محاولات إخراج غزة من معادلة الصراع

نهاد أبو غوش | فلسطين

من الطبيعي أن تلقي المواجهات الجارية في الضفة على أوضاع الشعب والمقاومة في قطاع غزة، من المؤكد أن غزة كانت وسوف تبقى جزءا لا يتجزأ من معادلة الصراع والمواجهة مع إسرائيل، وهذا تأكد في عديد المحطات المفصلية وخاصة خلال مواجهات شهر أيار الماضي ومعركة سيف القدس وقبلها في الانتفاضتين الكبريين، صحيح أن لكل موقع فلسطيني الأشكال التي تناسبه للمقاومة والنضال، ولكن في نهاية المطاف يوجد تضافر وتكامل بين اشكال المقاومة بما في ذلك ما يجري في المناطق المحتلة عام 1948 ودور الجاليات الفلسطينية في مخيمات اللجوء وبلدان المهجر والشتات، وهو دور برز بشكل واضح ومؤثر خلال مواجهات أيار الماضي، كما أنه يساهم في استقطاب دعم ومناصرة قوى سياسية واجتماعية مؤثرة في بلادها.

الاحتلال يواصل محاولاته لعزل غزة وإخراجها من معادلة الصراع بكل ما تمثله غزة من ثقل سكاني (مليوني نسمة) وقضية لاجئين (حيث أن 70 % من سكان غزة لاجئون)، ومقاومة ( التي باتت عنصرا مسلما بأهميته رغم كل حملات التشكيك في جدواها منذ اتفاق أوسلو)، كما أن الاحتلال يسعى لابتزاز غزة ومقاومتها باشتراط تهدئة شاملة في غزة والضفة مقابل تخفيف الحصار والسماح بإعادة الإعمار. المهم أن غزة سوف تبقى مرشحة لمزيد من التصعيد لأن اتفاق التهدئة هش ولم يكن جزءا من تسوية سياسية فضلا عهن أن العوامل السياسية الداخلية الإسرائيلية والمزاودات بين قوى اليمين المتطرف تجعل من غزة هدفا سهلا للتصعيد أقل كلفة من التصعيد على الجبهة الشمالية مع المقاومة اللبنانية وحزب الله. الآن الهجمة على غزة يمكن أن تشتد مع الاتجاه الاسرائيلي الغربي لشيطنة حماس ووصمها بالإرهاب، وهذا المنحى يستمد تشجيعا ودعما، وتواطؤا أو صمتا في الحد الأدنى، من استمرار بعض الأنظمة العربية في الهرولة نحو التطبيع والانفضاض عن القضية الفلسطينية. أهم ما ينبغي التأكيد عليه هنا هو أن مشروعية حماس ومشروعية المقاومة تستمد من الشعب الفلسطيني قبل أي مصدر آخر، وبالتالي التسريع في إنجاز المصالحة وانخراط حماس والجهاد في المؤسسات الوطنية الفلسطينية الموحدة سوف يشكل أفضل حماية لشعبنا أولا ثم لحركة حماس وباقي فصائل المقاومة بما في ذلك الجبهة الشعبية المستهدفة هي الأخرى بمحاولات وصمها بالإرهاب.

المواجهات والسلطة الفلسطينية

السلطة الفلسطينية، ومعها حركة فتح وعموم الحركة الوطنية الفلسطينية، بكل أطرافها ومكوناتها ومؤسساتها القيادية والمتخصصة، في أزمة عميقة ومستحكمة بسبب المآل الذي انتهى إليه اتفاق أوسلو، وثبوت أن هذه الطريق من المفاوضات الثنائية بالرعاية الأميركية الأحادية والقيود والشروط المجحفة لن تقود إلى دولة، بالإضافة إلى المشكلات الداخلية التي تعاني منها أطر الحركة الوطنية من جمود وتكلس وهيمنة وفساد، وغياب الحياة الديمقراطية ومبادىء المحاسبة والمساءلة، لكل ذلك وصلت مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني إلى حالة بائسة من الضعف والعزلة عن الجماهير وضعف ثقة الناس فيها وفي خطابها وهو ما ثبت وتأكد وتكرس عمليا بعد إلغاء الانتخابات التشريعية، وحملات قمع المعارضين التي تلت ذلك.

إسرائيل تمارس سياسة تبدو في الظاهر متناقضة تجاه السلطة فهي تضيّق عليها وتصادر أموال المقاصة وتستبيح المناطق المصنفة (أ) وتعمد إلى إحراج السلطة وقادتها ورموزها أمام شعبها، وفي نفس الوقت تقدم مبادرات لتحسين الحياة الاقتصادية وتطلب من دول العالم دعم السلطة، هذا التناقض يمكن تفسيره إذا علمنا أن إسرائيل تريد أن تختزل دور السلطة في وظيفتين فقط هما حماية أمن إسرائيل، وتخفيف عبء التعامل مع خمسة ملايين فلسطيني وشؤونهم الحياتية وخدماتهم عن إسرائيل، ولذلك هي لا تريد انهيار السلطة بل تريدها ضعيفة ومعتمدة على إسرائيل، ولا تريدها قوية بحيث تستطيع اتخاذ قرارات وطنية لا ترضى عنها إسرائيل من قبل اتخاذ قرارات بوقف التنسيق الأمني، واتخاذ خطوات جدية للانفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي أو التحرر من قيود اتفاقيات أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي، أو التوجه لرفع دعاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية، لذلك ليس أمام المؤسسة الفلسطينية سوى العودة لقرارات المجلس الوطني الفلسطيني بدورته 23 التي عقدت في شهري نيسان وأيار 2018 والتي تنص على استعادة الوحدة الوطنية وإعادة تعريف العلاقة بين الشعب الفلسطيني والاحتلال باعتبارها علاقة صراع ونضال من أجل الحرية والاستقلال، وإعادة صياغة دور السلطة ووظائفها لتقتصر على تأمين صمود الناس وأداء الوظائف الخدمية، بينما مهمة قيادة النضال السياسي والجماهيري هي من اختصاص منظمة التحرير وفصائلها والتشكيلات الموحدة المطلوبة وخاصة القيادة الوطنية الموحدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى