قراءة نقدية لنص ( هذيان فقاعة ) للشاعر المصري هشام صيام
مرشدة جاويش | سوريا – تركيا
أولا – النص:
حتى يعودَ البحر
أثر الموج على جبين الرمال
أحجية بل طلاسم
وَشَّاه جزرا ومدّا
عركتْ أذني أصداؤُه
دواماته الغاوية نادمتني
في رحم فقاعة
فنيتُ وفنيَ هذا الصمت..
شراع لا ظل له
والمدى عاقر مقطوع العقب
مثقوب النهد تحرفت
خرائط كفه
عقدة عقدة
مجنون هذا الربان
يعصر نزق هذيانه
قطرة قطرة
والشطوط حواف جفنة
تتعرق التيه
بعيدة حد الموت
على تخوم أثر يم
ألوك السراب
ما بين خيالات وتوهم
على شفا رفة جفن
حوى البحر وأصدافه
أهدابه المرمدة بملح الآه
سياج الحصاد المر
على طاولة القمار الوردية
أرخت سدولها
واللآس يجمع سطورها
يهب هذا أهازيج المجاز
وذاك عنقود الألم
تناص يلد تناصا
والإسقاط كسقطِ حملٍ
لم يكتمل
البحر رهين المَحبسيْن
جفن وهدب بالأحمر
خُتم ..
مازلت أهذي
لن يعود البحر
فدعوني وخرَف حرفي
ارجموه وارجموني
وذروني دون كفن
أمام شاهد اللحد
لأعود عاريا …..
كما خلقني
ربي
ثانيا – القراءة :
اللفظة دوماً هي نتاج الحضارة واللغة مادة للتفكير وآليته بكل دلالاتها إن كانت السمعية/ البصرية ولذلك تأخذ رسوخها في الشخصية المجتمعية بفعل التراكم الزمني من هنا كانت الفكرة الأساسية للنص من هذا المنظور ومن العنونة تستنطق المعنى الكلي فالنص له أسلوب متمايز وبراعة في الربط بين الكلمات بطريقة تشعر المتلقي بالنشوة دون أن ترهقه
وكأنها الكلمات حين اجتمعت مع بعضها مزقت ثوبها المعتاد التقليدي وأصبحت جسماً موحداً مبهراً
في تركيبة جديدة متناغمة ذات فوضى خلاقة هنا أعني الفوضى أي ذاك الهذيان الذي طفى بكل احتمالات العقل المتجلي بأبعاد الرؤية بين البحر والموج الطافي على الرمال هنا امتدادت الذات التي تماهت بالفكرة بين الحلم (البحر) والموج (انكسار الحلم) على الشطآن
حين يغارب البحر ماضياً ويترك كل الأمواج سارحة بالإتساع الآيل لليباب.
فالأنا الشاعرة ابتدأت بحتى؟ بالغائية الكلية (حتى يعود البحر) إذاً البحر هو مرتكز النص وتنطلق من خلاله التماوجات لأنه كل الحلم المأسور؛ فالبحر إمتدّ غاية رجوعه هناك طلاسم متشكلة به فهو مكتظ بالأحجيات (أثر الموج على جبين الرمال أحجية بل طلاسم وشاه جزراً ومد)
أي ذبذبات كثيرة ستكون بين أخذ ورد وتجليات للوصول إن هذا البحر العصي بمكنونه هو كل الآمال التي تقرص أذن الذات للإنتباه للتروي وتحثه بالأفكار تستجره للإمعان لكن ذاك السكون في لحظة الركود الأنوي بكل هذا الطوفان الذي فات.
لا جدوى من فقاعتها الهاوية لعمق البحث المحبط والمنبثق عن عقر عقيم مثقوب الأطراف بجوانب التجليات الموؤدة (عركت أذناي أصداؤه دواماته الغاوية نادمتني في رحم فقاعة شراع لاظلّ له ) فهو اليأس من أبعاد تلك الفقاعة الفانية في خضم تلك التجليات وذاك البحر السادر الذي ترك مخلفات الإحباط إنه الزمن المخذول الأصم المثقل بالألم والذي عقرته الأيام لافكاك لعقده المتراكمة مهما انحلّت (المدى عاقر مقطوع العقب مثقوب النهد خرائط كفه (عقدة عقدة) هنا تصويرية رائعة بل تأويلية للعودة للعُرف ولتلك النبوءات المخذولة فهي عقد لافكاك عنها ولا حل إنها الحالة العقيمة للأنا في التفكير والتجلي.
فالشاعر أحال البحار للنفس ذاتها فهو وصمها بالجنون لشدة ذاك التحديق المتوهم للإبحار مع كل هذا الموج المنطفئ قرب الشطوط والبحر الهائم بالإبتعاد (مجنون هذا الربان يعصر نزق هذيانه قطرة قطرة والشطوط حواف جفنة تتعرق التيه بعيدة حد الموت) تصوير ماتع للذات التي احتضنت الأمل ضمن جفنة بين ضفاف الشطآن المواربة بلا حيلة وبين كل هذه الارتباكات كانت النفس قد آلت للإنهيار بل للإنكسار تمدّ جفن الألم من كل مامَرّ وما عبر وما آل بحسرة وهي ليست قادرة على الوصول لذاك الحلم (البحر) هو امتداد كلي وله متسعه إنه جَبّ كل الآمال هنا كانت إشارة للحياة وتفاصيلها وتقلباتها (على تخوم أثير اليم ألوك السراب مابين خيالات وتوهم على شفا رفة جفن حوى البحر وأصدافه أهدابه المرمدة بملح اللآه) إذاً هنا التوجع الممتدالذي أغمض الشاعر عينه على ترميده المؤلم.
فالحصار النفسي يطفو حين تتجلى النفس بهذا الزمن الذي هو لعبة الحياة التي باتت كقيد يؤطر النفس من الإنبلاج أو تحقيق الغايات هو الحصار الملح للنفس التي تناهبتها أيادي الزمن (سياج الحصاد المر على طاولة القمار أرخت سدولها واللاس يجمع سطورها) التصوير كان دقيق بالموائمة بين الحياة ولعبة القمار الوردية التي أغوت اللعب إلى حلم مكلوم وبات الآس الذاتوية ممتدة لتسطير ذاك الخذلان بإسقاط الحلم المر المُنهار والوليد الذي لم يكتمل والتناص بلجج الزمن والتدوين المثكل يهب هذا أهازيج المجاز وذاك عنقود الألم وتناص يلد تناص والإسقاط كسقط حمل لم يكتمل)
الشاعر استقى صورة بارعة عن المعري (رهين المحبسين) ليعطي للحلم كل الإنغلاق وهذا العماء المُفعم بالعزلة فلقد طفح الكيل من هذا الشرود الموغل بالحزن بلا جدوى أعطى صورة قوية (لم يكتمل البحر) أي لم يكتمل الحلم و(رهين المحبسين جفن وهدب بأحمر ختم).
إشارة للإنطفاء الكلي المحزون بالألم بين الجفن والهدب ازدحم دم مختوم لا تغيره الأنام ولا الأيادي ) بات هذا الإحباط يقين وحقيقة صورة نابضة بالإنحسار والتألم قيد فشل وقيد كسر
المبدع أعطى البعد المجازي الأعلى بصورة تتدفق بالصوفية والفلسفة الحياتية بالنهاية فكانت النهاية (دعوني وخرف حرفي إرجموه وارجموني وذروني دون كفن أمام شاهد اللحد لأعود عارياً كما خلقني ربي) هنا اليقين الإيماني فهو بعد كل مامر به من حلم موؤد بات يرغب أن يكتب وهو مقتول النبض والحلم.
فقط يدون شاهدة عمره وهو عاري إلاّ من حروفه هنا اليأس المحبط جانب قوة الإيمان بمشيئة لم تحقق من عند الله الشاعر عرف كيف ينهي النص لصالح الفكرة وهذا جمال النص الشعري لا لصالح المجاز أو الخيال هو لم يهوّم الأحداث بل رافق بالصور المتلاحقة ليؤكد ارتباكات الحياة وهمومها وفيض وجعها وأيضاً ليعطي أبعاد للفكرة بتأملية فلسفية مؤمنة.
نص ماتع جداً مكتنز بدقائق الشرود للنفس التي تتجلى بخاصرة الوجع ومداد العمر المتسع بالإنكسارات بصور شعرية لم تخلو منها أي جملة كما نوهت أعلاه السياق العام كان يعتمد السيميائية الميكانيزماتية التي بلورت خيال الشاعر لمبتغى الحلم أي كان دراماتيكي الفكرة فهي بحراك دائم مع أنّ النص به انكسار للأنا بكل شرودها لكن الديناميكة الشعرية أخذته
إلى علو لتعلو الفكرة معه بمغايرة الصور فكان الشاعر ناجحاً بتخلقات صور متبدلة لنفس الفكرة برؤية عامة كانت عن حلم موهوم بل مقتول وسط ضجيج الحياة راوغ من خلاله الشاعر بسبك كلي بمتفصلات النص.
لغة المبدع تنزاح خلف ارتعاشات رهبتها توارب الموت والغفلة والحلم بين كل هذا كانت ارتباكات النفس الآيلة للسقوط و تعري عمق الألم و الصمت حروف تشرد بتعاويذ هذيها وتنافق فقاعاتها حد النهاية مبدع له مغايراته واختلافانيته وله مساراته بين الشكل والمضمون أو بين المعنى والمبنى وذلك تجلى بالتصويرية العالية من خلال الفكرة المبدع أ.هشام المبدع المتشكل بشمولية الثقافة والناقد العميق تستحق حروفه المرور والقراءة.