حول البيعة

د. خضر محجز | فلسطين

لقد بايع الصحابةُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكثر من مرة:

1ـ بيعة العقبة الأولى: في العام الثاني عشر لبعثته صلى الله عليه وسلم ـ أي قبل الهجرة بعام ـ إذ بايعه على الإسلام (دون جهاد) 6 من الأشخاص من يثرب.

2ـ بيعة العقبة الثانية: في العام الثالث عشر لبعثته صلى الله عليه وسلم ـ أي قبل الهجرة بعام ـ إذ بايعه على الإسلام والجهاد 73 من الأشخاص من يثرب، منهم الستة السابقون.

3ـ بيعة الحديبية: وذلك في العام 6 هجرية. وفيه بايع الصحابة الذين خرجوا للعمرة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الموت.

4ـ بيعة النساء: وهي البيعة التي أخذها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مكة، عام الفتح، لكل الناس الذين أسلموا جديداً من أهل مكة والحاضرين، رجالاً ونساءً. على الإسلام دون جهاد. وقد اشتهرت هذه البيعة ببيعة النساء، لما كان من النقاش المشهور لهند فيها مع الرسول صلى الله عليه وسلم.

5ـ بيعة خاصة لبعض الصحابة الذين بايعوا سابقاً، على ألا يسألوا الناس شيئاً.

أما البيعة في عهد الخلفاء الراشدين، فكانت للخليفة إيذاناً بطاعته في الحكم. ولم تكن مطلوبة من أحد سوى أهل الحل والعقد (مجلس الشورى).

إذن فـ:

1ـ ليس كل المسلمين بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن تأمل ما سبق يتبين أن الرسول لم يطلب بيعة أهل المدينة فرداً فرداً عندما هاجر إليه، بل اكتفى بتلقي بيعة من بايع، واعتبر الباقين مسلمين، دون حاجة لبيعة.

2ـ لم يقل أحد بأن كل أهل مكة ـ رجالاً ونساءً ـ قد خرجوا إلى رسول الله يوم الفتح وبايعوه. إذ اكتفوا بعدم الاعتراض على كونه رسول الله.

3ـ لم يطلب الخلفاء الراشدون البيعة من كل السكان.

4ـ لم يطلب الخلفاء الأمويون والعباسيون البيعة من السكان.

مما سبق نستنتج ما يأتي:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع بعض من بايعوا سابقاً. مما يعني بأنه كان يطلب البيعة في أمر محدد.

أ: فهو يطلب ممن بايعوا سابقاً على الإسلام، أن يبايعوا الآن على الموت (الحديبية).

ب: وهو يطلب ممن بايعوا سابقاً على الإسلام، ألا يسألوا الناس شيئاً.

ج: وهو يطلب ممن بايعوا على الإسلام دون جهاد أن يبايعوا على الإسلام مع الجهاد (العقبة الثانية).

د: وهو يطلب من النساء إسلاماً لا قتال فيه (بيعة النساء).

هـ وهو يطلب من النساء إسلاماً لا زنا فيه. مع العلم أنه لم يحدد ذلك في بيعته للرجال (بيعة النساء).

إذن فالبيعة في زمن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نوعان:

1ـ نوع عام يدخل فيه الناس في الإسلام. وهذا لم يعد مطلوباً بعد وفاة الرسول، إذ أصبح ينوب عته إعلان الشخص بأنه مسلم.

2ـ ونوع خاص يطالب فيه الرسول الحاضر من أفراد الجيش بالقتال والموت.

لقد كان كل ذلك نظام قديم يتحالف فيه العرب على الطاعة والنصرة. وانتهى هذا النظام مع موت الرسول صلى الله عليه وسلم: إذ لم نسمع أن أياً من الخلفاء الراشدين طلب البيعة من الناس للخروج لقتال الفرس أو الروم أو حرب الردة، مع خطورة الأمر وكونه مصيرياً.

بناء على كل ما سبق نقول بحول الله:

إن كل من يطلب من المسلم بيعة عامة في الطاعة في المنشط والمكره، هو إنما يطلب منا أن نتعامل معه كما لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع فارق جوهري: أنه ليس معصوماً ولا رحيماً كرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بل يمكنه أن يأمرنا بما يذهب بديننا ودنيانا، لمصلحة دنياه ودنيا أولاده الحمقى.

وعلى ذلك فكل بيعة بايع فيها مسلم مسلما على الطاعة في المنشط والمكره هي بدعة وضلالة لم يفعلها الخلفاء الراشدون بعد وفاة رسول الله، ولم يطلبوها، وهم أعلم الناس بدين الله.

هذا والله أعلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى