أصغاث صحوتي.. قبعة الياسمين (9)
منال رضوان | أديبة مصرية
لوحة الفنان محمد رضوان
كنت في الخامسة عندما قررت أمي أن تصطحبني إلى حديقة الحيوان- لا أذكر هل هي زيارتي الأولى أم لا – كَومْة من الحلوى والأطعمة تكفي عشرة أشخاص، استغرق إعدادها الكثير من الوقت قبل أن تنظر إليها في اطمئنان يعوض شعورها بالوحدة، بينما أمسكت بأطراف أصابعها السمراء الطويلة ونظرت إليها النظرة ذاتها، اتجهنا إلى الحديقة وكان الشرط الأول لأمي ألا نقترب من بيت الأسد، لم أكترث بل وافقتها على الفور؛ فلم أستمتع بهذه الرحلة على الإطلاق ، أزعجني وأنا في تلك السن الصغيرة أن تكون هذه الكائنات الطيبة حبيسة بداخل هذا الكم من القضبان الصدئة تعاني صراخ الصبية وهم يقذفونها بأطعمة بدت كالحجارة أو أشد قسوة، كما تعجبت أن أمي التي دأبت على تعليمي أن الحيوان يشعر ويتألم ويجب أن نعامله برفق، هي من تحضرني إلى ذلك المكان العجيب، والحقيقة إلى الآن لا أفهم المغزى أو المتعة التي نتحصل عليها عند مشاهدتنا لكائن حبيس مذعور منتزع من بيئته ليرفه عنا! أي ترفيه في هذا؟
ربما لم يكن عمري وقتها يسمح لي بتفسير سر هذا الضيق؛ لكن الشعور المتبقي بداخلي هو ما جعلني عقب هذه الأعوام أدرك أسبابه.
ويبدو أن أمي لاحظت انزعاجي فقررت أن نتجه إلى الجزء المخصص للملاهي؛ لنقضي بعض الوقت قبل العودة.
ها هي أرجوحة مستديرة مليئة بالمقاعد، وضعتني أمي بداخلها إلى جانب فتاة صغيرة ترتدي قبعة بيضاء من الخوص، كانت فتاة جميلة مازلت أحفظ القليل جدًا من الرتوش عن ملامحها، ابتسمت أمي لها وسألتها عن اسمها،
-ياسمين.
– اجلسي أختك إلى جانبك يا ياسمين، ولخجلي لم أنطق فجلست صامتة خائفة؛ فهي المرة الأولى التي سأجرب هذه الآلة العجيبة التي تدور بلا هدف.
لكن الفتاة لكزتني في رفق قائلة لأمي:
(شيليها. شيليها من هنا، هاتقع شيليها) صدمت أمي من رد فعل الصغيرة، والغريب أنها امتثلت لقول ياسمين، التي لا نعرفها وأنزلتني قبل أن يدير الصبي المسؤول اللعبة، وما هي إلا خطوات قليلة حتى سمعنا الصراخ فعدنا لنجد ياسمين أسفل محرك هذه اللعبة البلهاء ووالدها يحاول حملها بعد إخراجها ويهرع لإسعافها، خرجت أسرة ياسمين والتي كان من المفترض أن أكون مكانها – لولا لطف الله بوالدتي- تاركين قبعتها على الأرض، تلك التي التقطتها أحد الشباب وارتداها وهو يبتسم في غير اكتراث وأمسك بيد صديقه ليكملا رحلتهما الترفيهية!
أخذتني أمي على الفور إلى المنزل آسفة عما سببته لنا تلك الرحلة من ألم، وقررنا بعد ذلك ألا نغير خطتنا المتواضعة للترفيه، فكان يكفيني زيارة إلى وسط البلد، وتناول الأطعمة والمثلجات ثم العودة جالسة بجانب شباك “ترام الرمل نمرة ١”