كتاب الإمام جابر بن زيد، رؤية مستقبلية

عرض: شيخة الفجرية | كاتبة عُمانية

في عُمان الخالدة، وفي جوفها النزواني في بلدة فرق، ولد المحدّث والفقيه، وإمام التفسير والحديث التابعي الشهير أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي _ بين عامي 18-22 هجرية. نشأ الإمام في عُمان وعاش بواكير سني حياته قبل أن ينتقل إلى البصرة، ليعاصر “الفترة التكوينية” للفكر الإسلامي، ويُشارك في وضع بعض حلول أسئلتها، وفق المنعطفات والمعتركات السياسية والتاريخية التي عاش تقاطعاتها هناك. روى الحديث عن السيدة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وعدد كبير من الصحابة والتابعين، وكان من أخصِّ تلاميذ الصحابي الجليل ابن عباس رضي الله عنه، بالإضافة إلى أنَّه أخذ العلم أيضًا من أبرز الصحابة؛ وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، الذين تنوعت دروسهم بين الحديث والتفسير واللغة والأدب. ذكر الدرجيني: أن الإمام جابر بن زيد” كان يحج كل سنة، وكانت له ناقة سافر عليها أربعة وعشرين سفرة ما بين حجة وعمرة”، عاصر وصادق الحسن البصري وعمرو بن دينار، حتى أنه سئل عند موته ما تشتهي قال: “إني لأشتهي رؤية الحسن البصري قبل أن أموت” فجيء له بالبصري. قال عنه عمرو بن دينار من العلماء التابعين: “ما رأيت أحدا أعلم بالفتوى من جابر بن زيد”، ويقول إياس بن معاوية _ قاضي البصرة في عهد عمر بن عبد العزيز: “أدركت أهل البصرة ومفتيهم جابر بن زيد”؛ أما عبد الله ابن عباس فكان يقول:” لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد لأوسعهم علما عما في كتاب الله”. وصفه ابن عمر: “أنه من فقهاء البصرة البارزين”، كما وصفه أبو نعيم الأصبهاني بقوله: “كان للعلم عينا معينا، وركنا مكينا، وكان إلى الحق آيبا، ومن الخلق هاربا”، وقال عنه قتادة: “إنه عالم العرب”، كما ذكره ابن القيم قاضيًا للبصرة في كتابه: ” إعلام الموقعين عن رب العالمين”. روى عنه ” البخاري”، و”مسلم”، و” أبو داود”، و “الترمذي”، و “النسائي” ومجموعة من المفسرين. أشار بمكانته العلمية كل من: “السيوطي”، و”ابن حجر”، و”ابن تيمية” الذي قال عنه بأنه:” أعلم الناس في زمانه”. تقاسم الرجال والنساء مجالسته والتتلمذ على يديه للنهل من فيوض علمه وحكمته، كانت بنات المهلب- هند وعاتكة – وزوجته خيرة بنت ضمرة من أبرز من حظين بزياراته التعليمية. فُقِدَ أضخم كتاب له وهو “ديوان جابر”، وبقي منه للعالم الإسلامي كتاب “النكاح”، وكتاب “الصلاة”، والروايات عن تلميذيه عمرو بن هرم وعمرو بن دينار، وحديثه في مسند الإمام الربيع بن حبيب، ومراسلاته لتلاميذه: “سالم بن ذكوان”، و”طريف بن خليد”، و”الحارث بن عمر”، و”عبد الملك بن المهلب بن أبي صفرة”. ولأن النادي الثقافي يحرص على إقامة المشاريع الثقافية القيّمة، فقد أقيمت ندوة الإمام جابر بن زيد، رؤية مستقبلية (أعمال الندوة العلمية، النادي الثقافي، 6 نوفمبر 2018م)، وهي واحدة من هذه المشاريع، وحريٌّ بمثل هذه الندوات أن تتناول شخصية عُمانية جليلة مثل شخصية الإمام جابر بن زيد. وبعد انتهاء الندوة عمل الدكتور الباحث خميس العدوي بتحرير الأوراق والبحوث المقدمة في هذه الندوة، التي بلغ عددها خمسة عشر بحثًا، كان أولها بعنوان: تأثير الأوضاع الاجتماعية في البصرة على شخصية الإمام جابر بن زيد وفكره، للدكتورة بدرية بنت علي الشعيبية، من سلطنة عمان، ألقت الضوء في مقدمتها على القرن الأول الهجري وما شهده من تطورات على عدة أصعدة بدأت بـ “انطلاق الدعوة المحمدية”، ثم جاءت “مرحلة الفتوحات؛ التي ستغير العالم جذرياً”، لتتسع التفاصيل في المبحث الأول، عن مدينة البصرة، موقعها وخططها، فـ”البصرة كانت أرضاً خالية من الآثار السكانية، مليئة بالحجارة، فرأى فيها عتبة بن غزوان سنة 16 ه/ 637م مكاناً مناسباً لأن تكون قاعدة لجيشه. وبعد فترة تطورت وعمرت بالناس من أعراق بشرية شتى، وأصبح تعداد سكانها خلال أقل من خمسين سنة يفوق ستين ألف نسمة، وتواصلت حضارياً واقتصادياً مع مدن العالم التجارية في ذلك الوقت، وأخذت تزدهر تجارياً وثقافياً واجتماعياً”. بقية المباحث حملت العناوين الآتية: الأوضاع الاجتماعية السائدة في البصرة خلال القرن الأول الهجري، وتأثير الأوضاع الاجتماعية في البصيرة على شخصية الإمام جابر بن زيد وفكره؛ وفي الخاتمة أسهبت الشعيبية في تبيان تفاصيل نتائج البحث منها: “عمل موقع البصرة الذي جمع بين أكثر من بيئة؛ بحرية ونهرية وصحراوية، على تشكيل توجهات سكانها، فامتازوا بالنزعة العقلية في جميع ميادين الحياة والعلم. وأحب سكان البصرة مدينتهم التي وفرت لهم هذه البيئة الغنية، فتغنى بها الشعراء ومدحها المادحون”. وفي البحث الثاني الذي كان بعنوان: “في حياة الإمام جابر بن زيد الأزدي مشروع أمة”، للدكتور محمد بن قاسم ناصر بو حجام، (رئيس جمعية التراث بغرداية في الجزائر) من الجزائر، جاء في المقدمة، أنه “في سيرة جابر بن زيد ملامح ومظاهر وقواعد وضوابط ومواقف ومشاهد، يستفاد منها في إعداد مشروعات حضارية لتخطّي كثير من العقبات والعوائق في بناء المجتمع القوي المتماسك، الذي يمكن له أن يقوم بالتصحيح والتصويب والتعديل في مسايرة الحياة، ويقدّم إضافات في سيرورتها، وهذا ما يمكن عدّه مشروع أمة”، توزَّع البحث في سبعة مباحث عناوينها كالآتي: شخصية جابر بن زيد وخصائصها، وجابر بن زيد الداعية، وجابر بن زيد الفقيه، وجابر بن زيد المفكر والسياسي، وجابر بن زيد واضع أسس العمل الحضاري والمنهجي، وعناية جابر بن زيد  بحملة العلم “الدعاة”، وجابر بن زيد ملهم العمل المنهجي والتنظيمي والاستراتيجي وخلصت الخاتمة إلى جملة من النتائج. وجاء البحث الثالث بعنوان: مشروع الإمام جابر بن زيد الإصلاحي، أسساً وعناية بالأمة ووحدتها، للدكتور أحمد بن يحيى الكندي، من سلطنة عمان، كشف في مقدمته عما سيتحدث عنه حسب عناوين المباحث التي عرضها، وهي كالآتي: الأساس العلمي في تكوين الإمام جابر بن زيد ودوره، والأساس الإيماني والأخلاقي الجامع بين الإيمان والعمل، وأساس الجانب الاجتماعي والسياسي في شخصية الإمام جابر بن زيد وأثرهما، والإمام جابر ومشروع وحدة الأمة وإصلاحها، فيما استجلت الخاتمة الحقائق والنتائج منها الآتية: “-تجلي الأساس العلمي في شخصية الإمام جابر بن زيد الإصلاحية، وأنه تمتع بتكوين علمي رائد انعكس على دوره الإصلاحي. -أنه لعلو إسناد الإمام جابر وتلقيه عن عدد هائل من الصحابة أثار في فائدة تلاميذه الذين أخذوا عنه ومشروعه الإصلاحي”. البحث الرابع: الإمام جابر بن زيد وتشكّل الفكر الإسلامي. التحدّيات والآفاق، للأستاذ الدكتور المبروك الشيباني المنصوري، من تونس (رئيس قسم العلوم الإسلامية بجامعة السلطان قابوس). نظّرت المقدمة في” جملة من الإشكاليات المركزية المرتبطة بالتفاعل بين الاجتماع والسياسة، ومدى انعكاس ذلك على الفكر في تلك الفترة، انطلاقاً من مقاربة خلدونية. فقد عاش الإمام جابر بن زيد فيما يُصطلح على تسميته بـ “المرحلة التكوينية” للفكر الإسلامي. في كل أبعادها الاجتماعية والسياسية والفكرية والاقتصادية. وعاصر أهم الشخصيات التي كان لأفكارها تأثير كبير في تلك الفترة، وفي الفترات اللاحقة، مثال: الحسن البصري، وابن سيرين، وابن عباس، وواصل بن عطاء، والجعد بن درهم، والجهم بن صفوان، وزياد بن علي، وجعفر بن محمد، وغيرهم كثير. وكانت له مع جميعهم صلات مباشرة وغير مباشرة”. وجاءت المباحث بالتتالي: الإمام جابر والفكر الإسلامي، الفترة التكوينية، والإمام جابر والفكر الإسلامي في النصف الثاني من القرن الهجري الأول، أشكاله وإشكالاته، والفكر العقدي الإسلامي في النصف الثاني من القرن الأول وتحدياته، ومنهج الإمام جابر بن زيد من خلال رسائله، الناقل المتصوف الحكيم؛ تحدثت الخاتمة عن” شخصية الحسن البصري كانت شخصية مركزية في النصف الثاني من القرن الهجري الأول، وقد صاحبه وتتلمذ عليه أغلب علماء الإسلام من مختلف الاتجاهات”، ومطالبته بأن: “يكثّف البحث العلمي الرصين حول شخصية الإمام جابر موصولاً بعلماء عصره، وبفكر عصره وعمران عصره، بدل التركيز على جانب واحد من فكره، أو وصله باتجاه فكري واحد فقط”.  فيما حمل البحث الخامس العنوان الآتي: تكامل العقل والنقل في فكر الإمام جابر بن زيد، لفضيلة الشيخ أحمد بن سعود السيابي (الأمين العام بمكتب سماحة الفتي العام للسلطنة)، من سلطنة عمان. قال فضيلته في مقدمة البحث: “إن الإمام جابر بن زيد شخص تتلاقى فيه جميع الأفكار التي تشكّل المفهوم الإسلامي القائم على تكامل العقل والنقل، من حيث حكم النص الديني وفهم العقل السليم”. تكوَّن البحث من مبحثين هما: العقل والنقل، وتكامل العقل والنقل في فكر الإمام جابر، وختم فضيلته البحث بأقوال للإمام فقال: “نختم هذا البحث بأقوال رائعة جداً من روائع الإمام جابر بن زيد، وهي تدل على جمعه بين المعقول والمنقول، ويظهر فيها استيعاب العقل الجابري للنص الديني ليخرج لنا روائع من القول تعبّر عن عميق الفهم للدين الإسلامي، وهذه الروائع هي: -قوله: (إن الله نصَّب الإسلام للناس، وأمرهم بطلبه، والناس بين مصيب ومخطئ). -وقوله: (ليس للعالم أن يقول للجاهل: اعلم مثال علمي؛ وإلّا قطعت عذرك. وليس للجاهل أن يقول للعالم: أرجع إلى جهلي؛ وإلّا قطعت عذرك. فإذا قال العالم ذلك للجاهل قطع الله عذر العالم، وإذا قال الجاهل ذلك للعالم قطع الله عذر الجاهل). -وقوله: (يسع الناس جهل ما دانوا بتحريمه؛ ما لم يركبوه أو يتولوا راكبه أو يبرأوا من العلماء إذا برئوا من راكبه)”. وجاء البحث السادس بعنوان: تكامل العقل والنقل في فكر جابر بن زيد الأزدي، للشيخ ناصر بن سليمان السابعي، (الأستاذ بكلية العلوم الشرعية) من سلطنة عُمان، تكون من ثلاثة مباحث كالآتي: عوامل رسمت ملامح شخصية جابر بن زيد، أدلة التشريع ومنهج الاستدلال لدى جابر بن زيد، والتوازي بين خطي الرواية والرأي في فكر جابر بن زيد. أمَّا في البحث السابع، والذي كان عنوانه: التقوى في مواجهة الجور، المقاومة الأخلاقية للظلم عند الإمام جابر بن زيد، للأستاذ شفيق اكَريكَر، (باحث وأكاديمي) من المغرب، فقد تكوَّن من المقدمة ومبحثين بعنوان: السياق التاريخي، وخصائص المقاومة الأخلاقية للجور عند جابر بن زيد؛ ثم الخلاصة بعنوان: جابر بن زيد والإباضية. البحث الثامن: المنهج التربوي عند الإمام جابر بن زيد، للدكتور خليفة بن أحمد القصابي، من
سلطنة عمان، حفلت المقدمة بمرتكزات سارت عليها مباحثه السبعة، وهي بالتتابع: منهجية البحث، والعلم والتعلم، منزلة وطرقاً، وطرق تعلم وتعليم الإمام جابر، ومنهج الإمام جابر في التغيير، ومنهج التسامح، والتأثر والتأثير في إعداد التلاميذ، ومبادئ تربوية، وانتهى بالخلاصة وجملة مهمة من التوصيات.
والبحث التاسع حمل عنوان: الفكر التربوي عند الإمام جابر بن زيد، للدكتور مبارك بن عبد الله الراشدي، من سلطنة عمان، بدأ بالتمهيد لأربعة مباحث هي: البنية التربوية عند الإمام جابر بن زيد، والمصادر التربوية عند الإمام جابر بن زيد، وقضايا ومبادئ تربوية عامة عند الإمام جابر بن زيد، وطرق التعليم التربوي وأساليبه عند الإمام جابر بن زيد والخاتمة.
والبحث العاشر بعنوان: جابر بن زيد والمثالية الواقعية في الإصلاح، للدكتور زكريا بن خليفة المحرمي، من سلطنة عمان، توزعت معلوماته في المقدمة، ومبحثين هما: استراتيجيات الإصلاح
واستراتيجية الإصلاح عند معارضي الدولة الأموية.
فيما حمل البحث الحادي عشر عنوان: البواكير الأولى للتفكير العقدي عند الإمام جابر بن زيد، واستمداد المدرسة الإباضية من ينابيعه، للدكتور محمد عبد الرحيم الزيني، من مصر. تكوَّن من التمهيد ومبحثين فقط: سيرة حياته ومنهجه، وجذور الفكر العقدي عند الإمام جابر ثم الخاتمة.
بينما جاء البحث الثاني عشر بعنوان: البنية المقاصدية في فكر الإمام جابر بن زيد، وإسهاماته في تطوير العلوم الشرعية، للدكتور بلقاسم بن علي مارس (أستاذ الحضارة والآداب العربية بجامعة قابس التونسية)، من تونس. اكتفى الباحث بالتمهيد، ودخل لموضوعه المنهج والرؤية في رسائل جابر بن زيد، ثم الخاتمة
البحث الثالث عشر: قراءة مقاصدية في فقه الإمام جابر بن زيد، للدكتور خالد بان سعيد المشرفي، من سلطنة عمان. توزعت أفكاره على: المقدمة، وثلاثة مباحث هي: مقاصد الشريعة، والمقاصد الضرورية، وفي فقه الإمام جابر بن زيد ثم الخاتمة.

البحث الرابع عشر بعنوان: الإمام جابر بن زيد في المصادر التراثية.. مصنف ابن أبي شيبة نموذجاً، للأستاذ إبراهيم بن علي بن عمر بولرواح، من الجزائر، تكوَّن من المقدمة والمباحث الآتية: نبذة موجزة عن الإمام ابن أبي شيبة وكتابه المصنف، ونبذة موجزة عن الإمام جابر بن زيد، وقراءة إحصائيّة لورود اسم الإمام جابر بن زيد في كتاب مصنّ ابن أبي شيبة، ومن هم مشايخه وتلاميذه، واهتمامات الإمام جابر بن زيد من خلال كتاب مصنّف ابن أبي شيبة، والمدرسة الفكرية التي ينتمي إليها الإمام جابر.
وأخيرًا البحث الخامس عشر للأستاذ سلطان بن مبارك الشيباني، من سلطنة عمان، الذي تميز عنوانه ومباحثه بالأسئلة؛ وهي كالآتي: هل من أمل في العثور على ديوان جابر بن زيد؟،.
المقدمة، وهل كان التدوين معروفاً عند العرب في القرن الهجري الأول؟ وهل الإشارات الواردة حول ديوان جابر إشارات موثوق بها؟ وهل كان حاجّي خليفة دقيقاً في معلومته عن الديوان أو كان يُلقي الكلام على عواهنه دون تثبُّت؟ وماذا بقي بين أيدينا اليوم من تراث الإمام جابر بن زيد بعد نحو أربعةَ عشر قرناً من زمانه؟ وهل خزائن المخطوطات المتفرقة شرقاً وغرباً مظنةٌ للعثور على تراث جديد له لم يُكتشف بعد؟
ختامًا: إن كتاب الإمام جابر بن زيد، رؤية مستقبلية ثريٌ بالمعلومات المنتزعة من أمهات الكتب العربية وغير العربية، وهي جميعها تسجّل موقف علمي مهم حول شخصية ثرية بالعطاء الممتد عبر أربعة عشرة قرنًا وإلى المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى