جلسة (الخراريف) للمجلس المركزي الفلسطيني
يونس العموري | فلسطين
يأتي انعقاد المجلس المركزي بمن حضر من الفصائل والقوى الوطنية في ظل السجال، وفي ظل التشكك والتشكيك في شرعيته وبالتالي قراراته، وفي ظل تجاذب فنون الكلام، وفي ظل بيانات المقاطعة للمجلس من قبل فصائل أساسية من مكونات منظمة التحرير، وفي ظل أعتى وارقي اشكال الهرطقات السياسية يبدو المشهد الفلسطيني أكثر بؤسا والأكثر مدعاة للسخرية بذات الوقت، حيث اختزال كل القضايا الوطنية في إطار السجال الكلامي، وحرب التصريحات ما بين امراء الأمس وقياصرة اللحظة الراهنة، في الوقت التي تبدو فيه الكثير من الحقائق غائبة او مغيبة، بفعل ضرورات هكذا سجال في ظل وقائع وتداعيات العهد الجديد. وما يلفت الانتباه هو طبيعة مسار التصريحات الفلسطينية على مختلف توجهاتها السياسية، واللافت للنظر الأن ان ثمة اسئلة شرعية للشرعية في ظل قرارات الشرعية، وفخامة السؤال المشروع يبحث عن اجابات لا بد ان تكون شرعية ايضا، حيث ان الواقع الراهن والذي يبدو ان عنوانه الأساسي والمُسطر على الطرقات يمتثل بهذا الانهيار بلا قاع والسقوط المدوي لكل ما من شأنه ان يشكل رافعة عملية بأدوات فعلية لإنقاذ ما يمكن ان يتم انقاذه.
وحيث ان الشرعية باتت متبعثرة ما بين الفهم والمنطق والدستور والنظام والقائمين عليها والمؤلفة نفوسهم والعاملين بها وحقيقة وطبيعة المرحلة وقوانينها الفارضة لمعادلات الحكم والتحكم ما بين الأمس واليوم، فبلا شك هي قرارات لحظية غير خاضعة بالضرورة لمنطق المكونات الأساسية للقانون الشرعي، هذا القانون المُختلف عليه اصلا، والمختلف على مفاهيمه وضرورته، ودوره. وبالتالي تجيء دورة المجلس المركزي الحالي لتزداد حالة الشرذمة والهرطقة التي أصبحت سيدة الموقف وعنوانها الأساسي.
قد تأتي القرارات من مصادر مختلفة متناقضة صادمة ، وقد تكون ذات معنى ومغزى ، وقد يتم التعامل معها من قبل البعض ويرفضها امير امراء الأمس، ويهلل لها قياصرة اليوم ، ويصفق لها مملوك من مماليك اللحظة الراهنة والطامح للتربع على عرش اسطورة التناقض واللعب على مفاهيم الخربشات.
وفي نظرة سريعة لمسودة جدول اعمال المجلس المركزي نلاحظ انه حافل ومكتظ وبشكل أساسي يعتدي على صلاحيات المجلس الوطني وهو السؤال الجدلي حول حقيقة واحقية صلاحيات المجلس المركزي بهكذا خطوات حيث ان انتخاب هيئة جديدة لرئاسة المجلس الوطني تظل حصرا من صلاحيات المجلس الوطني نفسه ولا ينازعه فيها احد ، وجاء في هذه المسودة وفي سياق الوضع السياسي ، مراجعة تنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي وهنا لابد من الإشارة الى عملية تعطيل قرارات المجلسين الوطني والمركزي تتحمل مسؤولياته الأولى والأخيرة القيادة الرسمية الفلسطينية ، وبالتالي فإن اجراء هكذا مراجعات هو ذرا للرماد في العيون ، اما فيما يخص تعبئة شواغر اللجنة التنفيذية وفي ظل حالة الشرذمة سيخلق حالة جدلية ما بين الرفض والقبول. وسيظل النظام الفلسطيني الرسمي محل تشكيك واهتزاز لشرعيته وبالتالي قراراته ، اما فيما يخص العلاقات مع دولة الاحتلال وفق ما ورد في هذه المسودة فلابد من التوضيح هنا ان تلك العلاقة المزعومة باتت علاقة تحمل في طياتها علاقة المطالبة وتلبية الطلبات ليس أكثر وتحديدا على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي ومن جانب الحكومات الإسرائيلية مطالبات أمنية ليس أكثر ، وعلى الصعيد السياسي فإن حكومة دولة الاحتلال واضحة ، حيث لاءتها المكررة المتكررة والمتمثلة باللا الغليظة للدولة الفلسطينية واللا المغلظة لمفاوضات او مجرد لقاءات رسمية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ، واللا الكبيرة بشأن تفكيك او وقف الاستيطان ، اما العلاقة مع الإدارة الامريكية والتي من المفروض ان تبحثها جلسة المجلس المركزي ، فقد أوضحت إدارة البيت الأبيض انها تطالب الجانب الفلسطيني الرسمي بوقف مخصصات الاسرى والشهداء واحالتهم الى مخصصات على جداول الشؤون الاجتماعية كحالات إنسانية مقابل تمثيل فلسطيني كمستشار قضائي في واشنطن ليس أكثر ، وبالتالي أيضا هنا تتضح حقيقة العلاقة مع الإدارة الامريكية
وفي ارروقة المجلس المركزي ستكون الجلسات المارثونية على شكل التناوب على منصة الكلام واعتلاء من منبر الحديث من الكل الراغب بالخطابة ليتحدث بكل شيء وباي شيء بعيدا عن الالتزام بجدول الاعمال بندا بند ، على شكل خراريف وقصص وحكايات واستعراضات وتسجيل مواقف ، لتأتي الجلسة الختامية لتلاوة مسودة البيان الختامي المُعد سلفا ليكون التصويت على فحواه بصرف النظر عن ابجدياته وكفى المؤمنين شر القتال.
وتظل الأسئلة طارحة لذاتها باحثة عن اجابات وهي المطاردة المطرودة من حيثيات وقائع المشهد المُقعر، وتدور دوائر البحث والتحليل في الاجتهاد والتناطح بالمصطلحات والاتهامات وتقديم الدفوعات والدعوة للمبارزة من على منصات الكلام تظل سيدة الموقف. والسادة الكبار يعرفون كيفية التعاطي وفنون القتال واصوله ومتى ينسحبون من حلبة هم من يصنعها ويفكك حبالها والجمهور مصفقا منقسما وأيضا متناقضا، وقد نشهد مصالحة الخصوم واتفاقهم على التوافق وتفسير القوانين والخروج من المأزق جراء تلك الأسئلة المطاردة المطرودة بين ازقة المدائن.
وهنا الكل متفق على الأزمة وما يمكن ان نسميه تناقضا فعليا للمواقف وخربشة للفهم الموضوعي ما بين الموقف الراهن المُستند لما يسمى بالقرارات الشرعية وذاك الموقف المنطلق من السجال القانوني لتوصيف ماهية الشرعية ومنطلقاتها او خربشاتها هو ما تحمله تلك السجالات من خربشات بالمفاهيم واختلاط بالمعاني.
وقد اصبح السجال المسيطر على المشهد الفلسطيني برمته ولا فهم لمجريات ما يريد كل طرف من أطراف معادلة الشرعية المشروعة، على وجه الدقة والحقيقة. ومناسبة هذا القول او هذا التحليل للواقع الفلسطيني الراهن الممعن بفعل التخريب والتدمير للقضية الوطنية، هو ما يمكننا وصفه بالهرطقات اللحظية التي تشهدها الساحة الوطنية، فالطبيعي وكما هو معلوم ان تعتبر ان القرارات الوطنية لابد لها من ان تستند أولا لشرعية الاطار الصادرة عنه هكذا قرارات ، وثانيا لابد لهذه القرارات ان تستند الى المرجعيات القانونية والمتمثلة بالاعراف والتقاليد الفلسطينية وللميثاق الوطني وللوائح الداخلية الناظمة للعملية السياسية برمتها ، وبالاساس لابد لها من الاستناد لواقع وقوانين المرحلة التحررية ، وكل ما نشهده بالظرف الراهن بعيد كل البعد عن كل هذه الأسس .
السؤال الكبير الذي بات بانتظار الإجابة الشافية من الكل ، هل المجلس المركزي وحتى المجلس الوطني شرعي الانعقاد ، ..؟؟ وبالتالي قراراته ترتقي لمفهوم الشرعية والقانونية ومنسجم وحقيقة المرحلة ..؟؟ وهل هذا الاطار غير المتجدد العضوية بات معبرا عن الحالة الوطنية الشعبية الفلسطينية بكافة اطيافها ومكوناتها الحيوية ..؟؟ ام انه عباره عن اطار مختطف هلامي الشكل ، ينعقد وفقا لرغبات امراء الطوائف المتناحرة في اطار البيت الواحد ..؟؟
ان قرارات المجلس المركزي والوطني في دوراته السابقة اعتبرت قراراته شرعية ودستورية وتستوي وفعل القانون وشرعية النظم الدستورية وهو ما استندت عليه دفوعاتهم ودفوعات الأمير المتنفذ المتابع لكل كلمة او رأي يطرح هنا او هناك ، واللاهث خلف منصات التعبير عن الذات ان كان ذلك ممكنا تجاه الاتهامات وقرارات كبير سدنة المعبد، الأمر الذي خلق حالة من الجدل في تحمل وتحميل المسؤوليات وتصويب الأمور ووضع النقاط على الحروف بصرف النظر عن حقيقة تلك الحروف والنقاط ومواضعها، حيث الإطلالات الإعلامية لمنصات الكلام والكلام المضاد وسوق البراهين قد اصبحت سيدة الموقف وما بين المُعلن والمُستتر يظل الضمير الغائب المرفوع وقد يكون المنصوب فعلا لحظيا أنيا لماهية القصد والمقصود مما يسمى بالتصويب الخارق المخترق لكل العرف والأعراف المعمول بها منذ عقود والتي باتت جزءا من تقاليد الحكم والنظام والأنظمة في ساحة اختزال الحقائق.
والحقيقة غائبة مغيبة بمعنى الإجابات الصارخة التي من شأنها ان تصوب كيفية طرح السؤال المطرود من أزقة المدائن والباحث عن المأوى ليستقر في اذهان الفقراء المنتظرين عند زوايا الطرقات، والكل بانتظار الاستشارة التي اعتزلت العمل وتقديم النصح والمشورة حيث اكتشفنا بمحض الصدفة ان الاستشارات ما هي الا جلسات وخراريف لحظية ينطق بها قادة جلسات الخراريف والتخريف ويكون الرأي المُستند لما تفرضة لحظة الهرطقة .
باختصار وبعيدا عن كل القول والقول المُباح وذاك النسبي والممنوع، ويا سادة السجال والسجال المضاد، وبالفهم البسيط فلسطين ما زالت تحت الاحتلال ولا سلطة للسلطة ولا دولة بمفهوم الدولة وبالتالي نحن نحيا في كنف مرحلة التحرر الوطني وان غابت عنكم هذه الحقيقة، وبالتالي القوانين التي تحكما هي قوانين مرحلة التحرر الوطني، ودستورنا دستور الثورة ومنطقها، ووقائعنا وقائع مطاردة الاحتلال بكل الأمكنة والأزمنة ولا حياة قانونية دستورية في ظل هكذا وقائع.
اعترف والاعتراف هنا حق ان فهمنا للأمور قد صار ضيقا ويضيق علينا محاولتنا للتحليل في ظل هكذا سجالات، أقل ما يمكن ان يقال عنها انها لا تستوي واساسيات الفهم الموضوعي للعمل الوطني وأصول الفعل الوطني التحرري الذي اعتقد ان له اخلاقياته قبل مبادئه واساسياتها الفكرية الواضحة والمنطلق من خلالها الفهم والرؤية السياسية لوقائع الظرف الراهن واستشراق المستقبل قبل ان تتكون شهوة السلطة ونزعة السيطرة عليها بأي الأثمان…