ننطفىء هادئين بخشوع

مها دعاس | سورية | ألمانيا

النهر يغرق حين تترك البراءة ضفافه
لا يجري مرة أخرى ببدائية خلابة
نحو الأفق

من يعيد للسماء زرقتها عندما تنطفىء نجمة فشلت في أن تضيء بينما يتباهى المجاز في دروبه الحريرية المطرزة بلؤلؤ الخيال ورائحة الضوء

مثل شتلة الحبق اليابسة في رئة التراب على قبرك المهجور تنسل روحي
كخيط قطن هش تربصت به النار أَنطفىءُ ببطىء
روحي حبة تين مجعدة
مرآتي فارغة يا أمي
وكلماتي أيضا

كل نجمة منطفئة تميمة موت وتابوت لوردة
روح سجينة لبدوية شنقتها مقصلة جدران المدن وأزقتها الخانقة

هكذا تنداح الكلمات الرقراقة عن معانيها
وتفقد عذريتها في محاولة لكتابة قصيدة من ماء وورد لا تُعَّمِد بمائها نساء أنهكتهن حياتهن المستعملة

كشارع من شوارع الغربة المزدحمة بالضياع يستقرض الغرباء فيه وهمَ الابتسامات بمقارنة الأمكنة بأمكنة الهناك، يمتزج الوهم مع الحلم ورائحة طين خبزه المطر

هذه الشوارع جنة، لكنها ليست مأوى
فيها الآرائك ليست حصيرة وردية والينابيع المقدسة لا تنقذ حورية غادرها البحر ولا تروي عطشها

ليس مفاجأ أن تنطفىء “زرازير البراري ” بعد أن تاهت عين الماء عند أطلال قريتنا جارة التاريخ وصديقة الزمان،
الممهورة برقصة الرعاة المرسومة حول حبة الكمأة بمزمار وعتابة وشاية البكاء على مفرق غرة الشمس وخدها الخمري ،لم تلد أنشودة للغابة المظلمة

للقلب عيونه التي ترى حينما نمتلك روح فراشة
نبدل الريح بأغنية
نتلو على العاصفة شعرا لتهدأ
نقطف الحروف من بتلات الورد ومن ريشة عصفور
ونصلي

كم هو مؤلم الإنطفاء بالنسبة لحمامة تتوق للتحليق خارج السرب في هجرتها الموعودة نحو الحرية،
ترفرف حول خيمة تبكي فتكبر بين جناحيها خيبة البلاد وجوعها !

عندما يتكاثر الألم تحت الأظافر و نعيش بلا ألواننا ينفلت الزهر الوردي من بين أصابعنا ويرحل في السواد حتى آخر اليأس وحكمة اليأس

كيف تصير جلودنا في منتصف المسافة الفاصلة بين الحياة والموت بعد أن اختبرنا طعم السياط !
بعد أن حفرت آبارها في أرواحنا تعلمنا كيف نحشو الندوب بالملح

يا أمي أعلم أنك تدركين أني ما زلت أقتل بعينيك المطفأتين
عيناك الخاليتان من معاني الحياة عبايتي السوداء
زنزانتي التي لم أرغب يوما بوراثتها

يا أمي أنت تعرفين كيف ومتى ولماذا ننطفىء هادئين بخشوع الصمت الكلي ورزانة آخر شجرة توت كانت تضيء حول التلة الشاهدة على انحناءة الحجر لظلال وردة ورثت رقة وحزن غيمة لم تعد تمطر وكبرياء زهرة عباد الشمس في مواسم البرد ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى