الآخر المدحي في قصيدة (ألطافُ النوال) للشاعرة عهود عبد الواحد العكيلي
أ.د مصطفى لطيف عارف | ناقد وقاص عراقي
إنَّ الذَّات في معرض الثَّناء على شخصيَّة الدِّكتور(مصطفى العارف) وما تحملهُ من سمات الجِدَّة والإبداع , كما تحملُ صفات الشَّخصيَّة المُثقَّفة كلَّها، التي تَقْترنُ بالفكرِ المُتنوِّر، والمَنزلة العلمية والثَّقافة العالية لدرجةِ أنَّ اسم الدكتور يتجدَّد بتجدُّد الأزمان والأحداث ليُضفي عليها إبداعاً جديداً يَشفُّ عنهُ الاسم والبُعد الثَّقافي والمعرفي لهذه الشَّخصيَّ.
وتشيدُ الشَّاعرُة بِمكابدةِ الممدوح شتَّى الظروف القاسية وكيفية تطويعِها في سبيل التَّغلُّب عليها، ومن ثَمَّ الوصول إلى القيمة الفكريَّة والعلميَّة التي أصبحت فخراً عامَّاً وليس شخصيَّاً، وهذا واضحٌ من دلالة الأبيات وتدافُق صورِها المتلاحقة, إذ تفرغُ الشَّاعرة لشخصيَّة الممدوح وعطائِهِ المعرفي جانباً كبيراً من الاهتمام والذِّكر بشكلٍ يتماهى مع النَّهج الذي يسيرُ فيه الممدوح وهو أسلوبٌ كانت قد دَأَبَت عليه في نصوصها السَّابقة, وذلك ينمُّ عن صدق مشاعر الذات الشَّاعرة اتجاه الآخر كون المديح ما يزالُ تعداداً لجميل المزايا ,ووصفاً للشمائل الكريمة , وإظهاراً للتَّقدير العظيم الذي تكنُّهُ الشاعرةُ لِمَن توافرت فيهم تلك المزايا ,ويبقى ذكاءُ الشّاعرة (عهود عبد الواحد) ودقةُ اختيارِهاِ النَّص عاملاً مُهمَّاً في توجيه موضوعِهِا وتحديد ملامحِهِ، فنراها تقول :-
ألا يا غيمُ جُـوْدِي باعتدالِ
وحَيِّيْ (المصطفى) زينَ الرجالِ
وحيِّيْ الناصريةَ إذْ حوتْـــهُ
حَوَتْ فَخْـرا تلفَّعَ بالجلالِ
رأتْ فيه (الثقافةُ) شمسَ نقدٍ
لِيُدْفِئَها بِحُـلوٍ مِنْ مَقَـالِ
والمديح لدى الشَّاعرة (عهود عبد الواحد) نجدُهُ تحت عنوان مرادِف وهو التَّكريم، وفيه تستعرض خِصال ممدوحها وصفاتِه، وما يُميِّزها في هذا الفن أنَّها لا تتكسَّب في أمادحيها بل تنتقي ممدوحيها بعنايةٍ شديدةٍ، فهم غالباً ما يكونون من أهل الفكر وأرباب الأدب والثَّقافة، أمَّا عنصرُ الصِّدق فهو ما يُميِّز شَّاعرتنا ويُبعدِها عن عنصر المبالغة وزيف التكسُّب، كما إنَّهُ يقترب من الإطار المحلي الضيِّق، كما في نصِّوصها الشعرية الأخرى, إنَّ إيحاءات النَّص خيرُ دليلٍ على مدى الحسِّ النقدي التي تمارَسه الذات الشاعرة إزاء الآخَر، فهي تتُثني عليه بمختلف الصِّفات التي تزيدُهُ رفعةً وعلما، والتي ارتضت لقلمِهِا أن يكون خيرَ معبِّرٍ عن نفسِهِا وعن مشاعر الآخرين بشكلٍ جمعي, فموضوعُ القصيدة يُصبح مُهمَّاً ويستحقُّ الالتفات في اللحظة التي تُقرِّر فيه الشَّاعرة أن تختارَهُ ثيمةً لقصيدتِهاِ، فهي التي توجِّه هيكلَهُا وتجعلهُا متماشيَّةً مع القصيدة، لذلك فإنَّ أول شرط في الموضوع أن يحكمَهُ الوضوحُ والتحديدُ لا مثل موضوعات بعض القصائد التي تدور وتدور فلا يخرج منها القارئ بطائل ولا فائدة تذكر, ولعلَّ قراءة مبسَّطة لقصيدة (ألطاف النوال) للشَّاعرة (عهود عبد الواحد) في ممدوحها الدكتور (مصطفى العارف) نجدهُا غالباً ما تركِّز على صفةٍ واحدةٍ من صفات الممدوح، تكون مثقَلةً بالدلالات التي تهدف إلى إشباع موضوعِهِا ، كما إنَّها تُزيد القصيدة وحدةً وتماسكاً ، فهي في قصيدتها ركزت على سمة الناقد المثقف الذي يكتب الدراسات النقدية الواسعة عن خبرة وتجربة ومدحت مدينته الناصرية التي ولد فيها وترعرع وعاش سنوات عمره كلها والتي كان يعشقها ولا يريد الخروج منها على الرغم من كثرة المغريات التي قدمت له للعيش في بغداد أو خارج العراق ، ومع يميُّز مديحها الثناء الحَسَن وذكر خصال الممدوح ، فإنَّ هذا الأمر لا يخلو من الذاتيَّة في تصوير تجاربها, فنراها تقول : –
أتاها واهباً صفحاتِ نورٍ
ليبهِجَهَا بألطافِ النوالِ
فإنْ حوتِ الثقافةُ حُسْنَ وَجْهٍ
وَخُضْرةَ أرضِهَا ذاتِ الجمالِ
فقد جاءَ ابن ذي قارٍ إليها
وطيَّبها بِذَا الماءِ الزُّلالِ
وثناء الشَّاعرة الدكتورة (عهود عبد الواحد) على الدكتور الناقد والقاص (مصطفى العارف) ليسَ من قبيل المبالغة أو الإطراء المشوب بالكذب، بل إنَّ هذه الخصال وجدت طريقَها إلى (العارف)،الأمر الذي أكَّدته جميع المصادر التي تناولت سيرته بالبحث والدراسة والتَّمحيص, وتستمرُّ الشَّاعرة في رفد قصيدتها بدلالات الثَّناء المكرَّرة والإشادة بممدوحهِا, فهو الذي يمنحُ الآخرين , ويمدُّهم بخزينٍ علميٍّ يضيؤون بهِ وجودَهم , كما أصبح حديث كُلّ لسان, وكُلُّ تلك الصِّفات تصدرُ عن شاعرةٍ لهُا من الثَّقافة والاطلاع ما يؤهِّلهُا لأنْ تحكم على ممدوحهِا, ولكنَّها يبدو في هذه القصيدة أقربَ إلى الخطابية والتَّقريرية لتبتعدَ قليلاً عن غرضهِ الأساس وهو المديح الذي يقتصرُ على ذكر خصال الممدوح والثَّناء عليه, فنراها تقول:-
فمرحى يا ابنَ عارفَ كلَّ حينٍ
وحيَّاكَ الإلهُ بِحُسْــنِ حَالِ
رَسَوْتُمْ في العُلُومِ بِطُوْلِ بَاعٍ
كَمَا يرسُــو الأشمُّ مِنَ الجِبَالِ
أشارتْ بالفخارِ لكُمْ بَنَانٌ
وقالُ البدرُ: صِنْوِي في اكتمالِ
إذ يوحي النّص بمدى احتفاء الشَّاعرة بممدوحِهِا، واعتزازها، لذلك فهي تعمد إلى إظهار مدى الحضور المتميِّز الذي يتمتع به على الساحة الأدبية والنقدية، وبأنَّ هذا الممدوح ما زال الناقد المميز، بملكاتهِ الفنيَّة وأدواته العالية، فضلاً عن ذلك فإنَّ هذا النّصَّ يعكس رؤية الشاعرة للممدوح (العارف)، ليشفَّ عن حضوره المعنوي في النّص, إِنَّ اسم ممدوحها (العارف) يُخلِّدُ الذكرى العطرةَ ليبقى حديثَ كُلِّ وقتٍ وزمنٍ, فقد كان ينماز بفكرهِ النَّيِّر ومعشرهِ الطَّيِّب, فضلاً عن سمو حديثهِ الذي كان يدخلُ النَّفس بلا استئذان, وهذه الأوصاف من قبيل إعلاء مكانة الممدوح وإبراز شأنه الفكري إذ تسرد حياةَ ممدوحِهِا وثقافتهِ كأنَّهُا تتحدَّثُ عن سيرة حياتهِ بدلاً من تجميلهِ بالفضائل والصِّفات, إنَّ ممدوحَهُا الدكتور الناقد(مصطفى العارف) ينماز بالتواضع والحُلم اللذين أضفيا عليه وقاراً وعلوَّاً ، وكان من شأن ذلك أن يجعلَهُ قوياً، وهذه الصفات المُثلَى تدل على عُمق قراءة الشَّاعرة لخصال ممدوحِهاِ، بل إنَّ تأكيدَهُا إيَّاه يُعبِّر عما شاهدتهُ وسمعت عنه من صفاتٍ ومزايا أتاحت لها حرَّيةَ التَّعبير عنه بعفويَّةٍ متناهيةٍ وذلك تجعل من الطرف المقصود أن يحثَّ الخُطى في سبيل الوصول إلى ما تحملُهُ هذه الشَّخصيَّة من مثاليَّةٍ وقِيَم عليا , فنراها تقول :-
فلا يوفي القصيدُ جليلَ قولٍ
وقد لبسَ البَهَـــا ثوبَ الجَمَالِ
فَدُمْ للخير عُنواناً وصوتاً
أخاً في الله عزَّ عنِ المثـالِ
يلحظُ القارئُ إفاضة الشاعرة (عهود عبد الواحد) في ذكر مناقب وخصال ممدوحِهِا الدكتور الناقد(مصطفى العارف), فهو شخصٌ موسوعيٌ, تخلَّلت الثَّقافة إلى نفسِهِ, ووجدت طريقَها إليه, بما وجدت فيه من سعة إطلاعٍ وحفظٍ لتتكشَّفَ بذلك مواهبَهُ الفطريَّة والمُكتسبة, التي نضَّت عن نفسها, وظهرت جليَّةً في شخصيَّتة ونتاجهِ الفكري، كما تصِف أسلوبَهُ وطريقتَه في كتابة النقد, إذ ينتقي من النُّصوص ما يُلامسُ شغافَ روحهِ, ويستنطقُ أحاسيسَهُ, فهو يُعنَى بمضمون النَّص لا بشكلِهِ الخارجي, وهذا ينمُّ عن قراءةٍ واعيةٍ لأسلوبهِ وطريقتهِ في النَّظم. وتستمر الشَّاعرة في رَفْد القصيدة الشعرية بالمفردات الدَّالة على الثناء وإبراز صفات ممدوحها.
واخيرا نقول أنَّ الشاعرة تتبنَّى الثناءَ على الآخر واستعراض عددٍ من خِصالهِ, كما نجدهُا غالباً ما تركِّزُ اهتمامها على خصيصةٍ واحدةٍ من هذه الخصال، التي قد تكون شاعريتَهُ أو مكانتَهُ الثَّقافية والأدبية والنقدية التي كانت سبباً في إظهاره إلى المجتمع, فضلا عن ذلك نلحظ اهتمامَهُا بالآخر ألمدحي وحرصهُا على تقديمِهِ إلى القارئ بأبهى صورةٍ, أمَّا صفةُ المبالغة أو الاهتمام المُتكلَّف فنرصدُ لهما وجوداً قليلاً في أشعارها, ومن ثَمَّ فهي لا تُشكِّلُ إلَّا النَّزر اليسير من مجموع قصائدهِا, ليكون استحضارها منوطاً بالموقف الشِّعوري الذي يتطلَّبُ منهُا انفعالاً يُلائمُ الشخصيَّةَ المُرادَ عَرضُها والحديثُ عنها.