عودة الخوارج

د. ثناء حاج صالح | ألمانيا

الخوارج في عصرنا الحديث هم القرآنيون. الذين يطالبون بهجر سنة الرسول الأعظم من خلال مقاطعة الحديث الشريف وهجر كتبه وعلمه والاكتفاء بالقرآن فقط مصدرا للتشريع والعقيدة، وهذا هو ما كانت تفعله فرقة الخوارج التي كانت من أعظم المصائب التي ابتلي بها المسلمون في التاريخ القديم .

روى المقدام بن معد يكرب – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته، يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه. رواه أبو داود

وأخرج البيهقي عن أيوب السختياني التابعي الجليل أنه قال: (إذا حُدِّث الرجل بسنة فقال دعنا من هذا، وأنبئنا عن القرآن فاعلم أنه ضال).

وقال الأوزاعي رحمه الله: (السنة قاضية على الكتاب ولم يجئ الكتاب قاضيا على السنة)، ومعنى ذلك: أن السنة جاءت لبيان ما أُجمل في الكتاب أو تقييد ما أطلقه أو بأحكام لم تذكر في الكتاب، كما في قول الله سبحانه: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل:44].

فلا يصح الاكتفاء بالقرآن الكريم دون حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ومن فعل ذلك فقد فعل ما لا يجوز وارتكب معصية، لأن القرآن هو الذي أمر بأخذ الحديث؛ فقد قال الله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا {الحشر:7}.

وقال تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {النساء:65}. وقال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور:63}. وقال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {النحل:44}.

ولذلك فالحديث النبوي بيان للقرآن الكريم، والرسول مأمور بتبيين الذكر للناس. ولا يستطيع الناس فهم القرآن دون تبيين الرسول الأعظم له. قوله سبحانه: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، قال: (الرد إلى الله الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول الرد إلى السنة) ومخالفة ذلك أمر عظيم جلل لقوله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أي عن أمر رسول الله ﷺ وهي ما ورد من سنته المشرفة وشريعته وبيانه فكل أمور المسلمين توزن بسنة الرسول الفعلية والقولية وهو الذي قال فيه تعالى وما ينظق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ( النجم / 3، 4)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى