حضارة الإبداع لا حضارة الدمار!

د. أحمد الطباخ|كاتب مصري
ظل المسلمون يبنون ويبدعون وينفعون العالم كله بما قدموا من علوم وأبدعوا إبداعا منقطع النظير في كل المجالات والعلوم ولم يبخلوا بما أبدعوا وإنما ظلوا هكذا أعلاما ينتجون ويبحثون ويخترعون على غير مثال سابق بضوابط الدين وبما يمليهم عليهم الفهم الصحيح والفكر القويم والقلب السليم الخالي من الزيغ والأحقاد لذلك كانت حضارة الإعمار وعمارة الكون وليس حضارة الدمار والخراب فلم يتركوا فنا ولا علما نافعا إلا وطرقوا أبوابه وفتحوا مغاليقه وأسهموا فيه بسهم وافر وعلم غزير واختراع طريف عاد على العالم بالخير والنفع فديننا دين التفكر والتأمل والعمل والانتاج والإبداع والاختراع والعقل الفعال الذي لا يعرف الملل ولا السأم ولا الكلل.
وظل الغرب عالة على علوم العرب سنوات حيث ترجم كل مؤلفات علماء العرب وطبقوها عندما طردوا المسلمين من بلاد الأندلس استولوا على علوم العرب وترجموها إلى لغتهم ودرسوها في معاهدهم ثم بعد ذلك ادعوا أن العلوم علومهم والنظريات نظرياتهم وهم كاذبون مزيفون منتحلون لكل ما أبدعته الأدمغة العربية طيلة هذه القرون من العطاء والإبداع الذي أفرزته عقول صنعها القرآن الكريم على عينه وغذاها بمدده ووضعها على طريق العلم.
جميعنا يعلم تلك الطريقة التي تتيح للمكفوفين القراءة ، وهي ما تسمى بطريقة.برايل لقراءة المكفوفين. ولكن هل نعلم أن المسلمين توصلوا لهذه الطريقة قبل برايل الفرنسي بخمسمئة وخمسين سنة !
ابتكر الإمام زين الدين الآمدي طريقة خاصة للحروف البارزة تساعد غير المبصرين على القراءة!، وزين الدين الآمدي ولد في مدينة آمد في ديار بكر، وانتقل إلى بغداد العامرة لتحصيل العلم فأصبح من أهلها ولم يفارقها حتى مماته.
كان الآمدي من علماء المدرسة المستنصرية في بغداد ، أصيب منذ نعومة أظفاره بالعمى، فلم يستسلم أو ييأس، ولم تقف تلك العاهة حجر عثرة أمام إصراره على المضي قدماً في سبيل العلم ، فقد كان عالماً باللغة العربية كما تعلم الرومية والفارسية والتركية والمغولية، وكان فقيهاً حنبلياً ومهندساً ميكانيكياً فاشتغل بالدرس والتدريس سعياً وراء الحصول على رزقه ولم يطرق باب الولاة للتكسب بل اتخذ من مهنة بيع الكتب سبيلاً لكسب قوت العيال وكسب بذلك احترام الخاصة والعامة، ولعل السبيل الذي توصل إليه الآمدي يجعلنا في دهشة من أمره، فقد اكتشف الرجل من خلال عمله في بيع الكتب السبيل إلى ابتكاره الذي سبق به ” برايل ” بأكثر من نصف قرن من الزمان.
فقد راح بائع الكتب زين الدين “الآمدي “يصنع حروفاً بارزة يحدد بها ثمن كل كتاب ليتعرف عليه عند بيعه، فكان يأخذ بقطعة من الورق الخفيف ويقوم بفتلها بطريقة رقيقة ثم يصنع منها حرفاً أو أكثر من حروف الهجاء ليحدد بها سعر الكتاب بحساب الجمل التي تشكلها الحروف ثم يقوم بلصقها على طرف جلد الكتاب جلد من الداخل ثم يلصق ورقة رقيقة فوقه لتظل ثابتة. وحتى لو ساوره الشك في تحديد أو معرفة ثمن أي كتاب أو اختلط عليه الأمر لمس بطرف أصابعه الموضع الذي علمه فيعرف على الفور الثمن الذي حدده لكل كتاب يعرضه للبيع في مكتبته دون أي ظلم يرتكبه في حق نفسه أو حق الشاري.
لقد سارع كل من كان لديه علم بالإبداع في حضارة عظيمة قدمت للبشرية كل خير ولم تبخل بشيء مع قلة ذات اليد وشح الإمكانات المتاحة في ذلك الوقت إخلاصا لله وعملا بما أمر الله به من التعلم والإبداع والعطاء وقد خسر العالم وما يزال يوم أن عادى هذا الدين ووقف من أتباعه موقف العداء فلا أمن حقق ولا سلام صنع ولا علم حقق وإنما أشاع الخوف ونشر الظلم والبغضاء.