هل الوطن للسياسيين فقط ؟

ناريمان الشريف

الكلام سياسة، وكذا الاقتصاد والحياة الاجتماعية حتى العلاقات الزوجية سياسة، فهل الأدب سياسة؟! ولأنني أعتقد أن الإجابة .. نعم.. فما بال السياسيون يسيطرون على الوطن؟! وهل الوطن للساسة فقط؟ لماذا لا نجد ذاك الأثر للشعراء وللأدباء والمثقفين كما للسياسيين؟ في الإعلام .. ثلاثة أرباع المقابلات على كل وسائل الإعلام مع السياسيين وصناع الحروب والسلام، أما الأدباء فمغيبون عن الساحة ! ماذا يصنعون ؟! يحبون؟! يتغزلون؟!

الكاتب العربي (شاعراً كان أم أديباً أم ….) لا يجوز له أن يحب؛ لأنه صاحب قضية، هل رأيت شاعراً يتغزل بمحبوبته في وسط الدمار؟ هذا ما يفعله بعض شعراء اليوم .. يقولون في أنفسهم : ما لنا والسياسة ؟!

يحدثنا التاريخ أن عشرة من الشعراء العرب انتحروا في القرن العشرين؛ بعضهم انتحر قهراً على الوطن وآخر انتحر قهراً من المحبوبة التي غدرته وخانته وأسباب أخرى، وكم من شاعر قتلته قصيدته،  ففي الماضي مات المتنبي مقتولاً هذا الشاعر الذي ملأت قصائده الدنيا؛ مات مقتولاً بسبب قصيدة مطلعها:

 ما أنصف القومُ ضبّة وأمـه الطرطـبّـة

فلا بمن مات فخـرٌ ولا بمن عاش رغبة

وإنما قلت ما قلـ ترحمـة لا محـبـة

وحيلة لـك حتـى عذرت لو كنت تيبه

وما عليك من القتل إنمـا هـي ضربـة

وما عليك من الغدر إنمـا هـو سـبـة

وفي ذلك قصة معروفة .. وفي عصرنا الحديث أعدم شاعرشنقاً في قصيدة قالها الشاعر أحمد النعيمي كانت بعنوان (نحن شعب لا يستحي).. مظفر النواب هذا الشاعر العراقي، الذي اشتهر بشعره السياسي المنتقد بقوة للأنظمة العربية، وكذلك بقرضه الشعر العامي. عاش تجربة الاعتقال وقضى معظم عمره شريداً في المنافي. وذاع صيته من خلال الأمسيات الشعرية المسجلة؛ تقول حكايته إنه عاش أربعة عقود طريداً .. وحقاً كما وصفوه (شاعر الغربة والضياع)، وفي قصيدته “الانتفاضة” (2001) يقول النواب: (قد أذن الدم الزكي أن محمد الدرة من يؤمكم.. يا رجال وحّدوا الصفوف خلفه.. حيَّ على السلاح.. لا تقهر انتفاضتي وموقعي.. أدوس أنف من يشك أن بندقيتي.. تلقـّح الزمان أشرف اللقاح)

الشاعر عبد الرحيم محمود (شهيد معركة الشجرة) والذي قال في مطلع قصيدة مشهورة له: (سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى ** فإما حياة تسرّ الصديق وإما ممات يغيظ العدا)

أما أحمد مطر فرصد ما كان يعانيه المجتمع من جهل وتخلف، وكانت رسالته تقول: على الشاعر أن يلتزم جانب الدفاع عن أبناء شعبه ويصور معاناته، وكلنا يعرف ما لحق الشاعر أحمد مطر من أذى بسبب شعره الذي جاء بأسلوب لاذع ويؤكد على دور القلم في تغيير الواقع يقول :

جسّ الطبيب خافقي

وقال لي:

هل هاهنا الألمْ ؟

قلت له: نعمْ

فشق بالمشرط جيب معطفي

وأخرج القلمْ !

هز الطبيب رأسه .. ومال وآبتسمْ

وقال لي :

ليس سوى قلمْ

فقلت لا يا سيدي

هذا يدٌ … وفمْ

رصاصة … ودمْ

وتهمة سافرة تمشي بلا قدمْ

شَكَّل”الحاكم” الموضوع القطب داخل دواوين أحمد مطر؛ وفي لافتاته كان سبب التبعية والفقر والقهر وسوء التدبير…مثال للوحشية، والغباء، والكذب، والنَّهم الغرائزي الفاضح… شرّيرٌ إلى أبعد حدود. حتى الفنان صاحب الرسمة الكاريكاتورية البسيطة .. الجريئة المضحكة المبكية الذي كان له أيما تأثير كبير على توجهات وآراء الشعب الفلسطيني .. (ناجي العلي) قتل برصاصة غادرة من مسدس كاتم للصوت في وسط لندن وفي أحد شوارعها “.

فهذا هو مصطفى لطفي المنفلوطي رغم صغر سنه يوم محاولة اغتيال سعد زغلول، وشيّع في جنازة متواضعة، ولم يحظ بجنازة تليق بمقامه وقامته الأدبية السامقة ..قياساً بجنازات الساسة، وهذا الجواهري غادر الدنيا في تموز عام سبعة وتسعين وتسعمئة وألف، ودفن في دمشق بسوريا التي قضى بها آخر أيام حياته ورحل بعد أن تمرد وتحدى ودخل معارك كبرى وخاض غمرتها واكتوى بنيرانها فكان بحق شاهد العصر الذي لم يجامل ولم يحاب أحداً رحل وهو حزين مثل حزن العراق ويصف حاله في أبيات قيمة في المعنى …

ولا تعجبوا أن القوافي حزينة ^^ فكل بلادي في ثياب حداد

وما الشعر إلا صفحة من حياتها ^^وما أنا إلا صورة لبلادي

بالمختصر.. في عصرنا الحديث؛ الشاعر العربي الذي له تأثير،  إما ينفى او يهجر حتى ظهر (شعر المهجر) وهذا ليس إلا عند العرب، وقلما ينجو أديب أو كاتب أو شاعر أو رسام من الموت الغادر إذا قال كلمة الحق المؤثرة، ولكن الملاحظ أن المؤثِّـــرين في العصر الحديث قلوا أو انقرضوا, وحل محلهم، من يكتب عن الحب.. هل هذه المصائر هي التي جعلت الأدب يتردى، أو جعلته لا يقوم بواجبه، وبالتالي؛ قل الاهتمام برأي أهل الأدب

في الوقت الذي يؤكد لنا الأدب العربي في طيات الكتب عبر القصص أن الكلمة لعبت دورًا مشرفًا في جميع وَقائع القوم، فكان الشعر العربي منذ أقدم العصور يُواكِب المعارك والأيام والحروب، وكان للشعراء دورٌ في المعارك لا يقلُّ عن دور الفرسان فيها.

كانوا يحرِّضون على القتال، ويذكون رُوحَ الحَمِيَّة والحماسة، ويشجعون المقاتلين، ويَستَثِيرون الهمم والعزائم، ويذكرون الأمجاد والأحساب.

وإذا ما انتَهت المعركة رَثَوا أبطالَها وفرسانَها، وافتخروا بما حقَّقه الجيش من انتصار، وما أَوقَع في جند العدو من هزائم، واتَّخذ الشعراء من ذلك كله وسائلَ فخر وإعلان ودعاية، على نحو ما تَفعَله الصحف وأجهزة الإعلام المختلفة في أيامنا هذه.

وكان الشعر يواكب أيام العرب وغاراتهم وحروبهم .. فهذه عفيرة بنت عباد من جديس تنعى على قومِها استسلامَهم للظلم، وهتك الحرمات، وتستعديهم على طسم، فتقول:

وَلَوْ أَنَّنَا كُنَّا رِجَالاً وَكُنْتُمُ

نِسَاءً لَكُنَّا لاَ نَقَرُّ بِذَا الْفِعْلِ

فَمُوتُوا كِرَامًا أَوْ أَمِيتُوا عَدُوَّكُمْ

وَدِبُّوا لِنَارِ الْحَرْبِ بِالْحَطَبِ الْجَزْلِ

وَإِنْ أَنْتُمُ لَمْ تَغْضَبُوا بَعْدَ هَذِهِ

فَكُونُوا نِسَاءً لاَ يُعَبْنَ مِنَ الْكُحْلِ

وكلنا نذكر كلمة القائد طارق بن زيا د ( البحر من ورائكم والعدو أمامكم ,,,,, )، وهذا يعني أن كلمة الشاعر أو الأديب المفوه الخطيب له تأثير ولقوله صدى؛ فما حال بعض الأدباء اليوم ؟ يكتبون عن الحب وليته العذري! من يقل الحقيقة يشنق أو يقتل أو يسجن أو ينفى. هل هو الخوف على الحياة، أم مغريات الحياة أم ماذا؟ ما الأسباب التي أدت إلى ضعف تأثير الأديب أو الشاعر على الرأي العام وعلى الحالة المتردية السائدة الآن ؟ وهل الوطن للسياسيين فقط ؟

ملاحظة هامة : التعميم هنا ليس وارداً .. فكل الكلام عن ( بعض ) وليس ( الكل ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى