ألا يؤسس النقد الفلسفي.. لتحقيق التنوير والتغيير؟
محمد المحسن | كاتب تونسي
سؤال لجوج ما فتئ يقضّ مضجعي:هل هناك تجاوزات من بعض النقاد المعروفين، الذين يطنطنون لأديب بعينه أو كاتبة بعينها، ويخلعون عليه/ عليها الكثير من الفتوحات الأدبية، وكأنما تم فتح عكا من حصار الصليبيين، وكل الذي تم إنتاجه ديوان شعري.
هذا وارد وطبيعي، لكن تبقى القاعدة هي الأساس، والقاعدة تقول: إن العربية تمتلك الكثير من النقاد العرب الكبار في قامة د.جابر عصفور وإبراهيم فتحي ود.عبد المنعم تليمة ود.يوسف نوفل ود.محمد عبد المطلب، ومن قبلهم كان العظماء الراحلون: د.محمد مندور، ود.لويس عوض، ود.علي الراعي، ود.عبد المحسن طه بدر، ومحمود أمين العالم، ومن بعدهم من الجيل التالي: د.سيد البحراوى، ود.صلاح السروي، ود.مدحت الجيار، ود.حسين حمودة، ود.عبد الناصر حسن، ومن بعدهم من الجيل الثالث: د.مصطفى الضبع، ود.هيثم الحاج علي، ود.شريف الجيار، ود.محمود الضبع، وغيرهم من عشرات النقاد الجادين.
لكن أين الحركة النقدية الآن؟ وعندما تسأل أحد النقاد؟ أين أنت وأين ما تكتبه؟ يؤكد لك بكثير من المرارة: دلني على أماكن النشر، أدلك على كتاباتي النقدية.
في تقديري-ان كل ما تمارسه النخب العربية عموما والاكاديمية على وجه الخصوص من نقد وتنظيرات وضعية منطقية مسوقة بمقولة “التجربة والخطأ” ليست الا محاولات بائسة لتجميل الواقع بدلا من العمل على تغييره جذريا نحو الافضل.
قراءة للكتاب،ان الكتاب يقدم وظيفة اهم للنقد الفلسفي تتعلق بنقد الواقع وخطاباته الايديولوجية، من خلال عملية تفكيك جذري تكشف عن تناقضات عميقة لهذا الخطاب وازدواجيته في التعامل مع المواقف المختلفة، فهو خطاب تلفيقي يسعى لتحسين صورة الواقع باجراء عمليات تجميل وتزيين.
ان مهمة النقد تتمثل بالدخول المباشر الى اعماق الخطاب والفكر ونقد البنى العميقة التي تشكلت عبر الماضي وتواصلت تراكماتها حتى اصبحت تعيش تحت جبال من الرماد الخادع،لذلك غابت الحقيقة،وبقيت “تصورات الاصلاح في المخيال العربي والاسلامي تدور في اطار اعادة البناء والاستكمال وليس التجديد والتغيير باي حال من الاحوال”.
إن أهمية النقد الفلسفي في الفكر العربي المعاصر تكمن بنضوج شروطه التاريخيَّة التالية، وهي ظاهرة الهزائم المتكررة من هزيمة حزيران (يونيو) 1967 إلى احتلال العراق 2003،والانهيارات السياسيَّة والاقتصادية المتوالية،وانسداد آفاق التغيير،-وهنا أشير إلى-انه مع كل مأساة مشابهة نعود إلى جلد الذات واكتشاف الحكمة بأثر رجعي،وهكذا دواليك،فكم هزيمة يحتاج العقل العربي ليمتلك الحكمة النهائية؟!.
إنّ النقد الفلسفي يتطلع لإحداث فارق معرفي /مجتمعي في الواقع المعاش،وهو معني بتشخيص الهزائم والأزمات على ضوء الفرص الباقية للعرب،بقراءة كلية تتعلق أولاً بنقد نقيضها الَّذي فشل في التحقق،بفشل حامله التاريخي،وأنتج الوضع الراهن.وأقصد بالفرص الباقية؛ إرادة العرب بتقليص الفارق بين القدرة والتحدي،لإعادة بناء المشروع الحضاري العربي من خلال تركيزنا على حاضر الفكر العربي وقضاياه المستقبليَّة.
إن النقد الفلسفي الحديث (دوما في تقديري) يعمل على تغيير الواقع بتجاوزه،والتجاوز غير الاستبدال في عصر النهضة، فهو فعل متواصل في سياق عملية التقدم الَّتي يخلق فيها نموذجه الإرادي كفاعلية مطابقة للمنظور الرؤيوي،وهو محصلة لتفاعل التأمل والتخيّل في إطار الرؤية والمنهج والممارسة،ويتوقف نجاحه على توفر قوى اجتماعيَّة قادرة على بلورة بديل حقيقي،أو كما يقول سمير أمين “تكوين كتل اجتماعيَّة واعية وقادرة على طرح بدائل حقيقية..
وفي غياب مثل هذه التطورات في الأطر الوطنية أولاً..ستظل مشروعات الإصلاح حبراً على ورق” أو بالأحرى زبدا وطواحين ريح..
أخيرا نشكو دائما من استشراء النقد لمجرد النقد أو النقد الهدام الذي هو النقض المطلق،فالنقد هو فحص الموضوع وإبراز ايجابياته وتبيان سلبياته،ولعل ممارسة النقد الذاتي داخل أروقة التنظيمات السياسية بحرية يساعد في توجيه الشباب على انتهاج نقد التشييد والبناء،بممارسة سماع ونقاش الآراء المختلفة ومعرفة مناطق الإيجاب والسلب في الرأي الشخصي،وإدراك الموضوع بصورة أوسع واشمل،فليس كل ما يقوله الناس صحيحا ،ولكن مجمل النقاش سيبين الرؤية ويغير في طريقة تفكير الأشخاص وبالتالي تتحول نقاشاتهم إلى نقد بناء يُكَون اللبنة الأساسية في مداميك الواقع العربي المترجرج.