نسوة فراس حج محمد في المدينة غير الفاضلة
بقلم: هيثم جابر| سجن النقب الصحراوي
منذ أن تعرّفت على صديقي الأديب الناقد والشاعر والباحث فراس حج محمد، وأنا لا أوفر فرصة اصطياد كتبه وقراءتها بتمعن وروية واستمتاع. أرسل جنودي وعسسي ورجال مخابراتي الثقافية والأدبية والفكرية في كل مكان وفي كل اتجاه للبحث والتنقيب عن كتابات فراس حج محمد، حتى تعرفت عليه وتشرفت بمعرفته فوفر ذلك علي عناء مطاردة كتبه في المكتبات ودور النشر.
بت أطلب مؤلفاته منه شخصيا إذا ما قام وأصدر مؤلفاً جديداً، وفراس ذو باع طويل وصبر كبير على جلد الكتابة وإصدار المؤلفات القيمة التي أضافت وتضيف الكثير للثقافة العربية عامة والفلسطينية خاصة.
قرأت الكثير من مؤلفات الأديب الكبير فراس بمتعة كبيرة، ولا أبالغ إن قلت إنها أنارت لي شمعة جديدة في ظلمة السجن، وزودتني ببعض الدفء خلف جدران الصقيع، وفتحت مداركي على عوالم كنت أجهلها، اتفقت معه في الكثير مما قرأت له من مؤلفات، وعارضته في أخرى، وإذا ما عارضته في فكرة ما، أو نص ما، أو مضمون أحد هذه الكتب، كنت أبادر بالتواصل معه ومناقشته فيما عارضته، وهو بدوره كان يتقبل نقدي وملاحظاتي بصدر رحب وروح رياضية عالية، وأرجو أن يتسع صدر صديقي الكاتب الكبير فراس حج محمد لرأيي وما سأسجله هنا في مؤلفه “نسوة في المدينة” الذي تناول العلاقات غير المشروعة في الوسط الأدبي والثقافي في العالم الافتراضي، خاصة على صفحات الفيسبوك، وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي.
في الحقيقة شعرت أن هذا الكتاب مختلف تماماً عن مؤلفات الأستاذ فراس حج محمد، لم أشعر بتلك المتعة المعهودة التي كنت أشعر بها وأنا أطالع كتبه السابقة من نقد أو شعر أو نثر.
بدا لي أن هذه القصص كان فيها شيء من المبالغة في الوصف والتفصيل بطريقة تثير الغرائز والشهوات، وخاصةً أعضاء المرأة التناسلية ومفاتنها، ووصف بعض العلاقات والممارسات المحرمة والتفصيل فيها، شعرت أن هنالك كلمات مصطنعة مكررة، ولولا معرفتي الكبيرة برجل مربٍ وخلوق مثل الأستاذ فراس حج محمد لقلت إن هذه القصص هدفها إثارة الشهوات والغرائز فقط.
فقلت رأيي للكاتب الكبير فراس ومعارضتي لمثل هذه القصص وهذا الأسلوب في الكتابة الأيروتيكية، وبهذا الشكل، خاصة في الأعمال النثرية، ربما لو استُخدمت ألفاظ مفاتن المرأة في الشعر لكان الأمر مختلفاً؛ لأن أي عضو أو جزء من جسد المرأة له دلالته الشعرية والرمزية، فالنهد هو عنوان الحياة والعطاء والاستمرارية في هذه الحياة، والخدّ عنوان من عناوين الجمال وهكذا. وأنا لا أرى أي صور جمالية أو فكرية من تصوير عملية جنسية بكل تفاصيلها أو أوضاعها في كتاب يستهدف مجتمعا عربيا محافظا ومسلماً، ولو صنف هذا الكتاب أنه كتاب جنسي، يستهدف الشباب من أجل هدف تثقيفي وتوعوي لكنت تفهمت ما جاء في الكتاب من وصف مبالغ فيه وصريح لا يخلو من الإثارة والتهويل.
عندما أخبرت الأستاذ فراس برأيي في هذا الكتاب أخبرني أن هذا واقع، ويحدث كل يوم على صفحات التواصل الاجتماعي، والمصيبة الكبرى أنه يحدث بين فئات الطبقة المثقفة، وهو أراد تعرية هذا الزيف وكشف هذا السلوك، وأنا أصدّق الأستاذ فراس ومقتنع بصدقه ونواياه ولا أشكك في مصداقية صديق عزيز وكاتب كبير ومربٍ جليل، لكن ليس كل شيء شاذ وسلبي تستطيع نشره أو اعتباره ظاهرة. الدعارة أقدم مهنة في التاريخ ومع ذلك تبقى ممارستها منبوذة، وسلوكاً منبوذاً يمارسها من يمارسها في الخفاء وخلف الأبواب المغلقة ولا يخرج للعلن؛ كي يبقى عظيماً ارتكابه، ولا يصبح عادة يومياُ يستهين بها البشر، وبالتالي استسهال هذا الفعل الشنيع. فلا يجوز للكاتب والمثقف أن يسمع بأن تشيع الفاحشة في المجتمع ووصف أي سلوك منبوذ وخاطئ على أنه ظاهرة، وينبغي معالجتها، لذلك أعارض الأستاذ الكبير في هذا أيضاً.
ربما لو كان الأستاذ فراس يبحث عن الشهرة والأضواء والانتشار لقلت إنه كتب هذا الكتاب من أجل إثارة الناس عليه، وبالتالي إثارة ضجة كبيرة حول الكتاب من أجل الشهرة والترويج للكتاب وإقبال الناس على اقتنائه وزيادة الطلب على الكتاب. فقد لجأ مؤخراً الكثير من الكتاب لمثل هذا الأسلوب؛ الكتابة في الأمور الجدلية والمس بها من أجل إحداث ضجة كبيرة حول المؤلَّف والكاتب، وبالتالي إكسابه شهرة كبيرة والشواهد على ذلك كثيرة، لكن لا أريد أن أذكر أمثلة، لأنه لا مجال للمقارنة بين هؤلاء وبين كاتب كبير صادق مثل الأستاذ فراس حج محمد.
الأستاذ فراس ليس بحاجة للشهرة واسمه يسبقه دائما، صاحب اسم كبير في عالم الأدب والشهر والنثر والنقد تزخر المكتبة العربية بكتبه وإبداعاته فقد كتب أكثر من أربعين كتاب أثرى بها الثقافة والأدب والنقد والدراسات المهمة. فراس غنيّ عن الشهرة والأضواء، لأنه قامة أدبية وفكرية كبيرة، لكن أعتقد أنه اجتهد وله حق الاجتهاد، وحق إبداء الرأي، وله الحق فيما يكتب وفيما يبدع، وكذلك لنا الحق أن نعارض رأيه.
أعتقد أنه أخطأ في علاج مثل هذه السلوكيات المنبوذة التي لا تصل بأن تكون ظاهرة. الدعارة والزنا والسلوكيات الخاطئة موجودة في كل المجتمعات، تبقى خاطئة في الظلام، وبالتالي إهمالها وتجاهلها هو العلاج حسب اعتقادي، ربما أختلف مع صديقي فراس في “نسوة في المدينة”، لكن هذا لا يمنع أن أسجل هنا أن الأستاذ فراس كاتب وشاعر وأديب وناقد كبير، وله باع طويل في عالم الأدب وأضاف الكثير للأدب العربي المعاصر، ويستحق أرقى وأثمن الجوائز الأدبية والثقافية للإبداع على مستوى الوطن العربي.
وهنا أستذكر مقولة أفلاطون: قد أعارضك في كل ما تقول، لكنني مستعد للقتال من أجل أن تقول ما تقول. أنا أعارض الوصف والإثارة في قصص “نسوة في المدينة”، لكن أيضاُ لا بد لي أن أشير أن لغة الأستاذ فراس في كل مؤلفاته الإبداعية لغة تأسر القلوب والعقول، والبنية السردية والنثرية لا تقل جمالاً وبهاءً عن مثيلاتها في البناء الشعري والجمالي لدى الأستاذ الكبير فراس، وكما أسلفت هذا مجرد تسجيل رأي ولست ناقداُ أو باحثاُ بحجم الأستاذ الكبير فراس حج محمد. أتمنى أن يتسع صدر صديقي الكاتب الكبير لهذه المقالة المتواضعة.