رسولة السلام

مليكة الحامدي | سورية

في شهر آذار تتفتّح نوافذ تُطلّ بأشرعتها على مصابيح احترقت و تحترق لتنير الدرب لمن يتتبّع نورها .. و في هذا اليوم يحتضن العالم مصباحاً هو الفريد من نوعه ، و الأهمّ في عطائه ألا و هو مصباح المرأة .. و قد أفرد له الكثيرون مساحات كبيرة من أحاديثهم و كتبهم و أدبياتهم و متصفحاتهم الإلكترونية لإيمانهم بأنّ المرأة شاركت و تشارك في العديد من مشاريع التّنمية الشّاملة في البلاد ، و هذا مما لا يُشكّ فيه .. و أنا إذ أُسلّط الضوء اليوم على بُقعة مُظلمة لا يعني أنني أبخس جهود نساء رائدات من بلدي سورية و من بلاد الوطن العربي ككل كافحن و صمدن و ضحّين و كنّ طلائع الثورة النسائية التحرريّة من أجل تفعيل دور المرأة الشرقية و إيلائها مسؤولية الإرتقاء التنموي على الصُعد كافة و اللحاق بالركب الحضاري.. و قد تجسّدت ثورتهن أفعالاً حقيقية على أرض الواقع مَنحت المرأة حقّها كإنسان و كمواطن مسؤول .. و ما نلنّ ثمرة جهودهنّ تلك إلا لاعتقادهن المتين بأنهنّ ولّادات المجتمعات و قائداتها و لسن نصف المجتمع فحسب .. و إنما لابد من القول في زمننا المسلوب هذا أنّ المطالبة بالحقوق المشروعة هي واجب ضميريّ و شرط إلهي لديمومة الحياة .. و لكن اجترار تلك المطالب دون فعلٍ موازٍ لسقفها يُفقدها قيمتها . و على ضفّة ثانية فإنّ الببغائيّة الفكرية من ألدّ أعداء التقدم الفكري و المُضلل له .. فلقد انحرفت قضيّة المرأة عن سلامة مسارها الإجتماعي الحضاري المُمتدّ عبر جذور تاريخية و أخلاقية و دينية و فكرية أصيلة مُتّجهة نحو مسارات إباحيّة مُستوردة من جذور غريبة ، و التصفيق لهذا التّحرر المُزيّف يوسّع الهُوة بين هُويّة المرأة الشرقية العفيفة .. الحاكمة لإمبراطوريات عظيمة ، و المديرة لمجالس أدبية ضمّت أجلّة رجالات الأدب و الشعر ، و صانعة منتديات ثقافية شهيرة كان لها عميق الأثر و بين هُويّة مُستعارة ستذوب عاجلاً أو آجلاً و لكن بعد أن تُحيل مجتمعاً مُحافِظا ثقافياً إلى مجتمع مُنحلّ أخلاقياً .

فقضية المرأة أصبحت أكثر تعقيداً يُمكن أن تُفضي إلى مشكلات كثيرة لن يَقدِرَ مجتمع متباين الرؤى أن يضبط معاييرها .

على امرأة الألفية الثالثة أن تُدرك أخيراً أنّ حربها ليست مع الرجل .. و إنما أن تكون أو لا تكون .. و مُناهضتها ليست وليدة المصادفة و إنما موعدٌ ما بينها و بين بنات جنسها يتحدّد كل فصلٍ نهضوي راقٍ لها .

أما عيد المرأة .. فهو يوم رأت فيه مجموعة من النساء بأمّ أعينهنّ إنجازاتهنّ الكثيرة و الكبيرة التي حققنها ضمن حقول إنسانية و وطنية و ثقافية و مَدنيّة بعد مسيرة شاقّة من النّضال تحت وطأة ظلم الرجل و حروبه .. فأي إنجازات يا تُرى حققناها نحن لأنفسنا و لأخواتنا النساء و لأبنائنا و لأوطاننا تحت وطأة الإرهاب بكل مُسمّياته يُجيز لنا الإحتفال “بنا” في هذا اليوم ……. لعلّه الصبر المُر

أو لعلّها القُدرة و المهارة الفائقة في إطلاق زغاريد زفّة كوكبة هائلة من القَتَلة و القتلى تحت مسمّى الشهادة لحوريات في السماء تَلعن أُمهات يُقمن عُرساً على قتل الأخ لأخيه في الأرض و التاريخ و الدم دون بارقة نصر .

لا أستطيع و أنا أحمل همّ النساء و معاناتهن و أنا منهنّ إلا أن أُلقي تحية إجلال و تقدير من القلب لكل امرأة بأيّ موقع تُمثّل فيه الأمُ القائدة ، و الأم الثكلى المظلومة ، و الزوجة المُخلصة ، و  المُواطِنة الشريفة ، و الأخت المُحِبّة ، و المعلمة المعطاء .. و المرأة رسولة السلام .

أم جواد الحامدي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى