تجاعيد الماء (4)

سوسن صالحة أحمد | شاعرة وأديبة سورية تقيم في كندا

(حكاية. . تكتمل)

ما بين الشُّروق والغروب، تختبئ الحكايا الصَّاخبة

ويبقى الصَّمت، أليفَ قصص يحوكها الغروب مُنذ قمر لا يَنسى موعده، ليقدمها حروفا جديدة لحكايا نهار يُشرق بشمس لا تنسى موعدها.

وكأنّ البدايات والنّهايات لا اختلاف فيما بينها، إلا فيما بينها، رغم أنّ أبجديتها واحدة.

اليوم فقط عَرَفَتْ الاختلاف!

لا يد تَضَعُ مكان أخرى مهما كانت المسافة السّاقطة من الظل ضئيلة!

إلا أنّ التطابق مُستحيل.

تصعب البدايات كل يوم، وتختلف الهمّة حيث اتكأت على صوغ الليل الذي ينفرط لِيُصاغ منه إسقاطا عليه، وفي كل الأحوال لا تطابق إلا بالاتكاء.

حاولَت النّظر طويلاً في الشمس، ما لبثت أن أحجمت حينَ شعرت أن ضوءاً كاد يختفي من عينيها، لماذا لا نستطيع النّظر طويلاً إلى الشمس؟ نصطنع الغروب قبل مجيئه من أجل ضوء عيوننا. .

وضعت أصابعها مُجتمعة تُغطي أجفانها المُغلقة على دمعة ما استطاعت مقاومتها، حاولت ثانية، فلم تفلح، بل كانت مُدة النظر أقصر، أخفت عينيها من جديد براحتيها على دمعة أخرى استغلتها لتبكي أكثر.

حاولت جدا منع قلبها من التعب مع نوبة البكاء تلك، غير أنها لم تفلح، حتى تمنّت أن يخترق فعلا أضلاعها ليخرج وتستريح.

في تلك الزاوية التي اعتادت رائحتها، حيث دوّنت أول كلمات النّهار، جلست تقيل، تراجع كل ما كتبت.

هي انشغالاتٌ رَتَّبَتْها، فَبَعثَرَتْها، هُموم حملتها، فطحنتها، وآمال ركنت إليها، فارتكنت بها.

كم لاحقتها الأسئلة، وكم بحثت عن إجابات، واليوم تُخْتَصَرُ الأسئلة بسؤال وحيد، حينَ لم تعد تعنيها الإجابة، وهل إجابة تقصم الروح تستحق عناء السؤال؟

هذا ما فكرت به حين رمت ورقها وقلمها، وتركت حساباتها كيفما اتفق أن يكون القدر، تتوقع أن يكون له ضربات أُخرى، وتتوقع أن تخشى على ضوء عينيها.

حتّى الليل. . تتوقع أن لا تكف عن استخدام راحتيها مُتعذرة بالدمع حتّى تكف عن الشمس وعن القمر، وتجد لنفسها توقيتاً خارجا، لا تدري من أي أبجدية تصوغه وقد اختلفت عليها اللغات، فما عاد يوحدها معنى.

تنساب غصباً عنها ابتسامة مُستهزئة، وإيماءة باللاشئ، إذ يتراءى لها النّهار والليل وجهان للوحة واحدة، لا تَمَيُّزَ لديها بينهما، كفاقد البصر، رغم قراءتها لكل أبجديتهما.

غير أنها لا تنسى ليلها ونهارها، لمّا تبدت لها شمس حكايتها، حكايتها التي كانت ضوءًا يسكن عينيها، عينيها المُخَبَّأَتين دوماً براحتيها، لتحفظ فيهما ضوءًا تبكي عليه، مُتعذرة بدمعة سالت حين نظرت إلى الشمس، متخيلة أنها ستشرق في ليلها صوغا يتطابق وحلمها، لحكاية صاخبة، تخالف الحكايات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى