عن القيل والقال، في مسلسل فتح الأندلس، وما رافقه من جدال وسجال
أبو القاسم الشبري | باحث أثري ومؤلف مغربي
أظن أن مسلسل فتح الأندلس، أو مسلسل طارق بن زياد، في منظور المغاربة، حصريا، يعتبر مبدئيا عملا رائدا، ومن دون شك عملا جميلا، بانتظار تسلسل واستكمال حلقاته. هو عمل ضخم، من إنتاج عربي، وليس عملا أوربيا، مثلما عهدنا ذلك، منذ مطلع القرن العشرين. لكنن كان ربما من باب التعريج الفني على التاريخ الإشارة، بطريقة فنية عابرة، إلى الأصل الأمازيغي لطارق بن زياد، الذي أصلا لم يكن إسمه طارق ولا أبوه بزياد، من دون شك. لكن حيث إن تاريخ دخول الأندلس كتبه مؤرخون عرب فقد أسموه “طارق” من باب التيمن بسورة الطارق الكريمة “والسماء والطارق…”، حيث إن المسلمين طرقوا أرض “الكفر”، من منظور عصرهم.
ومع ذلك، لم يكن يضر المسلسل في شيء، وعروبة العرب، أن ينطق أحدهم ببضع كلمات أمازيغية، مع الفارق طبعا بين أمازيغية القرن الثامن الميلادي وأمازيغية القرن الواحد والعشرين، وبين أمازيغية الريف والأطلس وسوس والقبايل والجريد. والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالرباط يوجد لمثل هذه الأغراض العلمية. لكن في العمل الفني، والتقنيات السينمائية، هناك الكثير من الإمكانيات المتاحة.
أما في ما يتعلق باللباس، فليس في الأمر عيب إجمالا، على ما يبدو، فهو مجرد اجتهاد تقريبي. ثم، من يمكنه أن يدلنا على رسم أو تصوير لسكان الجزيرة العربية والشام وشمال إفريقيا في القرن الثامن. كل ما يتم تقديمه من أعمال فنية، عن أغلب شعوب العالم، هو مجرد اجتهادات لفنانين، تشكيليين وسينوغرافيين ومخرجين، ومؤلفين. بينما هناك شعوب خلدت منطق عصورها القديمة بلوحات ورسومات فنية، تبقى مع ذلك أعمالا تقريبية.
من جهة أخرى، هل يجب أن ننسى ما أنتجه المغاربة من أعمال فنية تاريخية ؟ ونحن نستحضر مسلسل المولى إدريس الذي كان محط انتقادات جمة، فلم يكن موفقا. وحتى ما أنتجته منذ بضع سنوات قناة فرنسية عن السلطان المولى إسماعيل، بتعاون مع مغاربة، لم يكن موفقا، هو الآخر.
أخيرا، لا نرى أي داع للمطالبة بوقف بث مسلسل فتح الأندلس، لسببين:
أولهما: أن التلفزة المغربية اقتنت المسلسل من دون شك بأموال ضخمة هي من جيوب دافعي الضرائب.
وثانيهما بطلان ذريعة غياب أو نذرة حديث المسلسل عن أجدادنا الأمازيغ.
وعلينا أن نعترف، بمنطق التاريخ، أن أجدادنا الأمازيغ، الأشاوس، كانوا مرؤوسين ولم يكونوا رؤساء. وحتى يوم دخل المغرب مولاي إدريس بن عبد الله، فارا من المشرق، بايعه المغاربة الأمازيغ، بل وزوجوه كنزة الأوربية (البرنوصية !)، وكأن البلاد لم يكن فيها أمغار واحد قادر على قيادتها. والمغرب بلد الأمغار بامتياز، تاريخيا، وإلى عهد قريب، مازال يعيش فينا. وعلى كل حال، فحسنا فعل أمازيغ المغرب بمبايعة إدريس، الذي سيصبح إدريس الأول.
والسؤال الذي يجب علينا كمغاربة أن نطرحه على أنفسنا، هو، ماذا كتب أجدادنا الأمازيغ عن فتح الأندلس، وعن سواه؟، ولماذا لا تقدم مدارسنا وجامعاتنا شيئا عن ذلك، على نذرته، أو على عدم الكشف عنه بعد؟، وأين يوجد ما قد كتبوه أو تم إتلافه؟، ربما، عن قصد أو عن إهمال من أصحابه ومن ذوي الحقوق، يا معشر الباحثين. حتى سقراط العظيم نعرف كل فكره وفلسفته فقط من تلامذته. فأين كان تلامذتنا، الأمس واليوم، ليخلدوا ما كتبه، ويكتبه أساتذتهم ؟.
والسؤال الأهم والأخطر هو: أين كانت أجهزتنا الرسمية يوم كان العرب يكتبون مسلسل فتح الأندلس، كي يدرجوا واحدا أو اثنين من مؤرخينا في خلية كتابة السيناريو، أو في المراجعة التاريخية المعمول بها في كل كتاب وكل عمل فني. والمغرب لا يعدم مؤرخين عظام في الموضوع.
فهل يكون مسلسل فتح الأندلس فاتحة خير على المغرب والمغاربة، فتطلق الأجهزة المعنية السيولة لتمويل مثل هذه المسلسلات والأفلام الضخمة عن تاريخ المغرب الضخم، وعن تراثه الزاخر والزاهر، بما يمكن، في كل موضوع منفرد، أن يشكل مسلسلات من ثلاثين حلقة.
ها هنا ندائي، بالتعبير الرسمي عن استعدادي لكتابة مشروعين لسيناريو مسلسلين تاريخيين، أثريين: أحدهما عن الوجود البرتغالي بالمغرب، وتحرير الثغور، والمسلسل الآخر عن تحرير مازغان وترحيل برتغالييها إلى البرازيل.
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، كتابا، وأجهزة الدولة المعنية. والدولة لا تعوزها الامكانيات.
الجديدة : 13-4-2022
10 رمضان 1443