حكايا من القرايا.. ” طيران يقصف “
عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين
أكبر شخصية اعتبارية في قرية السردانية كانت المختار، صاحب الختم والتوقيع، وصاحب الرأي والقرار… يليه هيئة اعتبارية تشكل من عائلات القرية يطلق عليها ” لجنة السردانية” وهي عادة تضم من خمسة إلى سبعة أشخاص عليهم العين… وهم أهل للمشورة…
لم يصدق أحمد المفلفل نفسه بأنه أصبح أحد أعضاء اللجنة، وهو الذي يفترض في نفسه العظمة، نعم يتصور نفسه في مصاف العظماء، كعبد الناصر، وتشرشل، وماو… ويعتقد أنه من مفارقات القدر أن يخلق الرجل في السردانية، القرية المنسية المهمشة… هذا ما يظنه في نفسه، ويحدث الناس عن بطولاته… وصولاته وجولاته، والناس يهزون رؤوسهم بالموافقة، ويدارونه في الذي يقول، ولو نظرت إليه لعطفت عليه، فما من شبر في ديمايته إلا به خرق، من تدخينه للهيشي وتطاير الشرر عليه من توالي الدخان… يخيل لك أن فردتي حذائه يمين يمين، واتفقا في اللون بعدما أصبحا قديمين… يلبسهما الرجل فقراويّاً، أي بطعج الجدار الخلفي للحذاء تحت كعبه… حطّته معقولة، أما عقاله فأبلاه الزمن، وقصت شراشيبه… وكل هذا والمفلفل يظن نفسه بطلاً… وها هو عضو لجنة السردانية… ويا أرض اشتدّي ما في حدا قدّي…
يمشي في الحارة، والأزقة وكأنه يتفقد شؤون الناس، يطرح السلام على الناس بنزق… فتقول الكركية للنساء المجتمعات معها بخبثها المعهود، وعلى مسمع المفلفل ” الله بعلّيهم وبوطّي نفوسهم ” فيطير الرجل زهواً ويمشي بفقراويّته وكأنه امتلك الكون…
كل هذا كوم، والكوم الثاني عندما تشاحن مع زوجة أخيه أم الحنّون، وكانت دار المفلفل وأرضه على حدّ أرض أم الحنون… ولما الشر بدو يقع يصبح قدراً… تقنى أم الحنون بعض الدجاج مع ديك في خمّ، وهي زابنة طيورها، فلا تخرجها من خمّها إلا وقت علفها… وشاءت الصدفة ذات يوم أن تنسى الديك خارج الخم، يقفز الديك عن السنسلة الحجرية، ويتخطّى الحدود، بلا إذن ولا دستور، ويعيث خراباً في مزروعات العظيم المفلفل…
رأى المفلفل ما حل بمزروعاته، فطار ظبان مخّه، هاجم الديك بحجر فأرداه قتيلا… وعلقت بين أم حنون وسلفها… واشتعلت الحارة صياحاً… هو يصيح وهي تصيح… ولا واحد قادر يتدخل ليحمش بينهما… وغلطت أم حنون وقصفت جبهة العظيم بمسبة ثقيلة، من الزنار وتحت… انجن الرجل، وأصبح يطارد جيئة وذهابا في الشارع، وهو يزعبر زعبرة غير مفهومة… وأخيراً وقف، وقال للناس ” لا تتجمهروا، ولا تتجمعوا ” هسّا بدّي أطّلع طيارات واقصف… وذهب إلى بيته والناس ما زالت تنتظر قصف المفلفل الجوي…