دور الاستراتيجية السياحية في صناعة ودعم الإنتاج الثقافي

شيخة الفجرية | باحثة وروائية عُمانية

تأتي رؤية 2040 محملة بالخطط والاستراتيجيات الثقافية، على اعتبار أنها أس الأسس التي تعتمد عليها هذه الرؤية الوطنية العالية الأهمية والاهتمام في سلطتنا الحبيبة، وتأتي مفردتي السياحة والثقافة ضمن حزمة عالية الأهمية في هذه الرؤية، وجاءت كلمة”السياحة”في لسان العرب لابن منظور[1]: السياحة مصدر ساح يسيح سيحًا وسيحانًا: إذا جرى على وجه الأرض، ويقال: ساح في الأرض يسيح سياحة وسيوحًا وسيحًا وسيحانا: أي ذهب، والسياحة: الذهاب في الأرض للعبادة والترهب.وقال ابن حجر: وحقيقة السياحة: ألا يقصد موضعاً بعينه يستقر فيه[2].وعرّفها المجمع العلمي بالقاهرة بأنها: (التنقل من بلد إلى بلد طلباً للتنزه، أو الاستطلاع والكشف)[3].  أمَّا تعريف الثقافة،فهو حسب “إعلان مكسيكو بشأن السياسات الثقافية”؛بأنه:” مجموعة الصفات الروحية والمادية والثقافية والعاطفية المتميزة بكاملها مما يتحدث به المجتمع أو المجموعة الاجتماعية”[4].وللثقافة شكلان:الأول مادي:ويتمثل في موروث العمارة التي تضمّ: المواقع الأثرية ومعامل صناعة النحاس والمتاحف والفنون والآداب والموسيقى والملابس والحلي والمخطوطات والأنماط الغنائية المتوارثة، والحكايات (الخراريف) الشعبية، وأساليب الزراعة والصناعة والحرف التقليدية.والشكل الثاني هو اللامادي: السلوكيات الجماعية الاجتماعية (القيم والتقاليد والمعتقدات والعادات).أمَّا أشكال السياحة الثقافية في عُمان فهي تتوزع على: ـ المتاحف:(المتحف الوطني ومتحف التاريخ الطبيعي، ومتحف بيت الغشَّاممحتويات، متحف بيت التراث والثقافة، المتحف العماني الفرنسي، متحف بوابة مسقط، متحف بيت مزنة، متحف قوات السلطان المسلحة، متحف بيت أدم، متحف الطفل، متحف أرض اللبان، متحف قلعة صحار، متحف ولاية مدحاء، متحف العملات النقدية العمانية، متحف السيد فيصل بن علي (متحف الأسلحة)، متحف الحصن القديم، ومتحف بيت البرندة).

ـ الأسواق القديمة:(سوق مطرح، سوق نزوى، سوق بهلاء، وسوق الرستاق).

ـ المؤسسات الفنية والثقافية: (دار الأوبرا السلطانية،الجمعية العمانية للكتَّاب والأدباء، الجمعية العمانية للمسرح والسينما، النادي الثقافي، مكتبة الندوة ببهلاء ومكتبة السيد محمد بن أحمد ومكتبة السالمي في بدية ومكتبة دار الكتاب العامة بصلالة).

ـ المهرجانات: مهرجان مسقط، ومهرجان صلالة السياحي، ومهرجان المسرح العماني، ومهرجان الأغنية العمانية ومهرجان الشعر العماني (وقد أظهرت إحصائية (الثقافة مشاركة وانتشار 2020) الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، ارتفاع أعداد الحضور في المسارح؛ حيث كان حضور العروض المسرحية في عام 2015 (131.500)، وارتفع في عام 2019 إلى (282.693)، مع ارتفاع في حضور الحفلات الغنائية من (72.200) في عام 2015، إلى (317.216) في 2019، إضافة إلى ارتفاع زوار معارض الفنون الجميلة الذي وصل في عام 2019 إلى (16.500)، يشير إلى ازدهار النمو الثقافي الذي يعكس من جهة أخرى النمو السياحي).

ـ المعارض: وأهمها معرض الكتاب الدولي(أظهرت الإحصائية التي ضمَّها إصدار (عُمان 2020)، الصادر عن وزارة الإعلام، أن في الدورة الخامسة والعشرين للمعرض، بلغ عدد زوار المعرض (706.000)، وكان عدد حفلات التوقيع قد بلغ (297)، والفعاليات الثقافية المصاحبة بلغت (117) فعالية، كما بلغت الأنشطة الخاصة بالطفل (137) نشاط، وأن الدول المشاركة بلغ عددها (31) دولة).

ـ الحصون والقلاع والأبراج: (حسب الإحصاءات الصادرة -عام 2017- عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، فإن عدد القلاع والحصون المرممة بلغ 82 قلعة وحصنا، بواقع 21 قلعة، و61 حصنا، كما يبلغ عدد الأبراج المرممة في السلطنة 129 برجا).

وعلى غرار المادتين الرابعة والخامسة من (المدونة العالمية لآداب السياحة. من أجل سياحة مستدامة) التي أطلقتها منظمة السياحة العالمية في الأمم المتحدة، اللتان تُقران بمتانة العلاقة التي تربط بين السياحة والثقافة؛ وتأتي في المادة الرابعة بالوضوح الآتي: (السياحة كمستخدم لتراث الإنسانية الثقافي وكمساهم في تعزيزه)،لذا فإن الاستراتيجية العمانية للسياحة -في رؤية 2040-تستند على “عنصرين من عناصر الاستدامة؛ المجتمعات المحلية والبيئة الطبيعية والثقافية”، كما أنها تركز – رؤية 2040-على ” تعظيم التراث والثقافة واستخدامهما بشكل مناسب في ابتكار منتجات وتجارب عُمانية أصيلة”،لتكون مزيجًا بين الثقافة والسياحة،مما يزيد من “جاذبية السلطنة كوجهة سياحية، ويدعم هويتها، ويحسِّن تجارب السُيَّاح، لذا فإن السياحة ستروِّج تراث عمان الثقافي، بينما تُحّسِّن في الوقت نفسه من حمايته وتجديده وتفسيره ونشره…”[5].ويأتي ارتباط السياحة بالثقافة، لأنهما معًا يستطيعان أن يخدما الأهداف الأساسية لكليهما،فكل ما تملكه من ثقافات متوارثة، يمكن تعزيزها وإظهار تميزها واختلافها بالسياحة، وكذلك فإن السياحة تحتاج إلى مفردات ثقافية مميزة تجذب السياحة وتعمل على ازدهارها في هذه البلدان، لأن السياحة “أحد أشكال العولمة الثقافية على مستوى العالم. ويمكن القول إن السياحة قد كانت دليلاً واضحاً حول زيادة مستوى التواصل بين الثقافات والمجتمعات المختلفة في مختلف مناطق العالم”[6]، وبالنسبة لسلطنة عُمان؛ فـ” إن ارتباط السياحة بالإرث التاريخي للبلد كونه أحد المقومات السياحية فيها يبرز الحاجة إلى علم التاريخ الذي يعتبر سجلاً للخبرات البشرية بما خلفتها من قلاع وحصون وقصور ومخطوطات وآثار”[7]. فقد أكدّ دليل تقرير اللجنة العالمية المعنية بالثقافة والتنمية، على أن التنوع الثقافي مورد يحتاج إلى تقديره والترويج له[8]. ولاشك أنَّ هذا التوجّه العالمي جاء بناء على ما سبق من دراسات على التجارب التي خاضتها وتخوضها العديد من الكيانات الاقتصادية القوية في العالم، فـ”البنك الدولي اتبع في مناسبات عدة في دراسات عن الصلة بين الثقافة والتنمية الخط الذي انتهجته اليونسكو في سياق العقد العالمي للثقافة للثقافة (١٩٨٨-١٩٩٧)[9].ويبدو جليًّا أن أمر السياحة والثقافة له أهمية بالغة لدى النادي الثقافي، فقد كان هناك “مؤتمر الاستثمار في الثقافة”، الذي نظمه النادي الثقافي بالتعاون مع الجمعية الاقتصادية العمانية خلال الفترة من 11 إلى 13 إبريل 2017. وها هو ينظم من جديدٍ جلسة حوارية بعنوان:”السياحة وصناعة الإنتاج الثقافي”، شارك فيها:الدكتورة أمينة بنت عبد الله البلوشية (مستشارة الدراسات والبحوث بمكتب وزير التراث والسياحة)، التي أسهبت في الحديث حول مفهوم السياحة الثقافية وسياحة التراث الثقافي، موضحة العمل الدؤوب الذي تقوم به وزارة التراث والسياحة في سبيل توظيف واستثمار المعالم السياحية والثقافية والتاريخية في البلاد،وتشجيع مشاريع الشباب الصغيرةوتفعيلها بما يتلاءم مع الأفكار والتطبيقات الاستثمارية المناسبة.وتحدث بعد ذلك الأستاذ خلفان بن محمد العبري (مدير شؤون معارض الكتاب بوزارة الثقافة والرياضة والشباب)، عنالقيمة الثقافية لمعرض مسقط الدولي للكتاب، وما حققه من مكاسب وإنجازات ثقافية كبيرة على صعيد العمل الثقافي والمعرفي داخل سلطنة عمان وخارجها حيث أصبح اليوم يتبوأ مكانة كبيرة على خارطة المعارض الدولية.

وأن وزارة الثقافة والرياضة والشباب تعمل على أن تكون سلطنة عُمان وجهة ثقافية رائدة تدعم الحراك الفكري والثقافي محليا ودوليا،لاستقطاب الزوار والسوّاح.ثم أتت مشاركة الدكتورة عزاء بن حمود القصابية عضوة مجلس إدارة النادي الثقافي، التي استعرضت المقومات التي تزخر بها سلطنة عمان في كافة المجالات،مما يحرض على صناعة الإنتاج الثقافي وما تتطلبه المرحلة القادمة هو الاستثمار الأمثل ودعم القطاعات القائمة على ذلك، معرجة على ما تضمّه رؤية عمان 2040 من أهدافه،إلى أن تصبح رائدة في صناعة الإنتاج الثقافي والسياحي.

 وأدارت الجلسة: الإعلامية شيخة بنت أحمد المحروقية،التي كانت لها بصمتها في تدعيم مداخلاتها القيمة بالمعلومات عن الدراسات والبحوث التي تناولت السياحة والإنتاج الثقافي فقالت: “بين السياحة والثقافة علاقة مترابطة، وكلاهما يطور الآخر، ومن شدة ارتباط الصناعتين في بعض الوقت، يكاد المرء لا يميز إن كانت الثقافة تصنع السياحة، أم السياحة تصنع الثقافة. وهما أيضًا وجهان لعملة واحدة تظهر فيهما القوة الناعمة، السياحة أولًا والثقافة ثانيًا”.

وانتهت الجلسة المثرية، التي حضرها الدكتور محمود بن مبارك السليمي رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي وعدد من المهتمين في هذا الجانب.

الملفت في هذه الجلسة، أن تأتي عبارة “رؤية عمان 2040 من أهدافها، إلى أن تصبح رائدة في صناعة الإنتاج الثقافي والسياحي “، وهذا تفكير جيد، تأخر كثيرا وأتى أخيرا، فعمان تمتلك المقوماتالثقافية والحضارية والتاريخية لتنفيذ هذا الهدف، الذي سيجعلها في مستوى ما أتت به رؤية 2040؛ وجميعنا في هذا الوطن العزيز بانتظار تطبيق هذه الرؤية الطموحة.

الإحالات والإشارات المرجعية

[1]ابن منظور:لسان العرب،ج2، دار إحياء التراث العربي-بيروت،1419هـ-1999م،ص 492.

[2]فتح الباري شرح صحيح البخاري للإمام الحافظ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني، ج7، دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت – لبنان، ص233.

[3]المعجم الوسيط ص 467.

[4]عمان 2015، وزارة الإعلام، سلطنة عمان، 2015.

[5]الاستراتيجية العمانية للسياحة 2040.

[6]الريامي، أحمد بن جمعة بن خليف، التربية السياحية في سلطنة عمان. مفهومها واهدافها وبرامج تنميتها، مسقط، مكتبة الضامري للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1432هـ/2011م.

[7]الجداد، فتحي عبد الغني، السياحة في سلطنة عمان، مسقط، مكتبة الضامري للنشر والتوزيع.

[8]رضوان، هبة، التراث المتحفي والمجتمع الرقمي، مجلة العربي، العدد 699، فبراير 2017.

[9]الحبسي، محمد، السياحة الثقافية: رحلة لاستكشاف المجهول، مسقط، كتاب صادر بمناسبة الاحتفال بمسقط عاصمة الثقافة العربية، 2006.

المراجع :

  1. الاستراتيجية العمانية للسياحة 2040.
  2. ابن منظور: لسان العرب، ج2، دار إحياء التراث العربي-بيروت، 1419هـ-1999م،ص 492.
  3. الجداد، فتحي عبد الغني، السياحة في سلطنة عمان، مسقط، مكتبة الضامري للنشر والتوزيع.
  4. الحبسي، محمد، السياحة الثقافية: رحلة لاستكشاف المجهول، مسقط، كتاب صادر بمناسبة الاحتفال بمسقط عاصمة الثقافة العربية، 2006.
  5. رضوان، هبة، التراث المتحفي والمجتمع الرقمي، مجلة العربي، العدد 699، فبراير 2017.
  6. الريامي، أحمد بن جمعة بن خليف: التربية السياحية في سلطنة عُمان. مفهومها واهدافها وبرامج تنميتها، مسقط، مكتبة الضامري للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1432هـ/2011م.
  7. العسقلاني، شهاب الدين ابن حجر: فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج7، دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت – لبنان، ص233.
  8. عمان 2015، وزارة الإعلام، سلطنة عمان، 2015.
  9. مجموعة مؤلفين: المعجم الوسيط،مجمع اللغة العربية بالقاهرة، الطبعة الخامسة عام 2011، ص 467.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى