ما هي جرائم، الانتحال الثقافي!
بقلم: توفيق أبو شومر
ظاهرة جديدة، لم أقرأ عنها كثيرا، تُترجم حرفيا، (الاستحواذ الثقافي) Culture Appropriation، كنتُ أعتقد أن هذا المصطلح يعني مَن يسرقون الأبحاث الجامعية، وحقوق المؤلفين، وأسماء المنتجات، وينتحلون الشخصيات الرفيعة، تابعتُ هذه الظاهرة بسبب قصة جديدة حدثت لشخصية أكاديمية أمريكية، وهي برفسور التاريخ في جامعة، جورج واشنطن، 9-9-2020م، ملخص القصة:
“قدَّمت البرفسور، جيسكا كروغ، استقالتها من الجامعة، شهر سبتمبر 2020م، بعد إجراء التحقيق معها حول ادعائها بأن أصول عائلتها ترجع إلى أصول إفريقية، ثم ادعت أنها من أصول أمريكية ذات بشرة سوداء، ثم ادعت أن جذورها من جزر الكاريبي، ثم من بورتوريكو، بعد التحقيق معها اتضح بأن عائلتها من سلالة بيضاء أمريكية!”
ثم عثرتُ على حالة أخرى مماثلة، وهي النشيطة الاجتماعية الأمريكية المشهورة، راحيل دوليزال، وهي أيضا من سلالة بيضاء أمريكية، عملت معلمة، وكانت رئيس رابطة النهوض بالملونين، هذه المرأة ذات البشرة الملونة، انتحلت أيضا ثقافة أخرى، ادعتْ عام 2016م بأنها فقيرة، لا تستطيع الانفاق على نفسها، وقدمت طلبا للمساعدة من ولاية نيويورك، فمنحتها الولاية حوالي تسعة آلاف دولار كمساعدة، كانت تأخذ أيضا معونة غذائية مخصصة للفقراء، وعند الاستقصاء تبيَن أنها تملك في حسابها البنكي 84،000 دولار أمريكي، مما أدى إلى وقف المساعدة والتحقيق معها، جدَّلتْ شعرَها كالإفريقيين، وغيَّرت اسمها ليصبح، نكشي أمارو ديالو، لتحصل على قروض، ادعت أنها تحمل لقب برفسور، عملتْ مُحاضرة في الجامعة، قسم الدراسات الإفريقية، كانت مواظبة على الادعاء بأنها من سلالة العبودية، إلى أن فضحَها، أخوها، عزرا ووالدها، فطُردتْ من كلِّ مناصبها.
كان مصدرُ غرابتي، وأنا أُتابع القصتين، أن المنتحلين لشخصيات وإثنيات أخرى، مَن المفروض أن ينتحلوا الشخصية الأسمى والأرفع ليفخروا بها، وليس الأدنى والأقل، غير أنني أدركتُ بأن الانتحال مَرَضٌ نفسي يُصيب الأفراد قليلي الثقة بالنفس، يحاولون لفت الانتباه إلى أنفسهم لاكتساب الشفقة والتعاطف، وكذلك لجني أرباح العطف والحصول على المكاسب المادية، مع العلم أن دول العالم المتحضرة تعتبر حالات الانتحال الثقافي الفردية جريمةً، تستحق العقوبة!
عدتُ للبحث عن معنى مصطلح، الاستحواذ، أو الاستيلاء الثقافي، أو بالترجمة التي أرجحها، الانتحال الثقافي، عرَّفها قاموس، إكسفورد: “انتحال العادات والتقاليد، والأفكار من ثقافة إلى ثقافة أخرى، مثل الألبسة، وطريقة الحديث، وبعض التقاليد والعادات، إما للمنفعة، أو لإثارة الشفقة”
غير أن قاموس: كامبردج، كانت له مدلولات أخرى تنطبق على واقعنا الفلسطيني، فقد عرَّف الانتحالَ الثقافيَ: “الاستيلاء على ثقافة، ليست ثقافتَكَ، بدون أن تُظهرَ لهذه الثقافة فَهماً واحتراما”!
إذن فإن الاحتلال الإسرائيلي يمارس اليوم أبشع أنواع الانتحال الثقافي، فهو لم يستولِ على أرضنا فقط، بل ادعى ملكيتها، وغيَّر معالم تراثها، انتحلَ الأسماء، وغيرها إلى أسماء توراتية، ولم يتوقف عند هذا الحد، بل شرع في انتحال كل رموز فلسطين التاريخية والتراثية والثقافية، والوطنية، بدءا بالأزياء التراثية، والميزات الوطنية، وانتهاءً بوجبات الطعام!
لم يتوقف المحتلون عند انتحال رموزنا الفلسطينية، بل مارسوا أبشع الجرائم حينما عمدوا إلى تدمير ما بقي من تراثنا الفلسطيني، هذه النقلة هي من أكبر جرائم الانتحال الثقافي في التاريخ، استأجروا المنقبين الأثريين، ليزرعوا في أرضنا آثارا مُزيَّفة، وهدموا الصروح التاريخية، مثل مقابر الآثار، مقبرة مأمن الله في القدس وغيرها!
إلى متى سيظل الفلسطينيون صامتين عن أبشع الجرائم، جرائم الانتحال الثقافي؟!!
تذكرتُ قول المبدع، جبران خليل جبران: “والعدلُ في الأرضِ، يُبكي الجِنَّ لو …..سمعوا به ويستضحكُ الأحياءِ لو نظروا…… فالسجنُ والموتُ للجَانينَ إنْ صَغُرُوا…. والمجد، والفخرُ، والعزُّ، والإثراءُ إن كبُرُوا …..فسارقُ الزَّهرِ مذمومٌ ومُحتَقَرٌ…….وسارقُ النفسِ (يُعلِي قَدْرَهُ) البشرُ!!