فكر

العروبة والبناء العربي إلى أين؟

بقلم : عماد خالد رحمة ـ برلين

بقيت قضية العروبة والبناء العربي تشغل عدد كبير من المفكرين والمثقفين والباحثين السياسيين والاستراتيجيين في منطقتنا العربية، وتحديداً منذ مطالع النهضة العربية، ومشاريع الإصلاح التي يحتاجها وطننا العربي منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا. في هذا السياق نجد أنفسنا أمام قضيةٍ هامة، وهي التأكيد على أنَّ العروبة هي هوية في تكوينها الأساسي، وليست نهجاً سياسياً أو برنامجاً تسير وفقه، وإن استلزم الدفاع بقوةٍ عن الهويةِ العربيةِ من خلال العمل السياسي، الذي شكَّل بشكلٍ واضح ما نعرفه بالقومية العربية، هذا الفعل كان يجري عبر سيرورةٍ تاريخيةٍ يسعى إلى تحقيق الاستقلال الوطني وتحرير الأرض والإنسان من ربقة الاحتلالات التي توالت على وطننا العربي. والتخلّص من ارتباط بعض النخب العربية الحاكمة من خلال التبعية بسياسات الاستعمار القديم والحديث والمعاصر، كما يجري العمل على إقامة مجتمع الكفاية والعدل والمحبة والسلام، وحرّية المجتمع التي تكمن في التحرّر من الاستبداد والطغيان السياسي والقوى الأمنية القمعية، الذي استشرى في الجسم العربي بشكلٍ خطير، كما يجري التخلص من الاستغلال الاقتصادي والاحتكار السلعي البشع.
لقد انتهجت النخب الوطنية سياسات للدفاع عن تراثها وماضيها ومبادئها تجاه الغزو الفكري والثقافي المدمِّر لمجتمعاتنا العربية، ورفضت نهج المجتمعات الغربية التي تُصدّرُها لنا. لذلك، فإن القومية العربية في سياق تعبيرنا هي حركة تحرّرية أولاً، ووحدوية ثانياً، ومتطلّعة إلى نهضة الأمة العربية ثالثاً.
لقد اتجهت تلك المطالع التي شغلت عدد كبير من المفكرين والمثقفين والباحثين السياسيين والاستراتيجيين، وفق مسارٍ عروبي ثقافي، وعروبي أيديولوجي، وعروبي مؤسساتي في محاولةٍ للخروج من ربقة الإستعمار وتداعياته واستطالاته، وذيوله الممتدة إلى معظم مجالات الحياة، فالاتجاه العروبي الثقافي كان يحاول محاكاة مشاريع النهضة والإصلاح الأوروبي التي كان مسارها (الدولة المدنية). تلك الفكرة بدأت تتعمَّق بالتجربة العملية طيلة سنوات مرَّت خلالها باخفاقات وارتكاس ونكوص، وعاشت مرحلةً من الممارسات السلبية كونها عملت باسم (العروبة). أما الاتجاه العروبي الأيديولوجي فقد كان صدى التيارات والسياسات القومية الناشئة في أوروبة والتي امتازت بالشوفينية والاستعلائية المعنونة بالقومية و(العرقية). وهي التي فرَّخت العنصرية بأوجهها المختلفة من نازيةٍ وفاشيةٍ، ومعاداة السامية، والإسلاموفوبيا، والزينوفوبيا (معاداة الأجانب)، كما نشطت على الجانب الآخر من القارة الآسيوية من فترة (شووا) أو (شووا جيداي) في اليابان وهي الفترة التي رافقت حكم الإمبراطور هيروهيتو(1926 ـ 1989) م التي تحوَّلت اليابان فيها إلى الشمولية، وظهور النزعة القومية عام 1937م التي أدَّت إلى الحرب الصينية ـ اليابانية الثانية ، وفي عام 1941م شنَّت هجوم ميناء بيرل هاربر الأمريكي، وبذلك دخلت الحرب العالمية الثانية وعاشت مرحلة (اقتصاد الفقاعة). ترافق ذلك مع ظهور قوانين نورمنورغ في عام 1935م في ألمانيا التي منعت العلاقات الجنسية بين العرق الآري واليهود باعتبارها (تلوث عرقي Rassenschande) حرمت كل اليهود (حتى أنصاف وأرباع اليهود) من مدينتهم الألمانية. كما كانت هناك قوانين مشابهة في كل من رومانيا وبلغاريا المجر والنمسا. وغيرها .والاتجاه العروبي الذي سارت العروبة في إطار تكوين مؤسسات عربية مدافعة عن الهوية العربية، فقد قامت على فكرة إنشاء جامعة الدول العربية يوم 22 آذار 1945م التي تضم الدول العربية الموزعة بين آسيا وإفريقيا، وينص ميثاقها على التنسيق بين الدول الأعضاء في المجالات الاقتصادية، ومن ضمنها العلاقات الثقافية والتجارية والاتصالات والجنسيات والعلاقات الاجتماعية والصحة ووثائق وأذونات السفر. وتسعى من خلال مؤسساتها إجراء برامج سياسية وثقافية وعلمية واجتماعية واقتصادية لتنمية مصالح الشعب العربي من خلال العديد من المؤسسات مثل : مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليسكو). والتي من مهامها تعزيز ثقافة التعايش والحوار البنّاء ومكافحة التطرّف والعنف. وقد اعتبرت جامعة الدول العربية بمثابة منتدى لتنسيق المواقف السياسية للدول العربية وللتداول ومناقشة القضايا والمسائل التي تثير الهموم المشتركة، ولتسوية بعض النزاعات والصراعات العربية ـ العربية ، والعربية مع الدول غير العربية. هذه المنظمة أرادها الآباء المؤسسون أن تكون المرتكز الأوَّل، والنواة المركزية التي تنطلق منها فكرة الوحدة العربية، وتحقيق الأمن الاقتصادي العربي، والأمن الغذائي العربي، والأمن العربي المشترك، والأمن المائي والتكامل الاقتصادي. ومن تجاربها الكثيرة التي اتسمت بالاخفاق على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمن العربي المشترك، وأخفقت في فض النزاعات التي وصلت إلى مرحلة الصراعات والحروب العسكرية بين بعض البلدان العربية بعضها مع بعض وبين بعض البلدان العربية مع بعض الدول الأجنبية. وعلى الرغم من اكتساب سمة الاخفاق في تحقيق الكثير من تطلعات شعبنا العربي، إلَّا أنها استطاعت لعب دور إيجابي في دعم العديد من بلداننا العربية من أجل نيل استقلالها، والتحرّر من نير الاستعمار الذي جثم على صدور شعبنا العربي سنواتٍ طويلةٍ، كما تمكنت جامعة الدولة الدول العربية في إحدى مراحلها من دعم تنمية العديد من الدول العربية، إضافةً إلى دعم الشعب العربي الفلسطيني ومساندة قضيته العادلة في المحافل الدولية ضد الاحتلال الصهيوني وممارساته.
لقد تعرَّضت العروبة خلال القرن العشرين للعديد من التحديات الداخلية والخارجية، تمثَّلت في إخفاق المشروع السياسي الوحدوي العربي وانكماش التطلعات والأحلام التي كان يريد تحقيقها شعبنا العربي من المحيط إلى الخليج. ليس هذا فحسب بل اعتبرت الدول العربية (القُطرية) من مخرجات ونتائج إنفراط العقد العربي، فكانت التجزئة والتقسيم وتقسيم المُقسَّم سبباً في عدم تحقيق المشروع النهضوي العربي الذي تقطَّعت أوصاله بسبب النزاعات الأهلية، والحروب الدامية، إلى درجةٍ صار فيها الحفاظ عليها واستمرارها مهمةً عربيةً للأسف الشديد، فازدات الخلافاتُ العربية ـ العربية وتمحورت العديد من الدول ضمن محاور غربية أوروبية ـ أمريكية، ومحاور شرقية اشتراكية. ومما زاد من خلل العلاقات العربية ـ العربية التدخل السافر للعديد من الدول الإقليمية في الشؤون العربية التي ساهمت في التأثير السلبي على القرار العربي ، وتحديداً محاولات الهيمنة التركية والإيرانية على القرار العربي، وإلحاق بعض الدول بسياساتها، إضافةً إلى محاولات أثيوبيا ومن وراءَها العديد من الدول الغربية والكيان الصهيوني، للعبث بالمقدرات المائية من خلال إنشاء سد النهضة الذي كان يُعرف بسدّ (الألفية) وهو سَدّ (تثاقلي) تم إنشاؤه على النيل الأزرق، ويحجز مياه النيل على السودان ومصر، هذا السَد ألحَقَ أضراراً هائلة بالمصالح العربية، ناهيك عن تحالفاتها الإقليمية مع تنزانيا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وكينيا، وأوغندا، وبورندي، وراوندا، وإرتيريا، والسودان الجنوبي .
لقد شهدت الهوية العربية الكثير من التراجع وحالات من النكوص والارتكاس خلال السبعين عاماً الماضية. فقد شهد شعبنا العربي ومعه العالم الحُر تراجع القضيةِ الفلسطينيةِ بعد الوَهَن الذي أصاب الجامعة العربية ومؤسساتها وإداراتها، نتيجة الإنقسام العربي، وفقدان الثقة بتلك المؤسسات، ترافق ذلك مع ظهور فقاعات الهويات الفرعية التي دفعت بشكلٍ سلبي وخطير القوام الديني، والطائفي، والمذهبي، والإثني للمجتمعات العربية التي ساهمت بشكلٍ خطير في معاداة فكرة العروبة، وأوجَدَت حالةً من الإنقسامات لم يشهدها مجتمعنا العربي من قبل، كونَها لاقت مساندةً ودعماً من قوى خارجية وقفت وما تزال تقف في وجه المشروع النهضوي العربي. فقد تم تقسيم الشعب اللبناني سياسياً وطائفياً ومذهبياً وحزبياً إلى شراذم تتقاذفها الأمواج الإقليمية والغربية العاتية. فكان الحل السياسي يسير وفق (اتفاق الطائف) الذي كرَّس المحاصصة الطائفية والسياسية، والذي عُرِفَ بــ (وثيقة الوفاق الوطني اللبناني) التي وضعت بين الأطراف المتنازعة في لبنان بوساطة سورية ـ سعودية يوم 30 أيلول 1989 م في مدينة الطائف، في المملكة العربية السعودية، وأقرَّه لبنان بقانون يوم 22 تشرين الأول عام 1989م منهياً الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت خمسة عشر عاماً. كما تم تقسيم العراق طائفياً وإثنياً بعد الاحتلال الأمريكي له بين سنّي وشيعي وكردي، وتم صياغة دستور جديد للعراق أشرف عليه الأمريكي بول بريمر الذي عيّنه الرئيس الأمريكي جورج بوش رئيساً للإدارة المدنية في العراق بدلاً من الجنرال المتقاعد جاي غارنر، في استفتاء يوم 15 تشرين الأوَّل عام 2005 م، والذي دخل حيِّز التنفيذ عام 2006 م. تحت رايات قوات التحالف الدولية الغربية.
لم يتوقف تراجع الهوية العربية عند هذا الحدّ فقط. بل زاد عليها وجود أنظمة استبدادية حكمت الشعب العربي بالحديد والنار باسم العروبة والحفاظ على الهوية العربية، والدعوة لبناء أسس القومية العربية، وأمةٌ عربيةٌ واحدة ذات رسالةٍ خالدة .
لم تكن الهوية العربية يوماً إلّا هويّة منفتحة على العالم، وليست هوية منكمشة أو سكونية، وذلك لأنّها هوية متجدِّدة ومتفاعلة ومتطورة ومتحوّلة، وهي الحالة الموضوعية لإدراك الشخص العربي والعلاقة إلى كونه عربي ينتمي إلى الأمة العربية، والتي تعتمد على ثقافة عربية مشتركة، وأرض مشتركة في التاريخ وتبادل الخبرات والتجارب، بما في ذلك الصراعات والمواجهات الرئيسية، وتعتمد أيضاً على نسب تقليدي عريق، تلك القواسم المشتركة هي قبلية وإقليمية، يتم تعريف الهوية العربية بشكلٍ مستقل عن الهوية الدينية، فالهوية العربية لا تعتبر الهوية الدينية إسلامية فقط، فهي ترجع إلى ما قبل ظهور الإسلام، فقد شهد وطننا العربي تاريخياً ظهور ممالك مسيحية عربية الأصل والجذور، ووجود قبائل يهودية عربية، ومع ذلك يمكننا التأكيد على أنَّ معظم العرب مسلمون ويؤمنون بكتاب الله ورسوله الكريم، مع وجود أقلية من الموحِّدون الدروز والبهائيين، ويشكل المسلمون السنّة والإسماعيلية والشيعة معظم العرب الآن في وطننا العربي، وفي وجود نسبة تتراوح بين 7،1% ، و10% من العرب الذين يعتنقون الديانة المسيحية.
لذا يمكن رؤية الهوية العربية من خلال الهوية المحلية، أو الهوية الإقليمية على مدى تاريخنا العربي العريق، فقد كانت هناك العديد من الاتجاهات الوطنية الرئيسية في وطننا العربي، ترفض العروبة وتعتبر سيادة الدول الحالية على أنها إبداعات مصطنعة قام الغرب بتصنيعها وتقسيمها، وتدعو للوحدة العربية الكاملة المتكاملة. ووفق معتقداتنا العربية، فإنَّ الباحثين وأهل الاختصاص، يقسِّمون العرب إلى (عرب عاربة) ينحدرون من جدهم الأكبر قحطان، و(عرب بائدة) المذكورين في القرآن الكريم، بأنهم بادوا عقاباً لهم على كفرهم وضلالهم، و(عرب مستعربة) وجدّهم الأكبر عدنان. ومع الفتوحات الإسلامية التي انتشرت في أصقاع الأرض في القرنين السابع والثامن الميلاديين، أسس العرب الخلافة العربية تحت حكم الخلفاء الراشدين والأمويين، ومن ثم العبَّاسيين، امتدت غرباً من الحدود الجنوبية لفرنسا إلى حدود الصين شرقاً. ومن آسيا الصغرى شمالاً إلى السودان جنوباً، لذا كانت من أكبر وأقوى الممالك اتساعاً ومنعة ً في التاريخ، وكنا نحن العرب قد نشرنا الإسلام والثقافة العربية والعلوم على اختلاف تخصصاتها، كما تم نشر اللغة العربية في معظم تلك الأقاليم وتلك المناطق، عن طريق التحوّل الديني والاستيعاب الثقافي. فنحن العرب لدينا العديد من الروابط وهي روابط لغوية وثقافية، وتاريخية وقومية، وسياسية وجغرافية. وكان لدينا عادات خاصة بنا، ولغتنا العربية الباذخة الخاصة الشفيفة والعميقة، ونملك العديد من الفنون، مثل فن العمارة، والأدب، والموسيقى، والفن، والرقص، ووسائل إعلام خاصة بأدواتٍ متعدِّدة، ومأكولاتٍ، ولباسٍ، ومجتمع له خصوصيته، كما لنا روابط رياضية، وملاحم وأساطير وقصص إنسانية.
لقد أقرَّت العروبة بوصفها هوية منفتحة باختلاف وتنوع الهويات، وتعترف بحقوقها وتطلعاتها وتتعامل معها كأمر واقعي معاش، وليس متخيَّلاً أو مفتعلاً كما هي النظرة الشوفينية الإستعلائية، وهكذا فإنَّ مِن واجب العروبة التي أصبحت مؤنسنة احترام وتقدير حق كل مجموعة بشرية أو شعب بوجود مكونات خاصة بها، تشعر بوجود تلك الميزات والخصائص، تجمعها هويةً وانتماءً، وتعمل على مساندتها ومساعدتها من أجل تطوير خصوصيتها وكينونتها، بما يجعلها تتفاعل بشكلٍ إنساني معها .
وبهذا المعنى وذاك المدلول، لا يمكن إختزال العروبة بالقومية أو النسب أو العرق، وإذا ما فعلنا ذلك فأين سيكون مكان الأندلس وحضارتها الإنسانية العريقة، التي حكمها أجدادنا المسلمين مدة سبعمائة وواحد وثمانون سنة شمسية، من عام (711 م حتى 1492) م. وحكمها الشاعر أبو القاسم المعتمد على الله بن عبّاد ثالث وآخر ملوك بني عبّاد بالأندلس، وأبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن طفيل القيسي الأندلسي، المعروف بإبن طُفيل الأندلسي، وهو من أشهر المفكرين العرب، فهو فيلسوف وعالِم وطبيب عربي مسلم، ورجل دولة من الطراز الرفيع، وكان قد اشتغل في ميادين الفلسفة والرياضيات والأدب والطب والفَلَك. ومن أشهر اعماله رواية (حي بن يقظان). وابن حزم أبو محمد بن معدان بن سفيان بن يزيد الأندلسي القرطبي وهو من أكبر علماء الأندلس، وأكبر علماء الإسلام تصنيفاً وتأليفاً بعد الطبري، وكان وزيراً سياسياً لبني أميّة، من أهم أعماله (المُحلّى، الإحكام في أصول الأحكام، الفصل في المِلَل والنِحَل، والأخلاق والسِّيَر، ومداواة النفوس، وطوق الحمامة).وعباس بن فرناس، أبو القاسم عبّاس بن فرناس بن وَرداس التاكرني العالِم والشاعر، وعالم الرياضيات والفلك، والكيمياء والهندسة، والمخترع الموسوعي المسلم، الشهير بمحاولته الطيران. وجميعهم وغيرهم ساهموا في تقوية وتثبيت فكرة العروبة التي نعتز بها .
كما يمكننا أن نؤكِّد على أنَّ العروبة التي هي لغة الشعراء والكتَّاب والمبدعين، من أمثال الشاعر العربي الأعشى (أَبُو بَصِيرْ مَيْمُونْ بْنْ قَيْسْ بْنْ جَنْدَلْ بْنْ شَرَاحِيلْ بْنْ عَوْفْ بْنْ سَعْدْ بْنْ ضُبَيْعَة اَلْبَكْرِي المعروف بِالْأَعْشَى)، والحارث بن حلزة اليشكري (الحارث بن حلّزة بن مكروه بن يزيد بن عبد الله بن مالك بن عبد بن سعد بن جشم بن ذبيان بن كنانة بن يشكر بن بكر بن وائل، من عظماء قبيلة بكر بن وائل)، والنابغة الذبياني (أبُو إِمَامَةِ زِيَادْ بْنْ مُعَاوِيَة بْنْ ضَبَابِ بْنْ جَابِرْ بْنْ يَرْبُوعِ بْنْ غَيْظِ بْنْ مَرَّةِ اَلذُّبْيَانِي المعروف بِالنَّابِغَةِ اَلذُّبْيَانِي. شاعر عربي من شعراء الطبقة الاولى)، وامرؤ القيس(اُمْرُؤُ القَيْس بْنُ حُجْرُ بْنُ الحَارِثِ الكِنْدِي ؛ شاعر عربي ذو مكانة رفيعة، بَرز في فترةِ الجاهلية، ويُعد رأس شعراء العرب وأبرزهم في التاريخ ووصف بأنه أشعر الناس، وهو صاحب أشهر معلقة من المعلقات)، وزهير بن أبي سلمى(زهَيْرْ بْنْ أَبِي سُلْمَى رَبِيعَة بْنْ رَبَاحْ اَلْمَزْنِي اَلْمُضَرِيَّ، أحد أشهر شعراء العرب وحكيم الشعراء في الجاهلية وهو أحد الثلاثة المقدمين على سائر الشعراء وهم: امرؤ القيس وزُهير بن أبي سُلْمى والنابغة الذبياني)، ولبيد بن ربيعة(أبُوْ عَقِيْلٍ لَبِيْدُ بْنُ رَبِيْعَةٍ بْنُ مَالِكٍ العَامِرِي صحابي وأحد الشعراء الفرسان الأشراف في الجاهلية) ،والمتنبي(أَبُو اَلطَّيِّبْ أَحْمَدْ بْنْ اَلْحُسَيْنْ اَلْجَعْفِي اَلْكَنَدِيَّ اَلْكُوفِيِّ المعروف بِالْمُتَنَبِّي والمُلقب بِشَاعِرِ اَلْعَرَبِ؛ له مكانة سامية لم تُتح مثلها لغيره من شعراء العرب بعد الإسلام، فيوصف بأنه نادرة زمانه، وأعجوبة عصره)، وطه حسين(طه حسين علي بن سلامة، أديب وناقد مصري، لُقّب بعميد الأدب العربي. يعتبر من أبرز الشخصيات في الحركة العربية الأدبية الحديثة. لا تزال أفكار ومواقف طه حسين تثير الجدل حتى اليوم)، وأبو القاسم الشابي (أبو القاسم الشَّابِّي الهذلي .الملقب بشاعر الخضراء شاعر تونسي من العصر الحديث)، ومحمد مهدي الجواهري(محمد مهدي الجواهري: شاعر عربي عراقي، يُعد من بين أفضل شعراء العرب في العصر الحديث. تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي.) وغيرهم، وكانت وما تزال فعل قوة ومواجهة، بخاصة في فترة بروز النهضة العربية وتطورها منذ نهاية القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين. والتي ساهم في نشوئها وتطورها عدد كبير من الرُوَّاد والمفكرين مثل : جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، وجرجي زيدان، ورفاعة الطهطاوي، ومحمد رشيد رضا، وقاسم أمين، وشكيب أرسلان وبطرس البستاني الذي يعتبر من أهم أدباء عصر النهضة وهو سليل دوحة البستانية التي أنجبت عمالقة الكتَّاب، والشعراء، والمفكرين، واللغويين الذين أسهموا مساهمةً كبرى بتحديث ونشر ووضع اللغة العربية بمتناول الجميع، والذين أغنوا الفكر العربي المشرقي والقومي بأفكارهم النيِّرة، ولعلَّ الإنجاز الأكبر الذي حقَّقه للغةِ العربية إلى جانب ترجمته للكتاب المقدَّس من لغتهِ الأصلية، وقاموس محيط المحيط، الذي يُعتبر من أشهر كتبه، وقد شكَّل في حينه أهم المعجزات اللغوية، والذي سيبقى مرجعاً هاماَ من أهم المراجع التي أغنت لغتنا العربية. ومعهم أيضاً ناصيف بن عبد الله بن سعد اليازجي (1800ـ 1871) م وهو أديب ومفكر وشاعر لبناني وأصله من مدينة حمص السورية. يعتبر من محرِّكي الحركة القومية العربية، فقد دعا للمساهمة في إحياء التراث العربي وتحديداً تراث اللغة العربية ونشره، وهو من أعمدة النهضة العربية وأعلامها الكبار، فقد اشترك الشيخ ناصيف اليازجي مع الدكتور كرنيليوس فانديك، والشيخ يوسف الأسير الأزهري، والمعلم بطرس البستاني في ترجمة الكتاب المقدَّس من اللغة الأصلية إلى اللغة العربية عام 1864م، وهو الذي ترك لنا إرثاً ضخماً في مجال الصرف والنحو والبيان، واللغة والمنطق، والطب والتاريخ. من أعماله : (نار القرى في شرح جوف الفرا في الصرف والنحو)، وكتاب: (عقد الجمان في علم البيان) وكتاب : (قطب الصناعة في أصول المنطق والتذكرة في أصول المنطق). وغيرهم كثير .
والمفكرٌ والأديبٌ، والروائي والمؤرخ والرحالة، ورسام الكاريكاتير اللبناني، أمين الريحاني أو أمين فارس أنطون يوسف بن المطران باسيل البجاني(1876 ـ 1940) م ،ويُلَقب بفيلسوف الفريكة، يعدُّ من أكابر دعاة الإصلاح الاجتماعي العربي وعمالقة الفكر في أواخرالقرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في الوطن العربي.وهو شخصية رئيسة لعب دوراً هاماً في التطور الفكري للقومية العربية. في كتاباته حول قضايا القومية العربية، وكان قد شدَّد على أهمية التعليم العلماني والدولة العلمانية، مشيراً إلى أنَّه يجب ألا تكون هناك أغلبية أو أقليات، بل يجب أن يكون هناك مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات. وكان المفكر أمين الريحاني قدأعطى الأولوية القصوى لنشر الشعور القومي، وهو المؤيد للوحدة بين الجماهير، وجادَلَ بأن الحكَّام يجب أن يتبعوه.
كل تلك القامات الفكرية ساهمت في بلورة فكرة العروبة منذ القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، ومعهم عدد من المفكرين الروَّاد الذين استمروا في التعبير عن الفكر العروبي، وفكر النهضة العربية، أمثال المؤرخ للقومية العربية جورج حبيب أنطونيوس ( 1892 ـ 1942 ) م مؤلف كتاب ( يقظة العرب : تاريخ حركة العرب القومية ) كَتَبَهُ باللغة الإنكليزية .
والمفكر الإسلامي والصحفي والكاتب والأديب اللغوي محمد رشيد بن علي رضا(1865 ـ 1935) م من أهم مؤلفاته (تفسير المنار)، وهو أحد تلاميذ الشيخ محمد عبده، أسَّس (مجلة المنار) .وصولاً إلى المفكر والكاتب السوري ساطع بن محمّد هلال الحُصري،أبو خلدون (1879 ـ 1968) م، أحد رموز القومية العربية في العصر الحديث، أسَّس وزارة المعارف السورية عام 1919م، وهو من وضع المناهج التربوية في سورية والعراق. وله فضل المشاركة في تأسيس كلّية الحقوق في جامعة بغداد، إضافةً لعَمَلِهِ كمستشار لدى جامعة الدول العربية. من مؤلفاته (العروبة بين دعاتها ومعارضيها)، وكتاب (العروبة أوَّلاً) .
إنَّ ما ننشده اليوم هو تعزيز العروبة وتثبيتها وتجذيرها في شعور ووجدان شعبنا العربي، والعمل على تحصينها وحمايتها، وأنسنتها بالحرية والديمقراطية، والاعتراف بالحق، والعمل على تحقيق المساواة، والإيمان بالتنوع والاختلاف وقبول الآخر. فمشروع النهضة العربية الاوَّل قد استند على عاملين رئيسيين هما الحرية والتنمية. هذان العاملان يمثلان الأسس والمرتكزات الرئيسية للمشروع النهضوي العربي. وتحديداً في عصرنا الحديث، لأنَّه مشروع حضاري ويرتكز على التحرّر من جميع العوائق والعقبات السياسية، والتحرّر من القيود التي تكبِّل التنمية الاقتصادية المستقبلية، وتحقيق التكامل الاقتصادي العربي. وتحقيق الوحدة العربية والديمقراطية التي تؤدي بدورها إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، والإشراق الحضاري وتجدّدهِ . كل هذا يؤكِّد على ضرورة العمل على أنسنة العروبة البعيدة عن التطرّف والتعصّب ومن ينتجه من عنفٍ وبغضاء وتكريس الإرهاب. على هذه القاعدة يمكننا أن نعتبر أنّ عالم الاجتماع العربي الأوَّل ابن خلدون ( عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي ) وابن المقفَّع (أبو مٰحَمَّد عبد الله واسمه روزبه بن داذويه قبل إسلامه) . والجاحظ (أَبُو عُثْمَانْ عَمْرُو بْنْ بَحْرْ بْنْ مَحْبُوبْ بْنْ فَزَارَة اَللَّيْثِي اَلْكِنَانِي اَلْبَصَرِيَّ المعروف بِالْجَاحِظِ )، وسيبويه (عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، يُكنى أبو بشر، إمام النحاة، وأول من بسّط علم النحو)، وابن سينا (أَبُو عَلِي اَلْحُسَيْنْ بْنْ عَبْدِ اَللَّهْ بْنْ اَلْحَسَنْ بْنْ عَلِي بْنْ سِينَا اَلْبَلْخِي ثُمَّ اَلْبُخَارِي اَلمعروف بِابْنِ سِينَا) وبشار بن برد (أَبُو مُعَاذْ بَشَّارْ بْنْ بُرْدْ بْنْ يَرْجُوخْ اَلْعَقِيلِي، شاعر مطبوع إمام الشعراء المولدين. ومن المخضرمين). ونفطوية (أبو عبد الله إبراهيم بن محمّد بن عرفة العَتَكيّ الأزديّ. إمام حافظ، إمام من أئمة النحو، فقيه ظاهري)، وابن رشد (أبُو اَلْوَلِيدْ مُحَمَّدْ بْنْ أَحْمَدْ بْنْ مُحَمَّدْ بْنْ أَحْمَدْ بْنْ أَحْمَدْ بْنْ رُشْدْ اَلْأَنْدَلُسِيِّ المعروف بِابْنِ رُشْدْ اَلْحَفِيدِ، فيلسوف أندلسي مسلم. درس الفقه، والأصول، والطب، والرياضيات، والفلك والفلسفة، وبرع في علم الخلاف) وغيرهم كثير أسَّسوا للعروبة المبنية على أساس اللغة والثقافة، ويمكن إضافة الجغرافيا والدين كأسس للهوية العربية، لا علاقة لها بالانتماء (الإثني) العرقي والقبلي العشائري. بعيداً عن أي موقف تفضيلي، أو محاولة تهدف إلى تفضيل العرب وتمييزهم عن غيرهم بسبب ذلك، وبعيداً أيضاً عن نقيضهبالقيام بمحاولات فاشلة تهدف إلى الإقلال من شأنهم ومكانتهم، وتبخيس دورهم الكبير.
لقد ساهمت الدراسات الجادّة في التأكيد على كل ما تحتاجه العروبة في عصرنا الحالي من أجل إعادة هيكلتها من جديد، لتكون أكثر انفتاحاً وقبولاً للآخر، وتقبل بالتعدّدية والاختلاف. أي الإقرار بالتعدُّد والتنوع في إطار الوحدة، وهو ما يجنِّبها التذرّر والتفتت والانقسام، ويجعلها جامعة مانعة ومتعدِّدة في آن معاً. كل ذلك يمكن أن يقدِّمَ لنا كهوية منبع قوة روحية وعاطفية لم يتم اكتشافها تاريخياً حتى يومنا الحالي. مع كل أملنا وطموحنا أن يتم إنجاز مشروعنا العروبي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى