علامات أفول الأحزاب السياسية
توفيق أبو شومر
تمرُّ الأحزاب بأطوار الإنسان الثلاثة؛ طور النشوء، والفتوة، والهرم، ويكون الاختلاف بين كثير من الأحزاب في المدة التي تمكثها في كل طور من الأطوار الثلاثة.
وتُصاب الأحزابُ بالأمراض، كما يُصابُ الجسد، وهذه الأمراض هي التي تحدد أعمار الأحزاب، وطريقة حياتها.
فقد تنشأ الأحزاب وتولد ولادة طبيعية، أو بعملية قيصرية، حسب جينات الأم والصفات الموروثة للأب، ووفق خريطة الوطن وأجوائه الثقافية والسياسية والاجتماعية.
ومن الملاحظ أن الاختلافات بين الأحزاب تكمن أيضا في عملية التغذية في فترة النمو والنشوء، فقوة الحزب والحركة تعتمد على مكونات (الرحيق الفكري) لكل حزب من الأحزاب، وهذا الرحيق الفكري، هو جوهر الأحزاب، وهو يتمثل في مبادئ الأحزاب وركائزها الأساسية، وعدد القادة المفكرين فيها،وهو أيضا الفيتامين الرئيس الذي يُحدد طول عمرها، ولياقتها البدنية وقدراتها الذهنية.
كما أن مرحلة شبابها تعتمد على قدرتها على تحويل المبادئ النظرية إلى خطوات عملية وإنجازات فعلية على الأرض، وتكون إنجازات مرحلة الشباب إنجازات رئيسة تبني هيكل الحزب وتحدد مساحته الحزبية والوطنية والعالمية.
أما مرحلة الشيخوخة والهرم فهي مرحلة ما قبل أفول الأحزاب وزوالها، وتصاب الأحزاب بأمراض الشيخوخة نفسها التي تصيب الأجساد البشرية، ومن أبرز أمراض الأحزاب:
مرض ضغط الدم، الناجم عن استهلاك كميات كبيرة من أملاح مستنقعات الخلافات الحزبية، فعندما يغيض الإنتاج الفكري الحزبي، وتنعدم الإبداعات، وتزدهر الخلافات بسبب الاقتتال على المناصب والأرباح، وتتوقف المنافسات على الإبداعات،حينئذ تتفتح الشهيات، وتتوسع المعدات، وتنتشر السمنة والأمراض، فتصاب الأحزاب بأمراض الضغط والكولسترول وما في حكمها.
كما أن تحوُّل المواجهة والعداء في هذه الأحزاب المريضة، من العداء لمعتدٍ خارجي، إلى العداء لمنافس داخلي، دليل على استفحال المرض، فيصبح عداء الأحزاب لشعبها وأهلها أقسى من عدائها لأعدائها الخارجيين، وهذا أخطر أطوار أمراض الأحزاب العربية الهرمة، وبفعل هذا المرض، يتحول العدو الخارجي إلى صديق حميم، وهذا دليل آخر على قرب أفول نجم الحزب المصاب !
وتصاب أحزاب أخرى بمرض الرُّعاش أو الباركنسون، فيتوقف نموها، وتتقلص أعضاؤها،وتصير عبئا على العائلة الوطنية الكبرى، تحتاج للغذاء والدواء والرعاية، ويلجأ الميليشياويون الحزبيون العرب، في هذه المرحلة لاستخدام الجماهير العربية وسائل مواصلات ونقل، فيركبون ظهورهم لغرض نقلهم إلى عالم الثروات والمكتسبات والغنى الفاحش، ظنا منهم أن الجمهور الوطني ساذجٌ ومغفَّلٌ وسريعُ النسيان.
وقد تصابُ أحزابٌ أخرى بسرطانات الأحزاب، ومرض سرطانات الأحزاب، هو المرض الأوسع انتشارا بين الأحزاب العربية، ومن أبرز أعراض مرض سرطانات الأحزاب العربية، هو انتقال الأحزاب من أحزاب دعوية فكرية، إلى أحزاب ميليشياوية عسكرية، فيتحول مركز القيادة من مركز قيادي فكري، إلى لجام حزبي حديدي، وفي هذا الطور تتكون خلايا السرطانات، في شكل أورام هيكلية عسكرية ميليشاوية، تسكن جسد الوطن، وتتغذى على دورته الدموية، ولا تكتفي بالغذاء الدموي، بل إنها تفرز فضلات أورامها في هذه الدورة الدموية وتنشر خلايا المرض في الجسد الوطني!
وأخطر ما في هذا المرض، أن الأحزاب المليشاوية، تعمد لإفساد جهاز المناعة الوطني، عندما تقوم بقصد وعَمْد بغسل الأحزاب من المخلصين ونبذهم، وذلك بإقصاء الفكر والثقافة، وطرد المفكرين ومنتجي النظريات والمبدعين من الأحزاب، وهذا بالطبع يُعطِّل جهاز المناعة في الأحزاب، ويجعل أجساد الوطن قابلة للإصابة بالسرطانات وبالأمراض المختلفة الأخرى!
وأخيرا إن كفاءة الحزب (الوطني) المخلص تقاس بمقدار الإنجازات الوطنية التي يسجلها في تاريخ الوطن، ولا تقاس بفترة مكوثه في السلطة، ولا بعدد أعضائه المسجلين في كشوفات الأحزاب!
كذا فإن المقياس الصادق للحزب الوطني الكفء المخلص، تكون أيضا بقدراته على قيادة عربة الوطن، وإلحاقها بركب التقدم والرقي والعدالة والديمقراطية والحرية، وليس بكفاءة قادته في المطارحات الشعرية الحزبية التضليلية الديماغوجية!!