وقفة مع لفظة “المحسنين” في سورة يوسف

خالد رمضان | تربوي مصري – محافظة ظفار
لقد وصف الله تعالى سورة يوسف بأنها أحسنُ القصص، وهذا الوصفُ في ذاته يُعدّ إعجازًا لا ريبَ فيه، لأنها فعلاً أحسن القصص، ولك أن تتأملَ أحداثَ القصة ستجدها وأنت تتصفحُها تتمخضُ عن جديد ما كنت تشعرُ به، وكأنها بحرٌ لا ينضبُ ماؤه، أو نهرٌ لا تنقطعُ تدفقاته.
إن السرّ في نجاح هذه القصة، ووصول نبي الله يوسفَ إلى ما وصل إليه هو الإحسان. فتأمل معي الٱياتِ الكريماتِ التاليات.
قال السجينان ليوسف عليه السلام:”إنا نراك من المحسنين“، وقال له إخوته: “إنا نراك من المحسنين“، وقال يوسف عن ربه: “إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين” ، وقال المولى سبحانه وتعالى: “وكذلك نجزي المحسنين“.

هذا هو السر في نجاة يوسفَ، وعلوّ شأنه، ورقيّ منزلته.. لقد أحسن يوسف لكل مَن قابلَه، أو حتى أساء إليه، فأحسن إلى عزيز مصر، وقابل إحسانه بالإحسان، فحفظه في أغلى ما يملك، في عرضه وشرفه، وقال: “معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي“، أحسن ولو كان الجزاءُ السجنَ إلى أجل غير مسمى، بل وبالغ في إحسانه، فستر المرأة وعفَّ عن التصريح بذكرها، أو حتى التلميح بوصفها، فقال للرسول:”ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن” فوضع المرأة التي لوثت سمعته، وضيعت كرامته، وحبست حريته وسط النساء حفاظا على شرفها ووضعها وسط مجتمعها، وجميع أهليها، وأحسن إلى إخوته الذين ناصبوه العداءَ وهو طفل صغير ليّن العود جميل المحيّا حسن السمت، ففعلوا ما فعلوا معه، فألقوه في غيابات الجبّ، وحرموه من أبيه، وحرموا أباه منه، وهان عليهم فما حاولوا حتى أن يعرفوا مكانه، أو يسألوا عنه، أو يطمئنوا عليه كما لو كان من سقط المتاع، فعندما دارت الأيام دورتها، ومثلوا أمامه صاغرين مخذولين ساءلين الطعام والغلالَ، لم يعيّرهم، ولم يوبخهم، أو يُرجعهم باسطي أيديهم، بل ولم يذكّرهم بما فعلوه، واكتفى بقوله: “قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه” وعفّ عن ذكر إساءتهم، بل، والتمس لهم العذر فقال: “إذ أنتم جاهلون“، وحينما طلبوا منه المغفرة، ما تردد وقال: “لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم“.
وأخيرًا أحسن إلى والديه مع اختلاف الٱراء في والدته رحيل، هل كانت حيةً وقتها، أم ماتت عند ولادتها بنيمين، أم كانت خالته (ليئة)، والعرب كانت تسمي الخالة والعمة أمًّا، فالٱراء هنا كثرة، ولا تشغلنا، ما يشغلنا فعلُ نبي الله يوسفَ عليه السلام.
فالعبرة من القصة أن نحاول أن نحسن إلى من أساء إلينا، وكما قال تعالى: “وإنها لكبيرة إلا على الذين هدى الله“.
إن الجارية التي سكبت الماء على سيدها دون قصد، فنظر إليها مغضبا، بادرته قائلة: “والكاظمين الغيظ” قال: ” كظمت غيظي، قالت: “والعافين عن الناس” قال: عفوتُ عنك، قالت: “والله يحب المحسنين” قال: أنتِ حرة لوجه الله.

وأختم بقول الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبدْ قلوبهم

لطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ.

وتقول الحكمةُ: الناس عبيد الإحسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى