شاهد واستمع قمر عبد الرحمن في “العشق من خلف القضبان”
قمر عبد الرحمن |مهرجان الشعر العربي – اسطنبول
ومن الكلمة ما يتجلّى وفاءً وتكريمًا لكلّ من بذل، اسمحوا لي وأنا القادمة من هناك من فلسطين أن أقصّ عليكم بدقائقٍ قليلةٍ جدًّا شيئًا من معاناة الأسرى..
أصل القضيّة الفلسطينيّة قضيّةٌ إنسانيّةٌ بحتة، وبالتالي استيعابك للقضيّة الفلسطينيّة يدلّل على إنسانيّتك بالدّرجة الأولى، وأن تكون إنسانًا هي رتبةٌ ما بعدها رتبة في هذا الزّمن الرّديء!
وإليكم جانبًا من الجوانب المتعددة لإنسانيّة القضيّة.. فافتحوا باب قلبكم لتستقبلوا أعظم معاني الإنسانيّة التي شهدها التّاريخ..
تشرئب الأعناق لقصص العشّاق.. لماذا؟ لأنّنا قد نراها.. نسمعها.. أو نعيشها.. لكن هل جرّبت العشق وأنت مقيّد؟ مقيّد اليدين والرّجلين وكامل الجسد؟! ربّما القليل منّا خاض في هكذا عشق أو فكّر به.. لكنّي قرأته بملح عيني؟! حيّرني هذا العشق.. العشق من خلف القضبان هو عشقٌ روحيٌ لا علاقة له بأيّ رغبةٍ حسيّة.. كأن تعشق صوت أحدهم، ويصبح هذا الصّوت سكَنك ومُسكّنك! كأن تعشق نظرةً وتفديها بعمرٍ كامل وتصبح ثانيةُ النّظرة حياتك في خلواتك! كأن تعشق روحًا ترويك في غيابها قبل حضورها، وتعيش على أمل اللّقاء بالقداسة المشتهاة دون ملل! كأن تنجب طفلًا من خيالك ويصبح حقيقةً بلا لقاء جسديٍّ أبدًا! ويكون ميلاد الحياة بعد مخاضٍ من الوجع المرير.. هكذا يعشق الأسرى الفلسطيّنيون!!
قرأت قصّة الأسير وليد دقّة المحكوم بالمؤبّد مدى الحياة مع زوجته سناء سلامة، وقصّة العشق المقدّسة التي تكلّلت بإنجاب ابنتهم ميلاد عبر النّطف المهرّبة بعد خمسةٍ وثلاثين عامًا من العهد المقدّس والعشق الرّوحيّ.
قرأت قصّة منار خلاوي، هذه الشّابة التي عشقت الوطن قبل أن تعشق الأسير أسامة الأشقر المحكوم بالمؤبّد مدى الحياة، وترتبط به رغم كلّ المعوّقات بعهدٍ أبديٍّ وعشقٍ روحيّ.
والأسير كميل أبو حنيش المحكوم أيضًا بالمؤبّد مدى الحياة، قرأت قصّة عشقه من جهته السّابعة وهي عنوان روايته الأخيرة.. وكيف استطاع أن يحوّل قصّة عشقه المقدّسة التي ما زالت تزهر في خياله من عمر الشّباب لرواية رائعة تفوق الوصف.
وهناك الكثير الكثير من هذه القصص التي تدفعك للتّأمل، والتي تجسّد تضحيات هذا الشّعب المنسيّ، وخاصة فئة الأسرى باختلاف معاناتهم..
ولا بدّ أن أعبّر عن امتناني للقلم والورقة ولكلّ أسيرٍ اتخذ من الورقة صديقة ليوصل صوته للعالم، وأنا وفي ظلّ حضرة العشق المقدّس سمحت لنفسي بالسّير على رؤوس القلم بين قلبين عاشقين! لأسمع هسيس كلماتهم اللامنطوقة ولأكتشف لغز هذا العشق، وكتبت..
“عشقٌ من خلف القضبان”
قد ألتقيك.. أو لا ألتقيك
لكنّك ستبقى سجين القلب والرّوح
تقول حبيبةٌ لحبيبها المؤبّد مدى الحياة
ستفرك الظّلم عن عينيك يومًا
وستمسح وجهك يقينًا
ستمشي خطوة.. خطوتين.. خطواتٍ نحوي
نحو الوطن
وسأرى جبينك المنتصر.. يشعّ في عيني
وسأذكر الثّمن
وسأصافح وجنتيك.. بخدّ الورد المشبّع بالنّدى
أتحسّس يديك.. وأقبّل عينيك التي لطالما عانقتها من وراء الزّجاج!
أأنت أنت.. أم أنت أنا؟
كيف سأتصرّف مع رهبة قلبي
لا وقت للرّهبة يا قلبي
عانقيه للأبد
خذيه نزهةً
نحو نهارٍ بلا ليل.. نحو أرضٍ بلا ويل
تنتهي الزّيارة.. يبتلع دمعه، ويقول:
سأعيش على حكاية الحريّة التي رسمتِها يا حبيبتي سنوات
تقول هي: أمّا أنا.. سأبكي يوم النّصر يا حبيبي وستبقى سجين قلبي وعقلي والكلمات
تخرج من السّجن وتنظر للسّماء
أخبره يا الله أملًا
لو أخذوا شمسه.. سأمنحه النّور
لو أخذوا غيمه.. سأمنحه الهطول
يا أيُّها العالم الغافي تحت الشّمس
لو طال الحكم.. سأكون الحلم
لو طال العدم.. سأكون النّغم
لو طال السّقم.. سأكون النّعم
من سجن لسجن تهون خطواتي وتخضّر القدم.. يذوب على لساني كلّ شكٍ ووهم..
وأقاوم الاستخفاف من مجتمع لا يرحم..
وأصارع بالأمل كلّ همّ
فحبيبي أسيرٌ حرٌّ وحيّ
ليس رقما
ليس رقما
ليس رقما
من هنا من هذا المهرجان المهيب أقدّم تحيّةً جليلةً للأسرى المثقّفين والمرضى والأطفال والمضربين عن الطّعام في هذه الأيّام.. وكلّ الأسرى والأسيرات في ذلك المربّع المعتم القاتم المسمّى بالزّنزانة..
تحيّةً كبيرةً بحجم عجزنا عن إنقاذكم!
مهرجان الشعر العربي 4
نعيش لفكرة حرة
لأن الشعر يجمعنا