قراءة في تجربة الفنان العُماني القدير صالح زعل
كتبت: شيخة الفجرية
في الحديث عن الدراما العُمانية، يختلط الاعتزاز بما كان، والإحباط بما يحدث، فالإنتاج الدرامي الإذاعي والتلفزيوني المنتظم، ولد مجموعة من الفنانين الذين حازوا على رضا الجمهور العماني الذي يترقب جديدهم كل عام، وكان يناقشهم -الجمهور- حول قضايا كل مسلسل، مما ترتب عليه أن تكون النصوص مكتوبة بشكل شبه منطقي ويراعي المجتمع ومكوناته؛ بطريقةٍ تجعل المعادل الموضوعي معادلًا للحياة اليومية في النصوص الدرامية؛ يتلمس المشاهد بعض قضاياه. والدراما هي من أولى مصادر المعارف الجليلةالتي خدمت المجتمعات القديمة، فمن خلالها كان الناس يستوعبون ما يقرأونه في بطون الكتب، إذ لم تكن الكتب وحدها كافية، وعلى إثر ذلك قال أرسطو: “لا تفكرُ النفس أبداً بدون صورة”([1])؛وبهذا المبدأ تطورت الدراما عبر العصور، إلى أن باتت تبث عبر شاشة فضية أو ذهبية؛ أو حتى لؤلؤية. وهذا التوجّه العالمي وجد له صدىً في قلوب أهل عُمان منذ ستينيات القرن المنصرم، وربما قبل ذلك بكثير، لا أحد يعلم، ما نعلمه هو التمهيد المسرحي للدراما العمانية في المدارس السعيدية في عهد السلطان سعيد بن تيمور-رحمه الله تعالى-، فقد كانت هذه المدارس تتبنى الاسكتشات المسرحية في الحفلات الرسمية التي تمر على البلاد، بعد ذلك حدث تطور كبير في عهد السبعينيات باعتلاء السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيَّب الله ثراه- سدة الحكم، وبافتتاح وزارة الإعلام كان للدراما العمانية نصيب في التواجد ضمن البرمجية في الإذاعة والتلفزيون، فكان الفنان صالح زعل من ضمن الأوائل الذين ساهموا في هذا الوجود الدرامي. وشارك في المسلسلات الإذاعية والتلفزيونية، فقد انطلقت الدراما العمانية باحثة عن الرموز العمانية المؤثرة في العالم العربي، من أمثال: (السندباد البحري”أحمد بن ماجد”،واللغوي العماني “الخليل بن أحمد الفراهيدي”)، إلى جانب المسلسلات الدرامية الاجتماعية، إلى أن وصل”عدد المسلسلات الإذاعية والتلفزيونية في سلطنة عُمان فقط تتجاوز الـ(234) مائتين وأربعة وثلاثين مسلسلاً ناهيك عن التمثيليات والثلاثيات والسباعيات” منذ عام 1970 إلى عام 2015م([2]).كان منهاللفنان العماني القدير صالح زعل مجموعة من النصوص التي قام بتأليفها، منها تمثيليات الأربعاء ومنها”نص الغريب”؛ قام الفنان صالحكذلك بتأليف فوازير إذاعية بقالب درامي في (30) ثلاثين حلقة”([3]).
وعليه؛ ولأن الفنان صالح زعل من رواد الفن الدرامي الإذاعي والتلفزيوني في سلطنة عُمان، فقد استضافه النادي الثقافي -فرع مسندم- في جلسة حواريّة أدارها الشاعر والكاتب عبدالرزّاق الربيعي، الذي استعرض مسيرة الفنان صالح زعل الطويلة، معرجًا بمسرحية “دختر شايل سمك” ومسلسل “الشايب خلف”، وتحدّث عن تأسيس أول فرقة مسرحية في السلطنة وهي: (فرقة مسرح الشباب)،التي كان أول عرض مسرحي لها هو:”تاجر البندقية”.
والفنان صالح بن زعل الفارسي من مواليد ولاية المصنعة بمحافظة الباطنة جنوب، وولد عام1953، هاجر برفقة أسرته إلى دولة الكويت حينما كان طفلًا، ودرس هناك حتى حصل على شهادة الثانوية العامة، بعدها سافر إلى القاهرة لدراسة المسرح، ثم عاد إلى السلطنة في عام 1972م،والتحق بوزارة الإعلام ليعمل مذيعًا في الإذاعة، ثم سافر مجددًا في عام 1974 ليدرس في المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة.وأثناء دراسته في القاهرة، أتيحت للفنان صالح زعل فرصة المشاركة في المسلسلين الكبيرين: (الكعبة المشرفة) و(محمد رسول الله) مع الممثلين المصريين الكبار، كما أنه شارك في مسلسلات خليجية ناجحة، مثل المسلسلالخليجي المشترك (غصات الحنين) ومسلسل ن (خيانة وطن) في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وكانت للفنان صالح زعل تجربة مثرية لكثرة وتنوع الشخصيات في المسلسل العماني التاريخي (الشعر ديوان العرب)، يتكون هذا العمل من عدة أجزاء، وهو باللغة العربية الفصحى، أطلَّ من خلاله بعدة شخصيات عاش حياتها وقال أشعارها.
يعدّ الفنان صالح زعل من مؤسسي الدراما العمانية،وكانت أعماله الدرامية ناجحة ولها صدى في الخليج العربي، وأعمال الفنان صالح كثيرة؛ منهامسافر خانة (1982)، صيف حار (1988)، وتبقى الأرض، قراءة في دفتر منسي، أباء وأبناء، سعيد وسعيدة (1991)، جمعة في مهب الريح (1993)، عمان في التاريخ (1995)، جحا وحماره (1995)، الجيران (2002)، بيتنا الكبير (2003)، حلم السنين (2003)، غصات الحنين (2004)، درايش، زينب، توين فيلا، ومضة فنار، انكسار الصمت.
وعن علاقته بمحافظة مسندم التي يجري فيها الجلسة الحوارية يقول الفنان صالح زعل: “لقد كانت أول زيارة خاصة لي قبل عشرين سنة مع الأصدقاء وبعدها كانت زيارة عمل في برامج (السياحة في بلادي)، صورنا ما يقارب ثلاث حلقات رغم أن المخطط كان تنفيذ حلقة واحدة، وارتأينا أن حلقة واحدة لا تكفي عن مسندم وكانت من أثرى الحلقات التي صورناها وكنت أيامها مخرج هذا البرنامج، وصورنا كذلك لمسلسل (درايش) وكانت من (5) أجزاء ولفترة أسبوعين، وتم تصوير العديد من المشاهد في المحافظة”. أمَّا عن انطلاقته المسرحية والدرامية في التلفزيون العُماني فقال: “كانت البداية 1972م حيث أسسنا فرقة (مسرح الشباب) وكانت أهلية وسعينا إلى إشهار الفرقة وحصلنا على الموافقة، بعدها تبنتها وزارة الإعلام والشباب (في ذلك الوقت) وبعدها تم فصل الشباب، وهذه الفرقة أول فرقة حكومية وكانت الفرقة الرسمية، وتم تأسيسها من قبل مجموعة من الممثلين في ذلك الوقت وسعينا إلى تأسيس الدراما التلفزيونية، وكنا مستمرين مع الإذاعة بين حين وآخر وكانت الحركة الفنية الدرامية ما زالت في بداياتها، فسعينا إلى تأسيس الحركة الدرامية، وقمنا بتأليف أول مسلسل وهو (الشايب خلف) وكان من إخراج أمين عبد اللطيف وشارك فيه مجموعة من الفنانين، وكانت انطلاقة الدراما الحقيقية واستمراريتها من مسلسل (الشايب خلف) وظلت الأعمال الدرامية موجودة كل سنة على الخريطة التلفزيونية، وكانت من أجمل وأحلى المسلسلات ولها ذكريات جميلة”.
وأمَّا عن أشهر الشخصيات الدرامية العُمانية بشكل عام، وهي “الشايب خلف” التي جسدها الفنان صالح زعل ببراعة في مسلسل (مسافر خانه) فيقول عنها: “الشخصية عمرها (60) سنة وأنا في ذلك الوقت عمري 28 سنة، ففكرت بكيفية تجسيد هذه الشخصية وأنا في هذا العمر، حيث كنت أقوم بلقاءات مع أولياء أمورنا، وآخذ منهم طريقة أسلوبهم وكلامهم ومشيهم وبالتالي ساعدني جسمي لتقمص هذه الشخصية بالانحناء، وأيضا المكياج كان له دور كبير من خلال تغيير الشكل”. ويسهب الفنان صالح زعل بشأن شخصياته الدرامية قائلًا: “الشخصيات التي قمت بأدائها كلها عزيزة عليّ سواءً كان دور “شايب” أو شباب، ولكن المخرجين ركزوا علي في تلك الفترة في أداء شخصية الرجل الكبير في السن، وبعدها فكرت باحتكار هذه الشخصية وأنا في هذا العمر، وبالتالي متى ما أجد فرصة عندما أكبر أقوم بتمثيل دور الشاب الصغير، فبدأت بأخذ الأدوار الأخرى، وهي دور شاب في مسلسلات (صيف حار) و(سعيد وسعيدة) و(جمعة في مهب الريح) بعدها أخذت في التنويع بين الشخصيات الكبيرة في السن والشخصيات التي في عمري حينها”.
وقد وجّه الكاتب والشاعر عبد الرزاق الربيعي سؤاله للفنان عن حول الدراما العمانية ونجاحها خارجيا،فقال الفنان صالح زعل: “الدراما العمانية لم تنجح تسويقيا خارج سلطنة عمان، لأن مواضيعنا سنوية وأعمالنا موسمية وهناك شركات إنتاج تنتج، وبعض الأعمال تنقصها الجودة، فبالتالي التسويق يكون ضعيفا ولا يصمد أمام منافسة الشركات الكبيرة التي تنتج وأعمالها عالية الجودة، وبعض الأعمال تسوَّق وبعضها لا، وهناك منافسة قوية وإن لم يكن العمل الذي تسوق له عالي الجودة سيكون نصيبك في البيع ضعيفا، وأحيانا يكون السوق مزدحما من خلال الأعمال المطروحة، فيكون هناك تفضيل وأحيانا لا يتم بيع المنتج لأسباب أخرى”.
بعد ذلك توسع الحوار الدائر بين الأستاذ الشاعر الربيعي والفنان صالح زعل، عن الرهانات في الاختيارات الصعبة في الأدوار المختلفة، فقال: “في بعض الأعمال يطلب المخرج من الممثل القيام بأدوار خطيرة، مثلا أن يرمي الممثل نفسه في البحر وفي الليل وتسبح سباحة إلى الشاطئ، وهذا ما حدث فعلا في أحد الأعمال في مسلسل (قراءة في دفتر منسي) وبالتالي كان ردي أنها مجازفة خطيرة، فكان هناك نقاش حاد وفي النهاية اتفقنا أن نذهب ونقوم بالعمل المطلوب لمسافة قصيرة جدا، ولو أخذت الموضوع على ما يريده المخرج ستحدث أشياء كثيرة لا تحمد عقباها”.
وعن تكريم السلطان قابوس -طيب الله ثراه- للفنان صالح زعل؛ قال الفنان: “حصلت على ميدالية في عام الشبيبة في حديقة قصر العلم، واستلمت الميدالية بحضور السلطان قابوس -طيب الله ثراه- وبحضور كبار الشخصيات حينها، وحصلت على وسام في أيام مؤتمر القمة لدول مجلس التعاون الخليجي والتي عقدت في مسقط وبحضور أمراء وشيوخ المنطقة في هذا المؤتمر، وهذا من أهم الذكريات التي تظل عالقة بالذاكرة”.
وكالعادة، حين يستضاف الفنان يسأل دائمًا عن الجديد من الأعمال الدرامية،فقال الفنان صالح زعل: “لا أريد أن أصرح عن تفاصيل دقيقة، ولكن بشكل عام أشارك حاليا في المسلسل التلفزيوني (اسمع وشوف) والذي سيعرض في شهر رمضان القادم بإذن الله، حيث تم الانتهاء من التصوير، وبقي عملية التجهيز، العمل يطبخ على نار هادئة”.
وتابع: “المسلسل اجتماعي كوميدي يتناول جملة من المواضيع الاجتماعية في حلقات منفصلة، بمعنى أن كل حلقة تتحدث عن موضوع معين، ونتمنى إعجاب الجميع بهذا العمل”.
واختتم حديثه عن فكرة الاعتزال، فقال: “إلى الآن لم أفكر في الاعتزال، وحاليا أنا متقاعد والعمل الفني يعطيني دافعًا لأن أقدم الجديد وأشغل نفسي بشيء، حيث إني أجد نفسي قادرًا على العطاء والاستمرار”.
وكان لي شرف كتابة المسلسل الدرامي الإذاعي “لبان وعود”، الذي كان من بطولة الفنانين صالح زعل والراحل سعود الدرمكي رحمه الله، كما شاركت بكتابة ثلاث حلقات من المسلسل التلفزيوني الكوميدي “حواليس”، من بطولة الفنان صالح زعل ومجموعة من الفنانين العمانيين، كان هذا المسلسل نتاج الدورة التدريبية في كتابة السيناريو التي خضعنا لها لمدة ما يقارب الأربعة أشهر بقيادة كلًا من الفنانين والكتَّاب الكبار في مصر وهم: الدكتور ثابت مدكور رئيس معهد السينما في مصر، والدكتور المخرج محمد القليوبي، والكاتب المصري الكبير محفوظ عبدالرحمن، رحمهم الله تعالى جميعًا.
وأتمنى أن تجد دعوات الفنان صالح زعل وزملاؤه في أن تنهض الدراما العمانية من جديد وتمضي نحو استثمار الملامح الدرامية المتوفرة في البيئة العمانية، في الكتَّاب والمخرجين والممثلين والمكان الذين يعيش عليه كل هؤلاء، فالسلطنة زاخرة بالأقلام والأماكن السياحية والتراثية والحضارية ولا يجب أن نترك كل هذا عبثا.
([1]). أرسطو: فن الشعر، تر: ابراهيم حمادة، مكتبة الأنجلو المصرية، ط1، القاهرة، 1983، ص293.
([2]). من رسالة ماجستير لكاتبة السطور بعنوان:النَصُّ الدْرّامِيّ الإذَاعِيّ والتِلْفزيونيّ العُماني جِنْساً أدَبِياً: من عام 1970 إلى عام 2015م.
([3]). مقابلة مع الفنانين العمانيين (فخرية خميس، صالح زعل، طالب محمد) المكالمة مع الفنان صالح زعل بتاريخ29/10/2015م.