِّع أقداحَ الزَّغاريدِ ثمالةً ثمالة
وكنادلٍ أعمى يتحيَّنُ تلويحة عناقٍ
لم ينتبه لها أحد
هكذا يشمُّ الشَّوق تعرَّق النِّداء فينا.
اِيهِ… توحِّدنا القبلاتُ بشفاهٍ جافةٍ
وأتقرَّى الزَّفيرَ المخمور من فمِ الغياب
وتتدلِّى أعناق الشَّوارع حولنا
كعذرٍ يسوق نبالهُ إلى أرصفةِ التوديعِ المعتمة
وتصطفُّ الفجأةُ وعساكرها كجراءٍ حول ثدي الموت
ما هكذا
ينتهي الحفلُ
ولا يليقُ بكَ أن تنهي الحفلَ هكذا
وما هكذا يخرجُ الآجرُّ من فرن النهاية!
أيُّ حزنٍ سيرفعُ إليكَ الضَّحك بعدي رغيفًا رغيفًا؟
وأيُّ أحضانٍ تغسلُ أقدامها من دنسِ الحرمان
بعدي؟!
أنا المُحدِّقُ بالمساء عابرًا جثثَ النوم
فرسخًا فرسخًا
كحلقةِ دراويشٍ ما هم بسكارى
وكنذرِ العاشقِ لمحبوبه، تدور بهم الدُّنيا
دورة بجعٍ حول زمهرير الفراق
يا إيماني..
يا كفري…
حضِّر بوقكَ للنفير الأخير
فأنا حاقدٌ على كلِّ شيء
كلُّ شيءٍ
كلُّ شيءٍ
حتى أنا قبور تتمشى ليلًا من القامشلي
إلى الله فيكَ!