عرفت معنى النكبة ببلاغة قهر اللجوء

عبد السلام العطاري | أديب فلسطيني

لم أحظَ بحكايات عن مدنِ البحرِ أو قرى وبلدات قضاء حيفا ويافا وعكا أو اللد والرملة وبيسان من جدي أو جدتي، أو من أبي وأمي، ولم أحمل “كرت المُؤَن” و”اربط” باكرًا أنتظرُ شاحنةَ الشادرِ الأبيض في ساحةِ المؤنِ في عرابة قربَ بوابةِ دارِ موسى في الحارة الشرقية، أو في ساحةِ البريدِ في الحارة الغربية، ولم أتدافع لأسمعَ اسمَ أبي أو جدي من الموظف الأزرق، لنأخذ حصتنا من زيت الكوكز، أو طحين ال UN، أو زيت السمك وعلب السردين والسمن.
ولكن كنتُ أغبطُ وربما أحسدُ أولئك المعفّرين من غبار الطحين، الذين كانوا يحصلون على هذه المؤن.
وبعد حينٍ من الدهر، فهمتُ أنه لا حصةَ لنا منه، وهو فقط لمن يحمل “كرت المُؤَن” وسجّل في سجلاتِ اللاجئين الذين كانت لهم أملاكهم وبياراتهم في يافا، وبساتينهم في المطلّة والحميدية وبيسان، وهُجّروا منها، وكانت لهم تجارتهم في حيفا، أو كانوا عمّالًا في ساحةِ الحناطير وعلى مينائها، أو في محطةٍ قطاراتها كانت تعبرُ فلسطين عبر خطِّ سكةِ الحجاز ومصر، وطردتْهم وشردتهم عصاباتُ ما وراء البحر الغازية.
لم أكن لاجئًا لكن عرفتُ معنى النكبةِ ببلاغةِ اللجوء وقهره، وعرفتُ أحاديثَ الجدّاتِ عن الغزاةِ لأرضنا، وعن البلادِ وأيام البلاد دون أن أرميَ برأسي على حجر ستي أو حضن أمّي لأرى حلمَ أطفالِ مدنِ البحر في قوارب الصيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى