لو سألتموني يوماً كيف جاء ومتى رحل؟
عالية ميرزا | شاعرة عراقية – السويد
لو سألتموني يوماً كيف جاء ومتى رحل؟
سأقولُ لكم: مثله يأتي مارداً ليحتل.
وسأهمسُ: لكنني أغريته بدفئي،
غطيته بالياسمينِ، وأسدلتُ عليه الروح ستاراً.
غافلهُ الوقت، فغفى.
أغريته بالتفاح، ليغرق في نهر شهدِ،
ويلملم رحيق التينِ من بين أصابعي.
جاءَ يبحث عن ظلي،
ويعتصم في وجودي،
يتسلق كاللبلاب ثنايا الروحِ.
جاء ليقرأ أبجدية أنوثتي،
يحفظها عن ظهر القلب،
يرددها حين يولي بوجهه، صوب محرابي،
ليحي كرنفال العشقِ.
جاء تواقاً ليشرب الخمر من شفتي السفلى،
ويتيه في خطوط العليا.
جاء يحمل كل أزاهير الكونِ، لينثرها على جسدي، وينتظر بلهفة الطفل، ثم يجمعها ليزين بها زوايا غرفتي.
جاء نديماً وسامراً يقص على مسامعي حكايات العشقِ المجنونة.
جاء يحمل ندى الجبينِ ورائحة القمحِ، ليهزم مواسم الكساد من روحي.
جاءني بفضول وشغف العشاق، ليتعلم كيف يجمع لي الورود الصباحية،
لأبدأ بها يومي، ليتعلم كيف ينثر المسك في المساء على وسادتي،
لأستحضره في حلمي وهلوساتي.
جاءني يحمل عمره على كفٍ، وشوق السنين على الأخرى.
يطرق باب قلبي بنزق الأشقياء، وصبر ذلك الذي يسمى أيوب.
يحمل معه ذكرياتي، فرحي المؤجل، وأحلاما نفيتها من خيالاتي.
جاء يحمل في كفه حبات قمحٍ ليطعم أسراب الحمام المحلق،
في مدينة أوجاعي،
ليمسك بيدي،
ويجوب بي مذهولة في أزقات شهواتي،
ويستذكر عبق عطري العالق منذ دهورٍ في خلاياه.
آهٍ… أبَعد كل هذا تسألون إن كان قد رحل؟
مثل يأتي ولا يرحل .