الوثيقة الشعرية بين التسجيل والتخييل.. في رواية فتنة العروش لزوينة الكلباني

شيخة الفجرية | باحثة وكاتبة عُمانية

الشعر حارس الحقيقة إلى أن يثبت العكس، فهو إما مُظَّهِرُها أو مُزوِّقها، أو أنه هو وحده طامِسُها، ولكنه ظَلَّ يحرس العصور في غياب أوتغييب النثر، إما حرقًا أو غرقًا. وقد “عاصر الشعر العماني أغلب الأحداث التاريخية في معظم العصور، فسجل صورًا عُدّت وثائق تأريخية لأحداث ماضية، يستفاد من دروسها في الحاضر والمستقبل”([1])، وكما قالكارل بروكلمان (ت 1956م) عن ذلك:”وكان الشاعر العربي يصنع مجده، ويجذب الأنظار إليه بالملاحظة الصائبة أو التشبيه القوي”([2])،فقد أرَّخ الشعراءالعمانيون عن أنفسهم في أشعارهم، ومضوايؤثثون لأنفسهم مكانة عَلِيَّة في قصائدهم، التي عرفناهم من خلالها، منهم: الملك العماني الجاهلي مالك بن فهم الأزدي، وكعب بن معدان، وثابت قطنة،والكافي أبزون بن مهمرد العُماني، والستالي،وثمَّ شخصيات عديدة لا يسمح المجال لذكرها هنا؛ في موضوعٍ عن روايةوثقت لبطلها الملك العماني الفارس الشاعر سليمان بن سليمان.فالوثيقة من التوثيق، والتوثيق لغة يعني: الإحكام، و” وَثُقَ الشَّيْءُ بِالضَّمِّ وَثَاقَةً قَوِيَ وَثَبَتَ فَهُوَ وَثِيقٌ ثَابِتٌ مُحْكَمٌ وَأَوْثَقْتُهُ جَعَلْتُهُ وَثِيقًا“([3]).و” الوَثِيقةُ في الأَمر إحْكامه”([4])،”واسْتَوْثَقَ منه: أخَذَ الوَثيقَةَ”([5])، والوثيقة: بفتح الواو والقاف وكسر الثاء ج وثائق، من وثق (بضم الثاء) الشيء: ثبت وقوي وصار محكما”([6]).

أمَّا التوثيق اصطلاحا: فهو” علم يبحث فيه عن كيفية إثبات العقود والتصرفات، وغيرها على وجه يصح الاحتجاج والتمسك به، والوثيقة هي الورقة التي يدون فيها ما يصدر عن شخص أو أكثر من العقود أو التصرفات أو الالتزامات أو الإسقاطات”([7]).وعليه؛ فقد عُدَّ شعر الملك سليمان مصدرًا من المصادر التاريخية الموثوقة_في ظلِّ غياب أو ندرة الشواهد والآثار النثرية وغير النثرية_، التي اعتدَّت بهاالروائية الدكتورة زوينةالكلبانيفي نسج سرديِّتها البهيجة والفاتنة “فتنة العروش”، وتبيان معلوماتها وتتبع تفاصيلها؛ للوقوف على معانيها ومراميها.فاستمدت منه حروفها، وحيواتها، ورومانسيتها، وتخييلها، وتسجيلها؛ بالإضافة إلى الثقافة العالية، التي تشير إلى طول باع وعمق اطلاع في شتى المعارف، العلمية والفنية والثقافية والأدبية والتاريخية؛ حتى تنجز رواية بهذا المستوى الشيّق.

يتكون العنوان من كلمتين هما: فتنة، والعروش، أمَّا كلمة “فتنة” لغة، فقد قال ابن فارس:” الفاء والتاء والنون أصل صحيح يدل على الابتلاء والاختبار “([8]). والعروش جمع مفردها عرش، وفي كتاب المفاهيم الإسلامية جاءت الكلمة لغة كالآتي: ” الكلمة في أصل وضعها اللّغوي مأخوذة من اعترش يعترش على العرش إذا علا فوقه، ويقال اعترشت المرأة عريشها إذا اعتلته، وهو مطاوع الفعل عرش، كرفع وارتفع كذلك يقال عرش واعترش، والعرش السقف، والجمع عروش، ومنه قوله تعالى {وهي خاوية على عروشها} (الكهف 42)”([9])، واصطلاحا: “العرش عند علماء الكلام هو سرير الملك. يقال استوى الملك علّى عرشه إذا امتلك أمره، واستوى علّى عرشه إذا استولى عليه ويقال فلَّ عرشه إذا هلك. والمعتزلة (طائفة من علّماء الكلام) يقولون: {الرحمن على العرش استوى} (طَّه 5) يعنى استولى علّيه وملّك وقهر. ويستدلون على هذا المعنى ببيت من الشعر لا يعلم قائله”([10]).

وتنماز فتنة العروش بافتتاحية درامية تخييلية مخاتلة، تقود القارئ إلى التصديق بها، وكأنها حقيقة ثابتة، حشدت لها الكاتبة كل المبررات السردية الممكنة، للوقوف على ما يشبه الحقيقة، بأن ما سيتم سرده في هذه الرواية مبني على وثيقة، أو وثائق مكتوبة على هيئة طروس كتبها السلطان سليمان بن سليمان بيده، وكما تميزت هذه الرواية بتعدد السرَّاد، فإنها تميزت أيضًا بتعدد القرّاء، فقدتوزَّعت أعمال القرَّاء والسرَّاد الداخليين للرواية كالآتي:

ـ القارئ الداخلي الأول “نور”: كانت وظيفتها الأساسية هي، تحقيق مخطوط الطروس التي وجدت للسلطان سليمان بن سليمان؛ والتي كتبها بيده.

ـالسارد الداخلي الأول والقارئ الداخلي الثاني “مازن”: أعد مخطوط الطروس للظهور العلني بعد وفاة القارئ الداخلي الأول “زوجته نور”، فيقول عن زوجته نور: ” كلانا يعمل محققًا، أنا في التحقيق الجنائي، وهي في تحقيق الكتابات التاريخية..لم يمض على زواجنا سوى خمس سنوات، أثمرت عن طفل في العام الثالث من عمره..تكبرني بيومين فقط، ولهذا كانت تحاول استفزازي بالعمر، وتردد باقتناع خرافة (أكبر منك بيوم،أعلم منك بسنة)”([11]).

ـالقارئ والسارد الداخلي الأول هو حفيد السلطان “سليمان بن سليمان”، سلطان بن محسن بن الملك سليمان بن سليمان النبهاني: الذي خرج للناس بعد 58 عاما من وفاة جده السلطان ليعمل على نسخ الطروس ووضعها في متناول الأيدي، لتعد وثيقة تاريخية يعتد بها.

ـ السارد العليم الداخلي: موضوع الرواية الملك سليمان بن سليمان، وتوزعت مهمة السارد العليم على مجموعة من المصادر، التي أخذت ترفده بالمعلومات، التي من خلالها يطلع على أدق التفاصيل البعيدة عن مرأى عينيه،ولتعمل على تسهيل مهمته السردية في الرواية، مثال ذلك في الصفحة 120، إذ يورد السارد العليم كيف تستقى الأخبار؛ حين”اجتمعت الوالدة في ردهات البيت العميري بنساء في أعمار مختلفة ومستويات متفاوتة، كشفت الدسائس التي تحاك في سراديب الظلام، وأن أنصار الإمامة يتأهبون لحرب الملك سليمان”

ويأتي كذلك في الصفحة 122 عن الأخبار التي تصل للسارد العليم عبر عدة روافد، من خلال حوار أمه “جليلة”،مع ابن مفرج “قاضي القضاة”؛ يقول: ” كان صوتها يسمع وهو يعلو ويرتفع في وجه ابن مفرج، تقول نايلة إنها لم تتبين بوضوح سوى بعض العبارات المتوعدة التي ألقتها سيدتها بحنق”. أمَّا في الصفحة 170،فقد انتقل السرد إلى راية زوجة الملك سليمان، لتقوم بدور السارد العليم المساند الرافد للسارد العليم الأساسي.

وإذا كان “السرد التخييلي أوفر فلسفة وعلمية من التاريخ” كما يقول أرسطو،فإن سرد “الرواية التسجيلية تحاذي الواقع والتاريخ مع فارق أن مهمة الراوي في هذا النمط من الكتابات ليست تدوينية بقدر ما هي بنائية تعتمد الانتقاء وإعادة البناء مقرونة بالحرية النسبية في قراءة المادة التاريخية المجتزأة وتأويلها. وخلال تلك العمليات تتحول المادة التاريخية إلى عجينة قابلة للمط”([12])، وعلى إثر ذلك توزع البناء السردي بين الطروس التخييلية والطروس التسجيلية عبر الرواية؛ وكانت كالآتي:

الطروس التسجيلية: الطرس الثاني (البيعة والخنجر 874 هـ)، الطرس السابع (حراس النيات 886 – 892هـ)، الطرس الثامن (حرب إلى آخر الليل 893هـ)، الطرس العاشر (شتات المنفى 893 هـ)، الطرس الثاني عشر (عودة الغائب 896 هـ)، الطرس الثالث عشر (897 هـ)، الطرس الرابع عشر (لهيب الانتقام 898 هـ)، الطرس الخامس عشر (أبواق النهاية 906 هـ).

وكانت العلامات التسجيلية متجسدة في الآتي:

1ـ الشخصية المحورية: الملكسليمان بن سليمان بن مظفر النبهاني، وهو آخر ملوك النباهنة الأوائل، ولد هذا الملك في النصف الأول من القرن التاسع الهجري، وتوفى سنة 910هـ -1510م ([13])، هذا الشاعر الذي خرج على الإمام أبي الحسن بن عبد السلام النزوي، وكان آخر من حكم عُمان من دولة النباهنة، ليؤول الحكم للإمامة بقيادة محمد بن إسماعيل- الذي تم عزله بعد ذلك-.وقد عرف عن دولة النباهنة أنها دولة تولي الشعراء والعلماء منزلة ورعاية خاصة، و”ينتمي بنو نبهان في أصولهم إلىالعتيك، تلك القبيلة الأزدية العمانية، ومن المعلوم أن العتيك المنتمين إلى قبيلة الأزد العربية القحطانية، ينتهي نسبها إلى يعرب بن قحطان بن هود النبي عليه السلام”([14])،ولهذا الملك الشاعر ديوان شعري يروي فيه تاريخ حياته وملك عائلته؛ ويقول مفتخرا بقومه ونسبه ومكانتهم:

نحنُ الملـــــــوكُ وأبناءُ الملــــوكِ ومن

ســــــــادوا ومن لهم في الأمرِ تقديمُ([15]).

2ـ بعض الشخصيات المجاورة للأحداث:

أـ حب سليمان وراية:

وراية تظهر في أشعار الملك سليمان في عدة قصائد، دون أن يصرح بالعلاقة التي تجمعهما، عدا ما يمكن فهمه في سياق العلاقة العشقية التي تجمعهما، أو بالأصح، التي يبديها تجاهها، إلى أن عبر عنها محقق ديوان الملك سليمان بأنها أشهر حبيبات النبهاني، ولها النصيب الأوفر من غزلياته، ودارت حولها حكايات أقرب للأساطير([16])، أما فتنة العروش فقد جمعتهما في علاقية زوجية؛ وفيها يقول:

لرايةَ وجه ٌ يكسفُ الشمسَ والبدرا

ولدنُ قوام ٍ يـُخجلُ الصعدة َ السمرا([17]).

ب ـ حب سليمان وموذية:

نجحت الكاتبة في توظيف الشخصيات العشقية التي وردت في أشعار الملك سليمان، فكانت “راية” زوجته رواية “فتنة العروش”، بينما جعلت من “موذية” شخصية عابرة تناسب النزوات الرجالية المعتادة في الحياة الواقعية مهما تبدلت العصور، وهو ما عضدته الكاتبة من خلال الحوار الآتي بين الزوجة “راية” ووزوجها الملك سليمان: استفهمت والدموع تتساقط من عينيها:

ـ أصدقني القول أيها الملك، من تكون موذية؟!

جرحتني دموعها، تكلفت ابتسامة مرة، أخذتها في حضني، وقلت بأسى:

ـ ليست إلا غزلا عابرا”([18]).

ويقول النبهاني في إحدى مقدماته متغزلا بحبيبة تسمى موذية:

لو أشربُ السلوانَ عن

ذكراكِ «موذي» ما سلوتُ

لولا التعلل ِباللقا

والوصلِ منكِ أسىً قضيتُ([19]).

ج ـ الشخصيات العمانية التاريخية في تلك الفترة: استعانت الكاتبة في رواياتها بأسماء تاريخية معروفة أو لنقل عائلات معروفة عبر التاريخ العماني مثل ابن مداد وهم النعب،وبنو مدّاد، وآل مفرّج ([20]).

وقد ورد ذكرهم في الرواية كالآتي: ” احتفى أهل العتيك بالإفراج عن المسجونين وانتشرت الأنباء في طول البلاد وعرضها، الناس تردد:

ـ هلك الإمام أبو الحسن بن عبد السلام جزعا، وكسفت شمسهم القاضي ابن مفرج، لا لوم على الملك سليمان في طلبه الفدية وطردهم خارج العتيك، لقد تركهم يخرجون في أمان متغافلا طعنات الظهر”([21]).

3ـ البيت العميري: وهو المكان الذي نشأ فيه الملك سليمان؛ يقول عنه:

“حنانيك يا برق جد بالعميري

لنا منزلا قد عنا واكتهب” ص 28.

3ـ النزاع والحروب وانقسام القبائل العمانية، على وراثة حكم النباهنة بين الملك سليمان

وشقيقه الأمير حسام (أبو ناصر)؛يقول الملك:

أبا ناصر ٍ لا تجهل الحرب َ إنها

لتقطيع ِ أسباب الإخا والمناسب ِ([22]).

4ـالحبيل: مكان أحد المعارك التي خاضها الملك سليمان ضد أخيه الأمير حسام بن

سليمان.

يقول الملك سليمان:

أنثِّرهم فوق «الحُبَيْلِ» ودونه

كما انتثرتْ من صُرَّتيها الدراهمُ([23]).

5ـ جفلة: اسم فرس الشاعر:

وركبتُ «جفلةَ» والرماحُ شوارعٌ

والخيل بين تضارب وتطاعن

والشوسُ تهتفُ بالرجالِ حماسةً

والجوُّ مدرعٌ بنقعٍ شاحنِ.

6ـ الأحلاف: بنو رواحة ص 61.

يصف سليمان النبهاني حُكمَه في البلاد قائلا: “كان لهذه الأحلاف النتائج التي سعيتُ من أجلها على المدى القصير، إذ عمَّ الأمن والسلام واختفت الجرائم التي يمارسها قطاع الطرق من التعرض للقوافل التجارية أو اختطاف النساء والأطفال وبيعهم كالعبيد، وذلك بعد أن جندتُ مجموعة من الفرسان المدججين بالسلاح على مفترق الطرق لحماية القوافل التجارية، وأجزيتُ لهم رواتب. كنتُ أدور بنفسي على قبائل البدو والحضر، ألتقي زعماءهم لتكوين أحلاف جديدة، أعلم أن المصلحة تحكم توجهات القبائل، وأنني أملك من القوة ما يدفع أي قبيلة لشراء ودّي، وهذا ما أكده حلفائي بنو رواحة:

-مثلك أيها الملك سليمان مَن يُشترى حلفه.

-الوحدة والحرية والخير هو كل ما أريده لعمان، وإن تمزقنا وانقساماتنا هي سبب كل الخراب والشتات الذي نعيشه”. (ص61).

7ـ الأعداء: ملك هرمز توران شاه ص61. الجبور ص159.

السوالم والنوافل الذين وقع بينهم ميثاق نصرة المظلوم ص61.

ملك هرمز توران شاه أصبحا يتبادلان الهدايا ص69-78.

ويصف شجاعته في مواجهة الجبور وخوض المعارك ضدهم: “عاد الأمير والإعياء قد بلغ منه مبلغه، نظر بطرف عينه لوجهي المعفّر بالغبار، أشهرتُ أمامه سيفي المخضب بالدماء، أوشكتُ أن أختطفه بسيفي، لم يكن يتوقع أنه سيواجه خصما عنيدا باسلا في الضرب والطعن إلى هذا الحد، تنحّى الأمير ابن زامل جانبا وقال بخيلاء:

-سأهبك فرصة حياة أخرى.

نهرته:

-هي ميتة واحدة وليس مثلك مّن يهبُ الحياة” (ص159).

ـ الطروسالتخييلية: الطرس الأول، والطرس الثالث، والطرس الرابع، والطرس الخامس، والطرس السادس، والطرس التاسع، والطرس الحادي عشر.

وكانت العلامات التخييلية متجسدة في الآتي:

1ـ المخطوط «النسخة الأصلية عثرت عليه بعثة تنقيب أثرية معنية بدراسة النقوش الحجرية في حصن أسود في بلدة مقنيات، كان مخبّأ داخل صندوق في تجويف في جدار، تبيّن أنّ بعض أوراقه متضررة، تمّ ترميم التالف منها يدويا بسدّ الفراغات والثقوب، وتجميع الأجزاء المتآكلة، المخطوط عبارة عن طروس الملك الشاعر.. الذي عاش في القرن التاسع الهجري، العنوان مكتوب بحروف مذهّبة شديدة اللّمعان، وممهور بختمه في ثلاثة مواضع، الأشعار الواردة في كلّ طرس هي نفسها الواردة في ديوانه المنشور، أغلب الأحداث المحكية تصور وقائع تاريخية في حياة الملك سليمان بن سليمان الشّجية، وعصر النباهنة الغزير الأحداث الذي دام أكثر من خمسة قرون»([24])(الرواية).

2ـ الأم “جليلة”، وأظن أن اختيار هذا الاسم يشير إلى معناه في الأدبيات العمانية الخاصة ببروتوكولات الأسر الحاكمة لعُمان عبر التاريخ، إذ تسمى زوجة الحاكم أو السلطان بالسيدة الجليلة.

3ـ عاتكة (ابنة الملك سليمان في رواية فتنة العروش)، أتت ” وقفت الأميرة عاتكة أمام المرآة تخطر بالثوب الذي حاكته زمردة، وتختال بغرور وكبرياء بأبيات أبيها “([25]).

4ـ “رئيس الكتبة: عامر بن سلطان الأزدي النبهاني”([26]).

5ـالاتفاقيات والهدن والأحلاف السياسية: أنّ ابنته الأميرة عاتكة كتبت رسالة لجدتها جليلة تصف فيها زوجها سلجور شاه: “له عقل راجح، يجيد الحكم على الأمور مهما التبست، أما الحلم والجود والشجاعة فهو منها في الذروة العالية؛ أحاديثه تمتلئ بمآثر والدي الملك سليمان، يذكره بالخير ويصفه بالبطل المغوار، يترنم دائما بالأبيات التي يحفظها من قصائد أبي، يتحدث عن زياراته للعتيك ولذة اللحم المشوي…”. (ص89)

كانت قضية الإمامة الواضحة هي التوريث، بينما يبدو ثمة قضية مضمرة وهي “القبلية”؛ يكشفها الحوارين الآتيين:” التقوا العلامة ابن مفرج أكثر من مرة ليمرروا أفكارهم ومبادئهم بين الحين والآخر وليختبروا ردود فعله؛ قال زعيمهم:

ـ ولدتنا أمهاتنا أحرارا، فبأي زعم يستعبدنا بنو نبهان ويتوارثون طاعتنا، ولماذا نكون لهم تبعًا؟ ونحن سادة الناس ورؤوسهم.”

لاذ ابن مفرج بالصمت، ولم يعقب.

اجتمعوا به ذات مرة إثر درس قدمه في الأحكام الفقهية (أراد السارد دحض تهمة الانحطاط الديني، على الرغم من أن هذه التهمة وغيرها تسقط بالمزية القائلة: أن عصر النباهنة وتحديدا عهد السلطان سليمان بن سليمان هو عهد ازدهار اللغة والشعر والأدب. أليست اللغة هي أقوى الدلائل على ازدهار لغة القرآن الكريم في البلاد؟ على ماذا يدل ذلك من جهتين:

1ـ قوة الشعر: شعر الملك سليمان، والستالي وغيرهم.

2ـ ازدهار اللغة مقابل انحطاطها في بقية الدول العربية التي كانت تحكم من المماليك والعثمانيين في ذات الفترة-حسب الكثير من الدراسات العربية التي قررت ذلك-.)، لم يراوغوا، سألوه مباشرة عن رأيه في حكمي، قائلين:

ـ أخبرنا أيها العلامة، ما موقفك من حكم الملك سليمان؟ ص127″.

بعد ذلك؛ كانت النهاية تفتقر إلى المنطق من وجهة نظر الأحداث التي صارعها وصرعها الملك سليمان بن سليمان في أشعاره وفي وقائع وأحداث رواية “فتنة العروش”، فجاءت نهاية صادمة، تجاوز السارد العليم فيها حدود علمه ببعض الأحداث، وإن كانت تتعلق به، فمن الصفحة 287 إلى 297 توقف دور السارد العليم، وبرز دور الروائي العليم، الذي أراد إضافة حدث تخييلي هو “حادثة فلج الغنتق”، الذي لم يستند به إلى أثر تسجيلي منطقي.

المصادر والمراجع:

  1. ابن فارس، أحمد:مقاييس اللغة، ج4، تح: عبد السلام هارون، دار الفكر، دمشق، 1399هـ- 1979م.
  2. ابن منظور: لسان العرب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1419هـ-1999م.
  3. بروكلمان، كارل: تاريخ الأدب العربي، تر: عبد الحليم النجار، دار المعارف، ط6، القاهرة، 1977م، ج1.
  4. الراجكوتي: نسب عدنان وقحطان، تح: عبد العزيز الميمني،قطر – الدوحة، 1404هـ.
  5. الزحيلي، محمد مصطفى:وسائل الإثبات، مكتبة دار البيان، ط1، سورية- دمشق، لبنان- بيروت، 1402هـ 1982م.
  6. صندوق، ليث: المتخيل والواقع. أو العلاقة ما بين الذات والموضوع. http :// www.alnaked – aliraqi. Net
  7. العوتبي، سلمة بن مسلم:الأنساب، إصدارات وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عُمان – مسقط، 1984م، ج2.
  8. الفجرية، شيخة: مسبار الحضارات، إصدار النادي الثقافي، وزارة الإعلام، سلطنة عمان، مسقط، 2021.
  9. الفيروز آبادي،محمد بن يعقوب: القاموس المحيط، ج3، الهيئة الحصرية العامة للكتاب، 1400هـ-1980م.
  10. الفيومي، أحمد بن محمد أبو العباس: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، ج 10، مادة (و ث ق)، المكتبة العصرية، تح: يوسف الشيخ محمد، طبعة عصرية pdf، ص 249.
  11. قلعجي، محمد رواس، وقنيبي، حامد صادق: معجم لغة الفقهاء، ج1، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، ط2، ١٤٠٨ هـ – ١٩٨٨م.
  12. كتاب موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة – العرش – المكتبة الشاملة الحديثة، ص446، كتاب من النت، وقت الزيارة بتاريخ 16/6/2022م: الرابط https://al-maktaba.org/book/31586/474#p2
  13. الكلبانية، زوينة: فتنة العروش (رواية)، دار كلمات للنشر والتوزيع، ط1، 2021م.
  14. النبهاني، سليمان:ديوان الملك سليمان بن سليمان، تح: التنوخي، ط1، المطبعة العمومية، دمشق، 1965.

([1]).انظر: الفجرية، شيخة: مسبار الحضارات ” القصيدة البائية للإمام راشد بن سعيد“، إصدار النادي الثقافي، طبع في وزارة الإعلام، سلطنة عمان، مسقط، 2021، ص 252.

([2]). بروكلمان، كارل: تاريخ الأدب العربي، تر: عبد الحليم النجار، دار المعارف، ط6، القاهرة، 1977م، ج1، ص57.

([3]).الفيومي، أحمد بن محمد أبو العباس: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، ج 10، مادة (و ث ق)، المكتبة العصرية، تح: يوسف الشيخ محمد، طبعة عصرية pdf، ص 249.

([4]).ابن منظور: لسان العرب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1419هـ-1999م، ص 371.

([5]).الفيروز آبادي،محمد بن يعقوب: القاموس المحيط، ج3، الهيئة الحصرية العامة للكتاب، 1400هـ-1980م، ص 14.

([6]).قلعجي، محمد رواس، وقنيبي، حامد صادق:معجم لغة الفقهاء، ج1، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، ط2، ١٤٠٨ هـ – ١٩٨٨م، ص 499.

([7]).الزحيلي،محمد مصطفى:وسائل الإثبات، مكتبة دار البيان، ط1،سورية-دمشق، لبنان-بيروت، 1402هـ 1982م، ص27.

([8]). ابن فارس، أحمد:مقاييس اللغة، ج4، تح: عبد السلام هارون، دار الفكر، دمشق، 1399هـ- 1979م، ص 472.

([9]). كتاب موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة – العرش – المكتبة الشاملة الحديثة، ص446، كتاب من النت، وقت الزيارة بتاريخ 16/6/2022م: الرابط https://al-maktaba.org/book/31586/474#p2

([10]). كتاب موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة – العرش – المكتبة الشاملة الحديثة، ص446، كتاب من النت، وقت الزيارة بتاريخ 16/6/2022م: الرابط https://al-maktaba.org/book/31586/474#p2

([11]).الكلبانية، زوينة: فتنة العروش (رواية)، دار كلمات للنشر والتوزيع، ط1، 2021م، ص 12.

([12]).صندوق،ليث: المتخيل والواقع. أو العلاقة ما بين الذات والموضوع.  http :// www.alnaked – aliraqi. net

([13]).النبهاني، سليمان:ديوان الملك سليمان بن سليمان، تح: التنوخي، ط1، المطبعة العمومية، دمشق، 1965. المقدمة ص13.

([14]).الراجكوتي: نسب عدنان وقحطان، تح: عبد العزيز الميمني،قطر – الدوحة، 1404هـ، ص 33. وانظر: العوتبي، سلمة بن مسلم:الأنساب، إصدارات وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عُمان – مسقط، 1984م، ج2، ص 117 – 120.

([15]).ديوان النبهاني ص 319.

([16]).النبهاني – الديوان، انظر مقدمة الديوان للمحقق عز الدين التنوخي، الطبعة الأولى.

([17]).ديوان النبهاني، ص 148.

([18]).الكلبانية، زوينة: فتنة العروش (رواية)، دار كلمات للنشر والتوزيع، ط1، 2021م، ص272.

([19]).ديوان النبهاني، ص 68.

([20]).انظر: الفجرية، شيخة: مسبار الحضارات “أسرة آل مداد وعطاؤها العلمي والأدبي”، إصدار النادي الثقافي، طبع في وزارة الإعلام، سلطنة عمان، مسقط، 2021، ص 165- 176.

([21]).الكلبانية، زوينة: فتنة العروش، سبق ذكره، ص247.

([22]).ديوان النبهاني، ص 56.

([23]).ديوان النبهاني، ص324، 325.

([24]).الكلبانية، زوينة: فتنة العروش (رواية)، دار كلمات للنشر والتوزيع، ط1، 2021م، ص 15.

([25]).فتنة العروش، ص 83.

([26]).فتنة العروش، ص 336.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى