عفوا.. العرب لم يحرقوا مكتبة الإسكندرية
حسام عبد الكريم | كاتب و باحث من الأردن
معلومة مهمة ومفيدة يستفيدها القارئ من كتاب (الفتوحات العربية في روايات المغلوبين), تستحق الإضاءة عليها. فالمؤلف, حسام عيتاني, يستند إلى كتابٍ لباحثٍ بريطاني اسمه الفريد بتلر صدر في أوكسفورد سنة 1902 لينفي تهمة مسيئة طالما وُجّهت للعرب المسلمين الفاتحين لمصر وهي: إحراق مكتبة الإسكندرية.
ولمن لا يعلم فالتهمة المشينة يمكن تلخيصها كما يلي: كان في الاسكندرية واحدة من أعظم مكتبات ذلك الزمان, حَوَت عشرات الألوف من نفائس الكتب التي بها علوم الإغريق والرومان والقبط. فاستشار قائدُ الجيش الفات , عمرو بن العاص, الخليفة عمر بن الخطاب بشأنها, وماذا يفعل بها؟ فأمره بحرقها لأن تلك الكتب” إن كان فيها ما يوافق كتاب الله ففي كتاب الله عنه غنى. وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة إليه “. وتقول الرواية إن تلك الكتب العظيمة قد صارت وقوداً للتدفئة في حمامات الإسكندرية وبقيت كذلك لستة أشهر الى أن فنيت.
وهذه الرواية مذكورة في مصادرنا نحن المسلمين, وخاصة الكتاب المتخصص في تاريخ مصر (الخطط والآثار) للمقريزي. فجاء الأستاذ بتلر, مشكوراً , ليفنّد هذه التهمة وينفيها من أساسها ويؤكد أنها ليست سوى قصة خيالية. وقد استند بتلر في رأيه الى سبعة أدلّة ذكرها بالتفصيل , ويمكن اختصارها كما يلي:
- ظهرت القصة أول ما ظهرت بعد 500 سنة من وقوع الحدث.
- تحليل تفاصيل القصة يقود إلى تبيان عبثيتها.
- أحد الشخصيات الرئيسة في القصة, يوحنا فيليبونوس, كان قد مات قبل زمن طويل من اجتياح العرب لمصر.
- إن مكتبة الإسكندرية كانت قد اختفت من الوجود قبل مئات الأعوام من الفتح العربي, حيث تعرضت للدمار أثناء القتال الذي قاده يوليوس قيصر.
- إن أدبيات القرون الخامس والسادس والسابع الميلادي لم تتضمن أي ذكر لتلك المكتبة.
- حتى لو وُجِدت مكتبة عظيمة كهذه أيام الفتح العربي فمن المؤكد أن الكتب كانت ستنقل بسلام خلال فترة الـ 11 شهراً وهي الهدنة التي نصت عليها معاهدة الاستسلام قبل دخول العرب فعلياً للمدينة.
- لو صحّ أن المكتبة دمّرت لكان المؤرخ الأديب يوحنا النيقوسي ذكر ذلك, لكنه لم يتطرق إلى تلك القصة بتاتاً.
وأنا أشكر الأستاذ ألفريد بتلر كثيرا على هذا المجهود (شكر متأخر 120 سنة ! ). فقد كنت أشعر بالأسى والحزن كلما تخيّلت تلك الإبادة الجماعية للكتب النفيسة التي قام بها جدودنا الفاتحون.. شكراً لبتلر على إراحة ضميرنا من وِزر إحدى التهم الشنيعة التي لحقت بنا عبر التاريخ.