نظام السلطة وسلطة النظام والاتفاقيات الموقعة مع دولة الاحتلال
يونس العموري | فلسطين
لوحة لوجان جالاردو
علمونا اذا كان كلامنا من فضة فسكوتنا من ذهب، ولا يمكن الاتفاق مع هكذا مقولة خادعة خانعة مستكينة في الظرف الراهن، ولا بد من الكلام والحديث والاخذ بأطراف المجاهرة واعلاء الصوت بالحق والحقيقة، والحقيقة لا بد من الكشف عنها و التصريح العلني بها ومصارحة الكل ووضع النقاط فوق الحروف وفهم غير المفهوم ومحاولة استكشاف الوقائع السياسية الراهنة ، ولا بد من تفسير الامور بشكل صحيح وغير قابل للتأويل او التحريف، ومحاولة فهم المستور من الكلام والمواقف المُعلنة هنا وهناك، ووقف العبث الاحمق في دهاليز الغرف المظلمة والمغلقة.
ومما لاشك فيه انه من المفروض ان يكون للسلطة نظام تخضع له كافة مكونات هذه السلطة يقوم على أساس حقيقة وطبيعة وشكل الإرادة الجماهيرية ، والفصل التام ما بين السلطات الأساسية لمكونات السلطة وفي الحالة الفلسطينية المعقدة والمتشرذمة الشكل والطابع كان النظام الأساسي بمثابة الدستور العام للسلطة، وهو ما لا يعمل به وتم الإطاحة به وبكل اركانه واسسه، حيث باتت السلطة بلا نظم وغير مفهومة التوجه والطابع وانهيار المؤسسات العامة التي من المفروض انها تخضع للنظام ولمنظومة القوانين المنبثقة عن النظام الأساسي ، ولعل الأساس الفعلي الذي يحكم السلطة وتوجهاتها يتمثل بالاتفاقات الموقعة مع دولة الاحتلال المُنشأة بموجبها السلطة، هذه الاتفاقيات التي حددت في طياتها كل شأن يتعلق بأمور السلطة وتوجهاتها الداخلية والخارجية وان حاولت القيادة الرسمية الفلسطينية في مراحل معينة الخروج عن قيود هذه الاتفاقات الا انها قد باءت بالفشل ، وحجر الزاوية في هذه الاتفاقات ما يسمى بالتنسيق المشترك بكل ما يتصل بإدارة شؤون يوميات الواقع الفلسطيني على مختلف الصعد والمستويات المدنية والاقتصادية وتلك الأمنية ، بصرف النظر عن القوانين المُشرعنة فلسطينيا، وحيث ذلك لابد من وضع النقاط فوق الحروف، فقد باتت السلطة وهمية الطابع والمضمون ، وهي سلطة بلا سيادة او سلطة ، سلطة تخضع لمنطق التنسيق المشترك وما يتم الاتفاق عليه ، سلطة غير مُأسسة ، ولا تستطيع السلطة ان تعمل بموجب القوانين وان ارادت ذلك ، ولا تستطيع توفير الإمكانيات لبرامجها الا وفقا لتوافق اركان السلطة مع الجانب الاخر من معادلة التنسيق المشترك ، ان الحاكم بأمره بمناطق السلطة اذا ما جاز التعبير هو جملة الاتفاقيات والتفاسير لهذه الاتفاقات ، وتفسيرها خاضع لمنطق تفسير حكومات الاحتلال المتعاقبة منذ البدايات.
وبلا شك ان وقف التنسيق المشترك مع إسرائيل وتردد السلطة السابق في الإقدام على مثل هذه الخطوة فعليا رغم الإعلان عن ذلك في أكثر من مناسبة، يعني حل السلطة أو انهيارها حيث ان فلسفة الاتفاقيات المُلزمة للسلطة والتي بموجبها قامت وبنيت على اساس فكرة التعاون والتنسيق المشترك. وان التحلل من جميع الاتفاقات والتفاهمات، ومن جميع الالتزامات المترتبة عليها، بما فيها الالتزامات الأمنية، انما يوضح حجم ارتباط السلطة الفلسطينية بإسرائيل، ، وهو ما يفسر عمليا الدور الوظيفي للسلطة الذي فصلته لها الاتفاقيات في إدارة شؤون الفلسطينيين اليومية، التي لا يمكن تصريفها إلا من خلال قناة التنسيق بكل اشكاله، الأمر الذي طال ويطال كل مناحي الحياة في المناطق المسماة مجازا مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية والخاضعة شكلا للسيطرة الفلسطينية، وبالتالي فأن سلطات الاحتلال ومن خلال ضابطيه الحكم العسكري في بيت ايل هي التي تدير كل الشؤون الفلسطينية الحياتية الحيوية عبر بوابة السلطة الوطنية الفلسطينية وهو الامر المعلوم والمعروف ولا مجال لإنكاره هنا. وبهذا السياق فإن اسرائيل هي القادرة على منح او تضييق الخناق على صلاحيات السلطة في مختلف المناطق بدءا من استلام اموال المقاصة وانتهاء بتحريك القوات الأمنية من منطقة الى منطقة في الضفة الغربية، كما ان دولة الاحتلال هي التي تقرر وبشكل حصري منح السلطة “الموافقات والتسهيلات” التي يطلبها الجانب الفلسطيني.
السلطة تدرك أن استمرار قيامها بوظائفها وتقديم خدماتها لشعبها قائم على اساس ان الاتفاقيات سالفة الذكر من اوسلو وتوابعها، وهي الحاكمة والضابطة لإيقاع الدور المنوط بها وان كل هذا التوافقات قائمة على فكرة التنسيق المتبادل بما في ذلك الأمنية وبالتالي فإن وقف او تجميد فكرة التنسيق انما يعني اهتزاز الاتفاقات وبالتالي اهتزاز وتقويض اركان السلطة ذاتها واساساتها على اعتبار ان السلطة شهادة ميلادها للحياة هي اتفاقيات اوسلو وتوابعها. وهنا يطرح السؤال ذاته بشكل مباشر:
هل تستطيع القيادة التحلل ووقف العمل بالاتفاقيات مع دولة الاحتلال …؟؟ ام ان التلويح بوقف التنسيق المشترك تارة والتحلل من الاتفاقيات تارة أخرى، مجرد خطوة لممارسة الضغط على إسرائيل …؟؟ ام انه يأتي في سياق خربشة اوراق اللعبة السياسية ومحاولة الوصول الى اتفاقيات جديدة محسنة الشروط…؟ حيث ان التحلل من الاتفاقيات وتجميد العمل بها كخطوة اولى على طريق الغائها انما يعني فتح المواجهة مع اسرائيل. والسؤال الاخر الذي يبدو ملحا: هل ثمة قرار او قدرة لدى الجانب الفلسطيني على فتح مثل هكذا مواجهة؟ بل هل هي قادرة وبظرفية وقائع المرحلة الفلسطينية الراهنة وبكل حيثياتها على فتح مثل هكذا مواجهة مفتوحة الخيارات؟
لا يخفي على أحد ان البنى التحتية للمواجهة قد تم السيطرة عليها وتفكيك اركانها على مختلف المستويات والصعد، وان عقيدة المواجهة الشعبية قد تم تشويهها وأضحت في مهب الريح، والقوى الجماهيرية الشعبية والوطنية غير قادرة على احداث حالة استنهاضيه راهنة قادرة على فعل المواجهة بشكل او بأخر. وهو الامر الذي بات محسوسا وملموسا لدى كافة القطاعات ولدى الطرف الاسرائيلي ايضا برغم من كل التهويل والخربشات الاعلامية التي تعج بها وقائع المرحلة الحالية والآنية.
وبلا ادنى شك ان الجانب الفلسطيني في مأزق حقيقي ، بمعنى أنك لا تستطيع العمل بموجب القوانين وسيادة النظام الأساسي ( دستور الدولة ) في ظل ضياع سيادة السلطة على الأرض ، او التخلي عن الاتفاقيات أو تجميدها أو التحلل منها، دون إنهاء وجود السلطة التي هي أهم ناتج عن هذه الاتفاقيات، فالسلطة هي المعبر الأساس عنها، وإذا ما أردت التحلل من الاتفاقيات أو إلغائها أو وقفها يجب أن تنهي الاتفاقيات بكل نتائجها، وفي مقدمتها السلطة التي نتجت عنها كما اسلفنا اعلاه، حيث انه ومن خلال القراءة السياسية لأوسلو كان من المفترض ان الهدف من وجود السلطة انتقالي لكي تتحول إلى دولة، وإذا ما أطيح بحل الدولتين، والواضح ان هذا الحل قد اصبح غير مطروح وغير قابل للتطبيق جراء سياسات الاحتلال الاستيطانية والضم وتهويد القدس بالكامل، مما يعني ببساطة ان السلطة امامها احد خيارين اما السعي لاتفاقيات جديدة من شأنها ان تحسن بعض شروط استمرارها بوظائفها وبقائها مجرد سلطة منزوعة الارادة والسيادة كما هي عليه الان او ان تلغي ذاتها ، واعادة أبجديات الصراع الى معادلتها الأولى.
وهنا لا بد من إدراك الحقائق الأتية والتعاطي على اساسها:
- وجود السلطة نجم عن اتفاقية مع الطرف المحتل – إسرائيل.
- السلطة التي لا تمتلك سيادة وتسيطر عليها إسرائيل من كافة الجوانب.
- استمرار وبقاء السلطة واستمرار وظائفها بكافة مناحي الحياة والشؤون اليومية مرتبط بالتنسيق مع إسرائيل.
- فشل مسيرة التسوية السياسية والمفاوضات كخيار استراتيجي لاستعادة الحقوق الفلسطينية.
- إن الشعب الفلسطيني قد تعرض لأكبر خدعة في التاريخ من خلال ما يسمى باتفاقية اوسلو.
- فشل الحركة الوطنية الفلسطينية في استيعاب متطلبات المرحلة.
- تشرذم وتشظي الحركة الوطنية وعدم قدرتها على التوافق والحد الأدنى على المشروع الوطني الفلسطيني واليات العمل السياسي.
- لابد من إعادة رسم خارطة التناقضات الفلسطينية على قاعدة المشروع الوطني والحقوق الفلسطينية التاريخية.
ولابد من الادراك ايضا ان الشعب الفلسطيني بات امام خيارين لا ثالث لهما وهما اما بقاء السلطة ومحاولة تحسين شروط بقاءها واستمرارها او الغاء وانهاء السلطة من خلال انهاء والغاء كافة الاتفاقيات مع دولة الاحتلال واعادة صياغة المشروع الوطني الفلسطيني من جديد وفقا للثوابت التاريخية للحقوق الوطنية العربية الفلسطينية، واعادة صياغة ادوات الفعل النضالي لمواجهة الاحتلال بعد هذا الفشل الذريع بكل ما يتصل بأدوات العمل التي ظلت مسيرة على الساحة الفلسطينية منذ انطلاق ما يسمى بمسيرة التسوية الفاشلة والتي اخفقت في تحقيق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، وتفكيك منظومة ومفاهيم العمل الوطني التي يتحمل مسؤولياتها الكل الوطني على مختلف توجهاتهم السياسية وتخندقاتهم التحالفية على المستوى الاقليمي والدولي، الأمر الذي يعني انه لا بد من إعادة صياغة الاصطفافات السياسية واعادة صياغة وبناء الأطر الوطنية القادرة على احداث استنهاض حقيقي لأدوات العمل الوطني.