السموُّ الروحيُّ في الأدبِ الرافعيِّ

الشيخ طاهر العلواني | مصر

ما من كلمة أسعى بها إلى الكشف عما اشتمل عليه الأدبُ الرافعي من محاسنِ الشيم، وموجبات الاستبداد بالمزيّة إلا والقلمُ ينازعني حتى يذهبَ بي كلَّ مذهبٍ، غيرَ أنّ الحديث عن النفسِ الرافعيّة التي تبوّأتْ من الأدبِ محلَّ الخلافة، فبسط لرعيَّته فِراشَه، وأنامَ الأنامَ في ظلٍّ منه ظليلٍ، حتى سطعتْ مصابيحُه وأنوارُه، وطلعتْ شموسُه وأقمارُه، فصارتْ هذه النفسُ آيتَه الكبرى، ورايتَه العليا، له صورةٌ في الذهن آخذةٌ من نواصي العلوِّ أعلاها، ومشرقةٌ إشراقَ الفجرِ في الأفق، تشي بالمسك، وتنمّ عن الصبح، وتهوي لَها لُها أربابِ المروءة، ولو تبدّت لهم من بين جنبيه كانتْ شخصَ الكمالِ.

إنَّ النَّفْسَ الرافعيَّة حازتْ من السموِّ والجمالِ والحبِّ ونقاء الطبيعة وصفائها من مكدِّراتِ المروءةِ، ما مثلُه آمنَ عليه البشرُ بأن للسموِّ حقيقةً في نفسِه، وأنَّ للجمالِ حدًّا يفرقُه عن غيرِه، وأنَّ للحبِّ معنًى مرتفعًا عما يشينُه، وأنَّ للطبيعة وجهًا سامقًا هو حقيقةُ الحياة، صافيًا هو روحُ النعيمِ بعد ضرّاء، إذا اجتمعتْ كلُّها وتشخَّصتْ للعينِ، لم تكنْ شيئًا إلا “الرافعيَّ”.

إن النَّفْسَ الرَّافعيَّةَ ترى الحبَّ فكرةً تبعثُ في النفسِ الطهارةَ، وطلبَ التحصُّنِ من بواعثِ الدناءة، وإظهارَها للدنيا كما هي في الإنسانِ، حتى تكونَ السعادةُ بأقلِّ موجباتِها في القلوب فوقَ ملئها، وحتى تتبدَّى للناس في حقيقتِها الخالصةِ في ناموسِها الذي خلقَها اللهُ عليه، وفطرتِها التي هي أشبهُ بأبيهِ – عليه السلام – حديثَ عهدٍ بالأرضِ، وإنِّي لأحسَبُ أبانَا الشيخَ الأوَّلَ – صلى الله عليه وسلم – يُفاخرُ به يومَ القيامةِ الأممَ.

إن النَّفْسَ الرَّافعيَّةَ أُمَّةٌ أدبيَّةٌ مستقلَّةٌ؛ نطقتْ مِن فلسفةِ الحياة بما عجزَ عنه الفلاسفةُ، وأظهرَتِ العقلَ في صفحاتِ مبدئها الروحيِّ في أسمى معانيه، حتى أفصحَ جمالُها الروحانيُّ بما لم يُفصح به لسانُ سحبان، وبدتْ تباشيرُ الحكمةِ في رياضِها ما يعجز عن بيانه بزرجمهر الحكيم.

إنَّ الحديثَ عن النَّفْسِ الرَّافعيَّةِ وما لها من السموِّ والجمالِ لطويلٌ؛ إنَّه حديثٌ عن كلِّ كلمةٍ فاحَ المسكُ مِن عبيرها لمَّا خطَّها بقلمِه، إنَّ بيانَه الساميَ لهوَ الرافعيُّ على بساطٍ من الورقِ، تناغمتْ بعلوِّه بحارٌ مِن المدادِ، فكانُ السموُّ الروحيُّ في قلمِه، هو سموُّه الروحيُّ في نفسِه. فللحديثِ بقيَّةٌ إن شاء الله.
[13:42, 19.4.2020] +964 781 602 0223:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى