يوميات شاعر عُماني في دبي
عبد الله الحكماني | شاعر وكاتب عماني
استمرّينا لبضعة أيام ما بين شدّ وجذب في موضوع الرحلة والتي لم تكن لها وجهة معينة وإنما مجرد رغبة داخلية في تغيير الجو اتفق عليها مجموعة من الزملاء إلى أن استقرت فكرة الرحلة في السفر إلى دبي العالمية.
كنا ثمانية أشخاص تربطهم عدة أشياء منها صلة القرابة وحب السفر ولا يمنع من ذكر الاسماء حتى لا تفقدهم الذاكرة والأسماء كالآتي بالعدّ التنازلي للعمر: (سعيد بن عبدالله بن سهيل الحكماني/سالم بن عبيد بن الصغير الحكماني/حميد بن حمود بن الصغير الحكماني/سعيد بن حمد بن سالم الحكماني/عبدالله بن سعود بن مسعود الحكماني/محمد بن سعود بن سعيد الحكماني/محمود بن سعيد بن الصغير الحكماني و كاتب هذه السطور) .
انطلقنا صباح يوم الجمعة في سيّارتين- حيث كل أربعة في سيارة- من ولايتي المضيبي وسناو إلى مدينة دبي عبر الكثير من ولايات السلطنة ثم المرور بمدينة العين وصولا إلى إمارة دبي -في ظهر اليوم نفسه- التي ترآءت لنا أبراجها من مسافة ليست بالقصيرة ونحن ننوي دخولها عن طريق الشارع الممتد من مدينة العين باتجاهها .
وكعادة المسافرين في كل مكان انشغلنا أولا بالبحث عن المسكن وبسبب عناء البحث والتوهان في شوارع دبي وفنادقها واكتظاظها لم نجد المسكن الذي نرغبه بسهولة لذلك اضطررنا أن نحوّل البحث عن المسكن إلى البحث عن مطعم في المدينة وكان لنا ذلك حيث الساعة الثالثة والنصف تقريبا توقّفنا عند مطعم للوجبات اليمنية يقع على شاطيء جميل المنظر مما يساعد على الاستئناس بالمكان والغداء معاً وبينما نحن ننهش قطع السمك والدجاج بصورة انتقامية عوضا عن جوع الطريق كان مؤذّن العصر ينادي للصلاة.
عند الانتهاء من الغداء المتداخل مع العشاء بتوقيتنا المحلي للوجبتين تحرّكنا لمواصلة البحث عن المسكن ولم نبذل جهدا كبيرا هذه المرة بل وجدنا المسكن المناسب الذي نبحث عنه بأسرع ما يمكن.
توزعنا في غرف الفندق بحيث لكل شخصين غرفة واحدة وأخذنا قسطا من الراحة بعد عناء السفر خصوصا بعدما أزال الاستحمام كل ما بنا من تعب جلبه لنا الطريق الطويل.
كان خروجنا من الفندق في حدود الساعة الثامنة مساءً باتجاه (دبي مول وبرج خليفة) وبالرغم من التعب قليلا في وجود المواقف للسيارتين إلا أنّا قضينا ليلة من أجمل الليالي في ذلك المول الجميل جدا سواء من حيث تنظيمه أو من حيث تشكيلته العمرانية أو كثرة زوّاره وتنوّعهم العرقي والديني والفكري و …الخ.
كذلك يشدّك في هذا المول تنوّع البراندات العالمية والعلامات التجارية ناهيك عن عوامل التسلية وأماكن الترفيه كالنافورات والألعاب بمختلف أشكالها وألوانها مع مناسبتها لكل فئة عمرية.
فعند الحاجز الذي يحول ما بين الرائي والبحيرة ذات النافوارت المرافقة للموسيقى تطيب السهرات وتحلو الأجواء ويندهش الزائر!
ذهبنا إلى مكتب برج خليفة للصعود إلى قمة البرج بعدما شبعنا و روينا من التجوّل في المول ولكن لم نجد الوقت الكافي لزيارة البرج لأنه لم يتبق من الوقت إلا ما يقارب العشرين دقيقة فارتأينا أن نؤجل الزيارة إلى الغد.
خرجنا من المول في حدود الساعة الثانية من منتصف الليل بحثا عن عشاء في أي مطعم مشاوي وكنت شخصيا في هذا الوقت نصف نائم لكوني لم أعتد على السهر كثيرا ولكني حاولت أن اتماشى مع الوضع وفي حدود الساعة الثالثة وبعد تناول العشاء من ذلك المطعم الشامي وجدنا أنفسنا في الفندق للنوم.
لكوني جئت نصف نائم إلى غرفتي فلم يكن النوم عصيا عليّ بل مجرد أن وضعت رأسي على وسادتي نمت وكانت نومة واحدة إلى أن صحوت في حدود السابعة صباحاً.
نهضت لأصلي ثم حاولت أن أكمل النوم ولكن كعادتي لم أستطع النوم بعد استيقاظ الصباح فقررت أن استحم لانفض الكسل عن جسدي ثم أذهب لتناول شاي الصباح وممارسة هوايتي التي هي التأمل في الاماكن التي أزورها.
خرجت من غرفتي وحملت أغراضي معي على أمل أن لا أعود إليها مرة ثانية ثم خرجت من الفندق بحثاً عن مقهى يقدم شاي الصباح ووجدته مجاورا لنا فأخذت كوب الشاي بالحليب وعدت به إلى الفندق حيث اللوبي.
أنهيت الشاي وقلت في نفسي الأفضل لي أن أخرج إلى الطاولات الواقعة امام الفندق ولكني شعرت بالإرهاق من الرطوبة فعدت إلى موقعي السابق.
تسلل إليّ الملل لكوني في مكان مغلق وهاتفي لا يوجد به شحن فقلت من الافضل أن ابحث عن جريدة لأملأ بها وقت الفراغ هذا لكني لم أجد في المحل التجاري المجاور للفندق جريدة ولا توجد محلات أخرى لأبحث بها عن الجرائد.فاضطررت إلى العودة مع بعضٍ من المأكولات الخفيفة(بسكويت+عصير برتقال) اشتريتها كفطور وكتسلية.
جاءتني القريحة الشعرية بغتة بعد مشاهد الأمس وكتبت من الشعر النبطي الأبيات الآتية:
(طيب الصباح وطيبة النفس والعين
وشوف الطموح اللي يبادر به الحي
منهو بغاها يترك الجيم والسين
ويشد برحاله إلى ساحة دبي
ديرة أبو حمدان رمز الطموحين
شيخن على داره من أفكاره ايضي
خلّا رمول دبي في بضعة اسنين
أبراج مع غابة عماير وكل شي
لين اقصدوها ساكنين الأراضين
من كل فجّ وارتوى شجْرهم ري)
بينما أنا على الطاولة والزملاء في نومهم نزل أحد قاطني الفندق من غرفته لينضم إلى الطاولة التي سبقته إليها.
لم ادرِ هل نزل هذا الشخص من الفندق أم من السماء؟!
كان رجلاً لطيفا جدا وصاحب ابتسامة وحديث شيّق مما جعلني اسلّمه زمام الجلسة مع بعض الاستفسارات البسيطة التي امررها عليه احيانا.
كان الرجل كعادة أبناء بلده يحب التحدث فقال الكثير وسألته عن الكثير إلى أن استيقظوا زملائي من نومهم حدود الساعة الحادية عشر.
بينما أنا في اللوبي مع عزلتي وتأملاتي تمر الأجساد الغضة من أمامي ثم تصعد اللفت باتجاه الأدوار العلوية فأتسآل بيني وبيني هل دبي مجرد أجساد؟!ثم أجيب على سؤالي بأن دبي أوسع بكثير مما يدور بداخله بعض الزوار ولكن(كلاً ينظر بعين طبعه)!
استيقظوا الشباب وسلمنا مفاتيح الغرف ثم اتجهنا إلى برج خليفة مباشرة وما هي الا دقائق ونحن بداخل المكتب لشراء تذاكر الدخول.
صعدنا البرج إلى الدور ١٢٥ وأخذنا نوزع أنظارنا للأسفل في مدينة دبي حيث السيارات وكأنها سيارات ألعاب الأطفال من صغر حجمها والعمارات التي كنا حين نشاهدها من السيارة تسقط عمائمنا من فوق رؤوسنا رأيناها من قمة البرج وكأنها أعمال تشكيلية لطلاب حصة الفنون التشكيلية بداخل قاعة!
أخذنا الكثير من الصور التذكارية الجماعية والفردية وقمنا بتصوير المشاهد في المدينة من الأعلى ثم جاءتني فكرة أن أسجل قصيدتي التي كتبتها صباحا في الفندق كمقطع فيديو للذكرى.
نزلنا من قمة البرج ولم نستطع أن نواصل زيارات أخرى لقوة المشهد وأردنا أن يكون الختام من مسك.
في حدود الساعة الثانية نعود من دبي إلى العين والجوع تصرخ أطفاله في بطوننا ولم يسكتها إلا وقوفنا مع مطعم يقدم الوجبات اليمنية في مدينة العين.
بعد الغداء والصلاة أخذنا جولة تسوقية في البريمي ثم عدنا إلى مدينة العين لنجلس جلسة المساء في (العين مول) الذي أخذنا جولة بسيطة في ردهاته وختمناه بجلسة قهوة في ستار بكس.
حين عزمنا الرجوع إلى عمان تجولنا في سوق العين لشراء بعض الكماليات للعيد القادم وواصلنا المسير باتجاه مركز مزيَد على أمل أن نتعشى في مدينة عبري التي كانت نهاية الرحلة تقريبا وبعدها تواصل سيرنا ليلا إلى أن وصلنا في حدود الساعة الثالثة قبل أذان الفجر وهنا انتهت الرحلة ولم يتبق إلا ذكرها الطيب ومشهدها الثري.