النزوح من الحضارة نحو الحجارة في ظل النظام العالمي الجديد
أجدور عبد اللطيف | المغرب
نحن نعيش في ديكتاتورية كبيرة، نسعى جاهدين لنصدق أن العالم صار أفضل، وأن الفرد يعيش وفق شروط معيشية كانت فانتازيا محضة بالنسبة للأجيال البائدة!
صار الزحف على حرياتنا أكثر تنميقا ولطفا، مسوغات واهية لانتهاك حريات الأفراد، وأعظمها حرية الإنسان في جسده التي تعد من أسمى ما يملك، حيث إنه الوعاء الذي يحفظ للنفس الواعية استمراريتها، مسوغات من قبيل “حفظ الصحة العامة”، ” تحقيق المناعة الجماعية”، “حفظ الأمان الصحي” ، في حين أن التجارب والدراسات التي يحاصر الكثير منها، إلا من شذرات يتم نشرها على الأنترنت هنا وهناك، أحيانا ، تؤكد أن جسم الإنسان لا يحتاج لكل هذه التطعيمات والأدوية والمضادات التي وإن رتقت ثقبا خرقت ثقوبا، مسوغات تقودنا نحو هوس الشك والسخط وشرعنة نظريات المؤامرة، رغم سعينا الجاد في تلافي تتبع التاويلات التي من شأنها إدخالنا في مطبات فكرية مهولة، غير أن الحملات الإعلامية الهائلة والحرب النفسية الموجهة في ما يخص موضوعات من هذا القبيل أصبحت تكرس حالة السخط العامة وثقافة التشكيك هذه، خصوصا لما يطالع المرء إنتاجات فكرية لعمالقة الفلسفة والسوسيولوجيا من أمثال تشومسكي فيجد أن تنبؤات هؤلاء وتحليلاتهم تتحقق تباعا.
في هذا السياق المشحون، أذكر أحيانا صديقة هولندية تعمل فنانة تشكيلية، أحاديثها مفعمة بالسخط والتشكيك، والنقد اللاذع، وقد دأبت على الترديد بأن الهيئات النقدية والصحية والاقتصادية والاجتماعية العالمية تسوق الفرد المعاصر إلى المذبح بيد من حديد، ولا تنفك تؤمن أن الحل هو الفكاك “نظام الأخ الأكبر systèm of big brogher” والتسمية مقتبسة من كتاب جورج اورويل 1984_ بل و من الحضارة وكل تبعاتها من خلال النزوح نحو ما تبقى من أراض غير مطروقة وحضارات بدائية في الكاريبي أو إفريقيا، ولا أخفي أنني فكرت أحيانا أن الفتاة نموذج للانسان الاوروبي الذي يتوفر على كل شيء ويفتقد لكل شغف يجعله يواصل المسير ، ولا يحيد الأمر عن كونه نوعا من العدمية المعاصرة، غير أن التطورات المتسارعة تريني أن أولئك يرون غير ما نرى، من زاوية أوضح ، حيث أننا منشغلون عن قضايا بهذه للخطورة، في رحلتنا السرمدية للبحث عن الخبز والعيش الكريم في بلدان العالم التابث.