أيُّ بلاءٍ أَناخَ على قلبِنا؟

سائد أبو عبيد 

John-William-Godward-1861-1922

كثُرتُ بحنطَتِنا ذاتَ يومٍ

فوسَّعتُ صدري كما شِئتُ

قال الرُّواةُ مروجًا يصيرُ موائدَ للطَّيرِ

تقتاتُ من صدرِهِ العاشقاتُ اللَّواتي خرجنَ بأبيضِهِنَّ حمَاما

وإِنْ تَعِبَتْ في الحَصادِ الحبيبةُ وحدي أَرى عَرَقًا في الجبينِ

أُلَمْلِمُهُ في اليمينِ وأَمسحُهُ فوقَ شقي اليَسارِ

فشَبَّ على كُوَّةِ الصَّدرِ مِنْ أَجلِها الياسمينُ

وسيعَينِ بالحُبِّ عِشنا

تُضَوِّءُ في اللَّيلِ أَقمارَها واحدًا واحدا

وتُدلِفُ فوقَ السَّريرِ ضفيرتَها

تُوشِمُ الوقتَ بسمتُها

يا إلهي أَحوريةٌ هبطتْ مِنْ سَمائِكَ ثَوَّبتَ قلبي بِها؟!

رياضٌ بغمازَتيها وهمسُ المزاميرِ في صوتِها

والينابيعُ في راحتيها تفيضُ

فلا عفنًا للغبارِ على شرفةِ البيتِ أو في حياضِ الحَديقةْ

لكَمْ تُهتُ في كُحلِها

كانَ أَنقى وأَجزَلَ من غيرِ دمعِ الوداعِ وسطوِ الفجيعةْ

 لكَمْ نَبَتَ الفجرُ بينَ الخُيوطِ  بأَثوابِها في السَّحرْ

روائِحُها في البواكيرِ جذلى

غديرٌ بمسطبةِ البيتِ خطوُ الحبيبةِ

قبَّرَةٌ تدهمُ الصَّمتَ مِشيَتُها

كلَّما أيقظتني رأَيتُ إِلهً مِنَ السِّلمِ يَبرُقُ في مُقلتيها

فأرقى إلى جَنَّةٍ دونَ نكبةْ

شآبيبَ ماءٍ بدا خَدُّها للفَراشاتِ يُورقُ بالضَّوءِ والجُلَّنارْ

يدي بالفسيحِ مُنَعَّمَةٌ لا قيودَ بِها

كنتُ أَجني لها عسلَ الملكاتِ وأَجلُبُ مِنْ كلِّ ثغرٍ لها وردةً

وأُشرِبها الماءَ مِنْ راحتيَّ على ظلِّ ليمونةٍ مَشرِقةْ

لقدْ كنتُ أَمشي بِهذا البهاءِ إلى المائِدةْ

تحدِّثُني بالعَبيرِ أحاورُها بالنَّسيمِ

فتلمسُنا رغوةُ الماءِ نورسةً في النَّشيدِ الوفيرْ

ألزِّجُ وجهَ المرَايا هديلَ القصيدةِ حتى ترى توءَمًا مِنْ أَنايْ

بآسٍ أُكَلِّلُ مرآتَها

كَثُرنا بأَبيضِ نرجِسِنا دونَ حربٍ ومِنْ غيرِ حزنٍ على قَصَبٍ في الرَّوابي

 تَسلَّقَني سوسنٌ من يديها فكاشفَني عاريًا من ضياعي

تقوَّستُ حتى غُمِرتُ بِها

ضفةُ النَّهرِ مثلي يُمَرِّضُها يبسٌ واحتراقْ

أرى أنَّني في شُحُوبٍ

وشاحبةٌ أَنتِ بالقُبلةِ البَارِدةْ

أُريدُكِ أَنْ تُوسعي الشَّوقَ أكثرْ

وأَنْ تصهري ثَلجَ جِلدي

وأَدباغَ قيدي

وما قدْ تكلَّسَ منْ آهنا في ثلومِ الصدى النائحاتِ 

بنسغِكِ تبدو الهويةُ عاصيةَ الإندثارْ   

لكي تَعبري للنَّهاراتِ حُثِّي معي رئةَ الحبِّ حتى تُغني

أليسَ هو الحبُّ من يقتلُ الكرهَ والغاصبينَ؟

ومن يزرعُ الوقتَ بالعاشِقينَ؟

ويجمعُنا مدنفِينَ إِلى ذاتِنا بينَ بينِ القَصيدةْ؟

تقولُ بلى

قلتُ أيُّ بلاءٍ أَناخَ على قلبِنا؟

كَثُرنا بهِ يومَ كنَّا شفيفينِ مِنْ غيرِ عتمٍ ونمشي الهُوينا معًا آمنينْ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى