قصة أبو جريبان الذي ألقوه للكلاب وغروسمان

توفيق أبو شومر

إنها قصة شجية، كان مفروضا أن ينشرها أهلها، وكان مفروضا أن يوزعوها، ويستفيدوا منها، ويستغلوها في معركة نضالهم الوطني، غير أنها قصة روتها أقلام إسرائيلية بارزة،ورددتها وسائل الإعلام الإسرائيلية أكثر من وسائل الإعلام الفلسطينية للأسف!!

 إنها قصة الظلم والطغيان، قصة الطاغية المستبد، وقصة المظلوم المضهد!

 إنها قصة الشاب الفلسطيني الذي عاش مشردا في رفح وضاقت به الحياة فقرر مغادرة رفح ليعيش فيما تبقى من أرض أجداده، متسللا غير قانوني وفق القانون الإسرائيلي!

إنه الشاب عودة أبو جريبان الذي تعرض لحادث سيارة مروع في أحد الطرق الإسرائيلية في شهر مايو 2008 ، فنقل فاقدا الوعي إلى المستشفى للعلاج، وكانت حالته خطيرة، وحيث أنه بعيدٌ عن الأهل والخلان فلم يتعرف عليه أحد، ولما استعاد بعض قدراته اكتشفت الشرطة بأنه فلسطيني، فصار مريضا مقيدا بالسلاسل في مستشفى شيبا ببئر السبع،

ولم يتمكن الموساد من إلصاق أية تهمة له سوى أنه من لصوص السيارات، وهو في حالة فقدان للوعي بعد أكثر من عدة شهور، ويحتاج إلى علاج طبيعي، فاتصل المستشفى بالشرطة لتنقله من المستشفى، لأنه يحتاج إلى مكان آخر لإكمال العلاج!!

جاءت دورية الشرطة لتنقله من المستشفى، وحيث أنه كان لا يستطيع المشي أو التحكم في حركات رأسه، فقد أخذوه في سيارة الشرطة مصحوبا بثلاثة حراس، وهو بلباس المستشفى ويحمل معه أوعية التغذية الوريدية، ثم ألقوه في أحد الطرق الخالية ليموت من الجفاف بعد وقت طويل!!

 اكتشف الجثة أحدُهم بالصدفة بعد شهور من الحادثة، وأبلغ الشرطة!

بعد نشر الخبر وانتشار هذه الفضيحة اضطرت الشرطة لإجراء تحقيق حول الموضوع، فبرَّأ التحقيق شرطيا من الثلاثة وأدان اثنين شفويا، وانتهتْ القصة ، أو أُغلق ملفها، إلى أن تناولتها الصحف من جديد!!

نشرت بعض الصحف الفلسطينية الخبر بلا تعليق، غير أن القاص والروائي الإسرائيلي دافيد غروسمان كتب أنطلوجيا على شكل مقال أدبي عن هذه الحادثة يوم 27/2/2012 في صحيفة هارتس قال: “قرأتْ قصة عودة أبو جريبان في الصحافة وأنا ألهثُ وأحبس أنفاسي، وأتساءل: كيف حدث هذا؟!!عمر معه ثلاثة من شرطة إسرائيل، ماذا كانوا يفعلون به؟هل طرحوه في السيارة في طريق رقم 45 ووضعوه تحت أرجلهم، أم كان يجلس على كرسي؟ هل كانوا يتحدثون معه، ماذا فعلوا عند حاجز مكابيم العسكري، بين عوفر ومستوطنة عطيروت عندما أوقفوا السيارة؟

هل أجبروه على الوقوف وهو لا يستطيع، أم سحبوه؟ أم أنه تمكن أن يسير على غير هدى، أم أنه أبعدوه عن الإسفلت ثم انطلقوا هاربين بعيدا؟! وماذا فعل عمر أبو جريبان بعد ذلك هل استطاع أن يقف على قدميه، أم أنه جلس القرفصاء في انتظار حتفه، أم أنه صرخ مستنجدا.. يا الله ماهذه البشاعة؟!! لقد كان أخوة  محمد أبو جريبان صادقا عندما علق على خبر موته فقال: ألقوه للكلاب…!!

إن من يفعل ذلك هو من الحفنة الشاذة ،التي لا تكترث حتى بإلقاء شعبٍ كاملٍ للكلاب”

 انتهى الاقتباس من مقال دافيد غروسمان.

تذكرتُ قصة فيلم للمخرجة الإسرائيلية اليسارية (نوريت كيدار)  والفيلم بعنوان [العُزلة] عرض هذا الفيلم عام 2004 في إسرائيل ، والفيلم الوثائقي، قتل بعد العرض مباشرة كما قُتلتْ أفلامٌ وأفكارٌ حُرَّةٌ عديدةٌ ، ويكونُ لنا نحن- في الغالب – دورٌ (غير مرئي) في هذا القتل حين نتجاهلُ هذا العمل ، ولا نسعى للاستفادة منه بحجة أن الفيلم إنتاج [إسرائيلي] حسب القول الفلسطيني المأثور [ كلُّ الإسرائيليين سواء] !

 يصوِّرُ الفيلم قصة [الجنود الإسرائيليين] الذين يُكافأون على قتل الفلسطينيين بإجازات أو مكافأت مالية ، وهو تحقيق واقعي، ويحتوي الفيلم على شهادات حقيقية (تُثيرُ الفزع)! ومن ضمن الشهادات شهادة الجندي (شلومي) 22 عاما الذي يصف واقعة قتل شابٍ فلسطيني:

“رأيته بالمنظار .. أطلقتُ عليه النار شاهدته يقفز عاليا ثم يسقط أحسستُ بأني (الله)! شعرتُ بالفحولة… إنها متعةٌ تشبه تعاطي (الأدرينالين) وتشبه متعة (الجنس) وفي المساء أشعلتُ سيجارة، وجلستُ أشاهدُ جنازته في قناة الجزيرة “

“أما الجندي (غاي) فهو من المتدينيين يقول: ما قمنا به هو بأمر الله ، لأننا شعبُ الله المختار، أما الجندي (رون) فهو يفتخر بعدد الذين قتلهم من الفلسطينيين، وهو يضعُ على بندقيته علامة (X)بعدد القتلى الفلسطينيين  ويفخر بلقبه  القاتل (كيلر)!  “عن صحيفة كل العرب 13-8-2004م

استدراك أخير:  (تحيي دولة إسرائيل اليوم الأول من شهر مارس 2012 ذكرى استشهاد 650 جنديا  ممن لا يُعرف مكانُ دفنهم، وبهذه المناسبة أصدر رئيس الدولة عفوا عن عدد كبير من السجناء الإسرائيليين، من ضمنهم سجناء قتلوا فلسطينيين…. وكل عام ودولة إسرائيل بألف ألف ألف خير!!)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى