هواة تجميع اللايكات

توفيق أبو شومر | فلسطين

لكل عصرٍ سماتُه وهواياته، فقد كانت لنا في القرن الماضي هواياتٌ انقرضتْ في هذا القرن، فقد كان معظمُ الشباب منذ نصف قرن أو أكثر مولعين بجمع الطوابع البريدية لدول العالم، وكان الهواةُ يتبادلون طوابع الدول المُكرَّرةَ فيما بينهم ليضموها إلى إلبوماتِ طوابعهم، وكانوا يفخرون بهذا الجمع، حتى أن رفيقا لي كان يضع طابع البريد لكل دولة من الدول في إلبومه، ويكتب نُبذة عن الدولة ورمز طابعِ بريدها، فكانت الهوايةُ مفيدةً تُعلّمُ وتُثقِّفُ.

وكانت هناك هوايةٌ أخرى وهي مراسلة الأصدقاء، وكانت الصحف تنشر أسماء وصور وعناوين الراغبين في مراسلة الأصدقاء في كل أنحاء العالم، وكان كثيرون يتبادلون الرسائل مع شخصياتٍ عرفوها من خلال إعلانات الجرائد والمجلات، وكانوا يتعلمون أيضا منها، بتحسين خطوطهم وأساليبهم ليظهروا بالمظهر اللائق، وما أزال أذكر صديقا كان مولعا بمراسلة صديق مغربي، ظلَّ مواظبا على استشارة أصدقائه في رسائله التي ينوي إرسالها للصديق المغربي، وكان يقوم بتعديلها مراتٍ عديدةً، وهذا تعليمٌ وتدريبٌ على الكتابة والأسلوب!

ثم انتشرت في القرن الماضي أيضا هواية جميلةٌ أخرى، وهي الاحتفاظ بمفكرة يُسجِّل فيها صاحبها تعليقات أصدقائه بخطهم، وبخاصة قبل انتهاء العام الدراسي، وكانت المفكراتُ أجملَ الهدايا، وكان لبعض هذه المفكرات قفلٌ نحاسيٌ ظريف!

أما هوايات جيل الألفية الثالثة، فلعلَّ أبرزها اليوم هوايةَ جمع (اللايكات) من كلمة لايك(LIKE) الإنجليزية التي تعني أحبَّ، وهي الكلمة الشهيرة في مواقع التواصل الفيسبوكي والتي تلي نشر صورة جديدة أو تعليق أو خاطرة لمنتسبي شبكات التواصل، وعندما كنتُ أحاول معرفة مدى استفادة الجيل الجديد من هذه المواقع هالني ما رأيت، فمعظم التعليقات والصور التي تحظى بعدد كبير من لايكات المجاملات، هي أشياء تافهة لا تُعلم الأجيال، بل إنها تُفرِّجُ عنهم ضائقتهم، وتنفِّس احتقانهم على شاشات الكمبيوتر، وليس في المجال العملي المُنتج! ومن أخطر آثارها أنها تدفعهم إلى الغرور والاستعلاء أيضا، فقد قال لي أحدهم بأن ما كتبه (حصد) مئات اللايكات وعشرات التعليقات!

كما أن هذه الهواية ترمي إلى تحطيم اللغة العربية، واستبدال حروفها بحروف إنجليزية، ومزجها بكلمات دارجة ومنحوتة بصورة ارتجالية، مما يدفعني للقول بأن ما يحدث في كثير من صفحات الإنترنت جريمةٌ بشعة في حق لغتنا العربية، وفي حق أبنائنا الذين لن يمرّ عليهم وقتٌ طويل إلا وينسون هذه اللغة والكتابة بها، حينئذٍ تتحول اللغة العربية من لغتهم الرئيسة، إلى لغة ثانية، وهي قد تحولت بالفعل عند كثيرين!

كما أن انتشار المجاملات في شبكات الإنترنت أمر لا يقل خطورة عن تحطيم اللغة، فمعظم شاربي أرجيلة الفيس بوك ولاعبي نرد التويتر من رواد مقاهي الإنترنت، لا يبحثون إلا عن أنفسهم في الشبكة، ويودون أن يبرزوا فيها تعويضا عن إحباطهم وعجزهم، لذا فإنهم يبحثون عن أمثالهم ونظرائهم، يجاملونهم ليحصلوا بعدئذٍ على ثمن مجاملاتهم عددا من التعليقات، أو اللايكات، وهم يقاطعون كل مَن لا يُجاملهم، ويشاركهم شرب أرجيلة التويتر، وفصفصة مكسرات الفيس بوك ولنكدين وغيرها من مقاهي الألفية الثالثة!

لعل أخطر الآثار الجانبية لهذه المقاهي مضافا إلى ما سبق، هي أنها تحاول صياغة الجميع في بوتقةٍ واحدة، لهدف تطويعهم ، ثم تسييرهم وفق إرادة الأقوياء!

وسأظل أردد: (( ويلٌ للزمنِ الذي لا يَشُذُّ فيه إلا القليلون))!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى