الجاهلية … وباء الأعداء بيد الأغبياء
عدنان الصباح
Raymond Leech British painter born in 1949
كثيرون هم الذين حذروا وانا منهم من سطوة الجاهلية على مجتمعنا إدراكا من الجميع أن الوطن بحاجة للحضارة والعلم والمواطنة والحياة المدنية وسيادة القانون وقبل كل ذلك استشعار الخطر من جهة العدو المتربص بنا في كل مكان وزمان وكان اخطر ما تخشاه ويخشاه كل فلسطيني أيا كان ان تنتشر الجاهلية في اوساطنا وان نتوحد خلفها جماعات وجهات وبلدات وعشائر وقبائل وان ننقسم انقسامات وانقسامات رغم ما عانيناه ونعانيه من وباء الانقسام الاكبر بين غزة والضفة الغربية.
عبر التاريخ البعيد والقريب كانت ولا زالت دور العلم مصدرا للثورة ومشاعل للحرية والكفاح في سبيلها اما ان تصبح في بلادنا الخاضعة لسطوة الاحتلال مصدرا للجاهلية فهو امر يفوق كل استهجان فاربع جامعات في الضفة الغربية اغلقت ابوابها بسبب الصراعات الداخلية وفي حين تقتتل بلد مع اخرى على دم احد ابناءنا تقتتل البلدة نفسها بين عائلاتها على دم ابن آخر وتتوحد على دم ابن البلدة القريبة.
في مدينة اخرى تظهر الاف قطع السلاح ويحتج المستوطنون قبلنا على ان صوت الرصاص يقض مضاجعهم ومع ان الاحتلال قبل ذلك كان يجيش قواته ليعتقل ويقتل كل من يحمل رصاصة حتى ولو فارغة فانه اليوم يراقب عن قرب غابات البنادق في كل فلسطين دون ان يحرك ساكنا وهو يرى هذا السلاح موجها لقتل الذات واطالة امد دوران القتل القتل المضاد وتخريب الحياة العامة واشعال نار الفتن والصراعات ليس في جنين فقط ولا في الخليل فقط وليس في الاحياء الشعبية بل وحتى في مراكز العلم والتعليم وقلاع الثورة كما كنا نسميها لأيام خلت.
دم شبابنا الذي يراق بأيدينا في كل بقاع الوطن من الجليل والمثلث والنقب وكل جهات الضفة الغربية دم على دم ليؤسس لدم جديد وحكايات ثأر لا تخمد ولا تهدأ ابدا ومن يسمع المحتجين متولين او قاتلين ويراهم يعتقد ان في كل بيت فلسطيني قطعة سلاح وبأنواع واشكال لم نسمع بها من قبل حتى والمبررات لا تحمل أي مضمون فإما عن المال او الارض او الاخلاق التي لم تعد قائمة الا على الورق او اما مكبرات الصوت وعلى منصات الخطابة او عبر اثير الاذاعات والتلفزيونات ومن يجاهر بالأخلاق يخفي عكسها بأفعاله دون ان نصل الى نتيجة تخرجنا من دوامة الجاهلية هذه لنخسر الابن تلو الابن ليس بحملهم الى المقابر والسجون فقط بل ويدفعهم رغما عن انوفهم ليغادروا وطنهم الى غير رجعة.
لأيام ليست بعيدة خلت كنا نقاوم المحتلين ونقاتلهم وكنا نطالب العالم بإدانتهم حين يغلقون جامعة او شارع او يحرقون بيتا او يقتلون شابا فأي خطاب نملكه اليوم امام العالم ونحن نقوم بنفس الافعال ضد انفسنا وكيف سنرفع وجوهنا في وجوه العالم الذي اعتاد اسنادنا في وجه المحتلين وماذا سنقول لهم وعلى صعيد الداخل ماذا نؤسس لأطفالنا واجيالنا القادمة وماذا نورثهم سوى الكراهية والفرقة واي وطن هذا الذي ندعيه ونحن نخوض حرب موت داخلي بإرادتنا.
لا بديل اذن عن السلم الاهلي والحياة المدنية وسيادة القانون ووحدة الشعب كل الشعب واستعادة دورنا موحدين في سبيل التخلص من الاحتلال الذي يهود ارضنا ويفتن ناسنا ويستولي على بلادنا ويقتل ويسجن ويجرح ابناءنا ويهدم بيوتنا ويصادر حرياتنا ومع ذلك نكتفي بجمل من يموتون برصاص الاحتلال الى المقابر ونحن نغني دون ان تنتفخ اوداجنا الا ببعض الشعارات التي لم نعد نصدقها انفسنا وفي المقابل فكل الاسلحة والقوة في سبيل قتل جار او في سبيل الثأر منه واهله وذويه وبلده.
دعوها فإنها منتنة هذا ما قاله رسول الله عن حق وبحق فماذا نقول نحن عن قوله وهل يكفي ان نكثر الصلاة عليه بتمتماتنا جهرا وعلانية بالقول عليه وسلم وحين نسمع بكملة حق على لسانه نغلق اذاننا وعقولنا ولا نلتفت لها فقتل النفس جريمة وقتل القاتل لن يعيد المقتول فجريمة فرد أيا كان هي جريمة عابرة مع انها تستحق اقصى العقوبات في اطار القانون وسيادته اما قتل القاتل خارج القانون وقبل استكمال كل تحقيق ممكن وتيقن من الفعل ودوافعه واسبابه وما احاط به من ظروف فانه لا يفعل شيئا سوى فتح باب جهنم على مصراعيه ولذا كان التحقيق وكان القانون وكانت الدلائل وكان الدفاع والاتهام لإحقاق الحق لا للانجرار وراء الاصوات العالية بلا تمحيص ولا تفكير وكثير من الحالات عبر التاريخ ولدى عديد الشعوب جرم شخص وسجن او قتل بجريمة لم يرتكبها.
قليل من العقل يا قادة الأمة القادمين وقليل من الالتفات لقضية شعبنا وأرضنا وقليل من الاهتمام بسلامنا الداخلي خصوصا وان ما يجري اليوم على ارض الضفة الغربية وبين ناسها فتنة تطل برأسها ليس من البيوت المظلمة من من البيوت التي وجدت لتشع علما ونورا وكفاح ووحدة لأي شعب على وجه الارض فعدد الجامعات والمدارس دلالة على رقي الامم لا على انحطاطها فهل دورنا نحن اثبات عكس ذلك ولي عنق الحقيقة والعلم ليقولا غير المنطق الذي نحتاج.
سلام لروح كل من قتل ظلما وعلى كل من ظلم او سيظلم ولا خيار لنا سوى مصالحة وطنية جماعية تطال كل الشعب اينما كان فلقد وضعنا ايدينا بايدي من اقام المجازر بحق شعبنا وسامحنا عن وطن وشعب وعن بيت ودم فحري بنا اليوم ان نتنادى الى يوم سلام وليكن يوم مقتل مهران خليلية او غيره يوما وطنيا للسلم والمحبة والوحدة لا ذكرى للموت والكراهية ولنخلد ذكره بذلك ليصبح قبره وقبور امثاله محجات لكل الشعب قبل اهله وذويه.
جنين التي لا زالت تفتخر بانها بعبع الاعداء يراد لها اليوم ان تكون بعبع الوطن الذي يهدد بانكساره وتفتيته شيعا وقبائل وجهات وهي ان تركت الاعداء ينجحون تكون قد دمت للاحتلال هدية عمره بقدرته على تحطيم المثال النموذجي الذي شكلته في نيسان 2002 ليس على صعيد فلسطين ولا العرب بل لكل جهات الارض وهي جنين التي يحمل اسمها اليوم شباب في كل انحاء العالم تقديرا لرمزيتها لصمود مخيمها الاسطوري امام اقوى جيش في الشرق الاوسط وعليها اذن ان لا تمكن اعداءها منها مهما ارادوا ولن يكون لها ذلك الا بسيادة القانون والحقوق المدنية والمواطنة.
اننا كشعب وأمة بحاجة لمنظمة قيمية فكلما تسامت قيم الأمم كلما استقامت حياتها وسمت بأهدافها وانتظمت حياة ناسها بما يوفر كل المقومات لقيام مجتمع مدني في دولة المواطنة القائمة على أسس العدل والمساواة في الحق والواجب في آن معا وكلما انحطت قيم الأمم كلما انحطت مكانتها وتحولت إلى قانون الغاب بلا قيم ولا مبادئ سوى مبدأ وقيمة الأنا المنغلقة ومصالحها مهما اتسعت مساحات الأنا هذه.