ضحايا.. معلش!

صبري الموجي| رئيس التحرير التنفيذي لجريدة عالم الثقافة

 بدافع الاستسهال والاستهبال، ولغياب الوازع الدينى والأخلاقى تفشت فى الشارع المصرى سلوكياتٌ مَقيتة أشبه بسرطان انبرى ينهشُ فى جسم مُجتمعنا ولن يتركَه – إن لم نحاربها – إلا جثة هامدة لا تقوى على الحراك، رفع أصحابُها لتبرير تصرفاتهم شعارا فاسدا عنوانه (معلش أو معلهش).
و(معلش) هي كلمةُ اعتذارٍ عامية، يُعبر بها صاحبُها عن أسفه علي ما بدر منه من خطأ أو سوء تصرف، وهي كلمة جاهلية تختصرُ كلمتي ما عليه شيء.

 وبمراجعة واقعنا المصري المعيش نجد نماذج كثيرة لهذا الشعار المُعوق، ولأنه يكفى من القلادة ما أحاط بالعُنق فنشيرُ إلى بعضها، عسى أن تتمعرَ وجوه أصحابها خجلا فيكفون عن رفع هذا الشعار الأثيم !

أولُ هذه النماذج علي سبيل المثال لا الحصر أنه بدعوى شدة الحر، وأنه فى حاجة إلى أن (يُرطب على صدره) ترى قائد حافلةٍ كبيرة أو أتوبيس نقل ركاب يقفُ فى نهر الطريق مُعطلا حركة السير ليعُبَ كوبا من التمر هندى أو العرقسوس وخلافه، غير مُلتفتٍ لإشارات التنبيه التى يكثر ضجيجُها خلفه، والتى تُعبر عن استياء أصحابها من صنيعه، الذى عطلهم عن مصالحهم، وربما يتعرضون بسببه لجزاءات وخصومات، وبسؤال مُقترف ذلك الفعل الأثيم تأتى إجابتُه ( معلش.. الجو حر).

ظاهرةٌ أخرى تسللت إلى شارعنا تسلل الحية الملساء وهى المُغالاة فى التعبير عن الفرح والحزن، إذ تتصدر أفراحنا زفةٌ كبيرة يتقدمها المزمار البلدى والطبل الذى يملأ حياتنا صخبا وضجيجا دون مُراعاة لمريض يشتهى النوم او مُسن يؤرقه الصخب، ناهيك عن السرادقات التى تُغلق الشوارع وتُعطل حركة السير بحُجة الفرح، وليست المآتم بأحسن حالا إذ هى والأفراح صنوان فى نشر الصخب والضجيج؛ استنادا لشعار (معلش الناس لبعضها)! 

ولا يختلفُ الحالُ كثيرا عند افتتاح محل جديد يقيم صاحبُه حفلة رقص وطبل تستمر حتى الفجر، دون مُراعاة لمارٍ أحوجته الضرورة للمرور من هذا الطريق أو مُقيمٍ شاء حظُه التعس أن يكون من قاطنى هذا المكان !

ناهيك عن المقاهى التى تلتهم الطريق، ويكثرُ فيها الصخب الذى لا يرقُب فى شيخ أو طفل ذمة ولا رحما، والتى يتراص روادُها يدخنون الشيشة دون أن ترحم أعيُنهم غادية أو رائحة، ألجأتها الظروف للخروج لقضاء حاجة أو تحقيق مطلب.

هذا بالإضافة إلى ظاهرة الباعة الجائلين الذين احتلوا الشوارع والميادين، ولم ينقصهم سوى أن يفرضوا إتاوات على المارة ليتمكنوا من السير !

والخلاصة أن صور الفوضى فى الشارع المصرى تعددت، والتمس أصحابُها لأنفسهم مُبررا مُعوقا عنوانه ( معلش).. ولاشك أنه شعارٌ مُعطل يحول بيننا وبين التقدم الذى بلغ فيه الغرب مبالغ شتى، بل وقطعت فيه دولٌ عربيةٌ عديدة أشواطا طويلة ووقفنا نحن (محلك سر)، نتغنى بأمجاد الماضى، ونعزف على أوتار أننا أصحابُ حضارةِ يتجاوز عمرها 7 آلاف سنة، وهى حضارة أصحابُها منا براء.

وحلُ المشكلة ليس بالبكاء على الأطلال، أو ذرف الدموع علي اللبن المسكوب، بل بالعمل الدءوب، والسعى الجاد نحو الغاية المنشودة، ولاشك أنها مسئوليةٌ مُشتركة لابد أن تتكاتف فيه جهودُ المواطن مع الإدارة السياسية، التى لابد أن تضربَ بعصا من حديد على يد المُعطلين المُعوقين لمسيرة التنمية وذلك بطمس كل الشعارات المُعوقة التى على شاكلة ( معلش) !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى