جائزٌ بحُكم المُفتى!

صبري الموجي| رئيس التحرير التنفيذي لجريدة عالم الثقافة

 رغم أننا نُقدر علماء الأزهر، ونحترمُ الفتوى التى يتصدرون لها؛ لما تتسمُ به من علمٍ غزير، لايخلو من استلهام روح النص؛ مراعاة للمصالح المُرسلة، وأحوال العباد والبلاد، إلا أنه بدأت تصدُر عن شيوخٍ أزهريين فتاوى أبعد ما تكون عن منهج الوسطية والاعتدال الذى عُرف به علماء الأزهر على مر الأزمان.

من تلك الفتاوى فتوى عجيبة  للدكتور على جمعة مفتى مصر الأسبق أباح فيها الزواج العرفى، بحجة أنه زواجٌ شرعى، وإن كنا لا نشكك فى فقه الرجل وشرعية الزواج، إلا أن الشرع جعل حفظ النسل والعرض من مقاصد الشريعة الإسلامية، ومن الضرورات الخمس التى وجب على المرء حفظها، وهو ما لايتحقق مع الزواج العُرفى.

فالأولى بك يادكتور جمعة وأنت الشيخُ الفاهم أن تنادى –  فى زمن خربت فيه الذمم، وضاعت فيه القيم فى حارات الفوضى التى عمت البلاد، وأزقة اللأخلاق التى صارت السمة السائدة بين شبابنا –  بضرورة توثيق العقود حفاظا على النسل وحقوق الزوجات والأبناء، ومنعا  لتنكُر الزوج من نسبة الزوجة أو الولد إليه.

 وعلى درب تلك الفتاوى ، سار عالمٌ آخر، وهو الدكتور – أحمد كريمة، الذى أعلن مُوالاته الصريحة للشيعة، وسافر إلى إيران لإلقاء مُحاضرات هناك دون إذن من الأزهر، ولم ينته التحقيق فى قضيته تلك، حتى ألقى كرة فى الماء الراكد، فطالب فى مؤتمر عقده المجلس القومى لحقوق الإنسان لمناقشة كيفية مواجهة الإرهاب، بغلق كل القنوات الدينية لأنها سبب انتشار فكر التكفير، الذى وراء تلك العمليات الإرهابية.

والسؤال: أليستْ تلك القنوات وسيلة لنشر الدعوة، التى أمَرَنا بها ربُنا فى كتابه العزيز فى أكثر من موضع، منها قولُه:( ومن أحسنُ قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إننى من المسلمين)، كما حضّ عليها نبيُنا فى أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم : (بلغوا عنى ولو آية)؟

فكيف تُطالب بغلق تلك القنوات، والذى يتبعُه حجبُ الدعوة، وهى من متطلبات الخطاب الدينى الذى تُنادى بضرورته؟

أَخَفِىَّ عليك يا (د. كريمة)، وأنت ( سيد العارفين ) أن تجديد الخطاب الدينى يتطلب، أن يُجابه الفكرُ الفاسدُ بفكرٍ صحيح، يمكن تقديمُه عبر تلك القنوات التى تنادى بغلقها، بواسطة علماء وسطيين، يتم اختيارُهم بموجب اختبارات تكشف عن مدى علمهم وصحة مُعتقدهم ؟

فدعوتك د. كريمة إلى غلق القنوات الدينية ليس حلا لمشكلة الإرهاب، بل هى تجذيرٌ لحالة الاحتقان، ومسوغٌ لزيادة التمسك بضرورة بثها ( فالممنوع مرغوب)!

والشىء الآخر أن اتهامَ مصرىٍ – أيا كان الفصيلُ الذى ينتمى إليه – بارتكاب تلك العمليات الإرهابية القذرة، مادام غير مستندٍ إلى دليل، فهو رجمٌ بالغيب، وزيادةٌ فى الخرق على الراقع؛ لأنه يُسهم فى جريان شلالات الدم ببلدنا الحبيب مصر، وهذا ما فعلته د. كريمة باتهامك الصريح للإخوان بارتكاب العمليات الإرهابية الأخيرة، والذى دحضه إعلانُ جماعات أخرى مسئوليتها عنها.

فمهلا د. كريمة، ودع الفرصة للتقصى الذى سيكشف لا محالة عن الفاعل الحقيقى لتلك العمليات الخسيسة، التى أُجزمُ أن وراءها مندسين من دولٍ تطمح إلى إعادة تغيير خريطة المنطقة.. وحلم إسرائيل بدولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات ليس بخفىٍ على كل ذى بصر.

فرفقا بنا مشايخنا الأجلاء، واحذروا الفتاوى التى تفتقر إلى الدليل؛ لأنها تهدمُ أكثر مما تبنى!  

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى