العين الساهرة للوبي الإسرائيلي تُحرِّم تغيير الموقف
سعيد مضيه | مفكر فلسطيني
لن تتوفر للمؤتمر الدولي كلمة سحرية “افتح ياسمسم” وتنزاح الصخرة عن الكنز الموعود. التفاوض أو المؤتمر ، محليا كان أم دوليا، لا بد وأن يعكس توازن القوى على مسرح الصراع؛ وبصدد الصراع حول فلسطين، الذي بات قضية دولية نظرا لمواكبته الهيئة الدولية منذ إنشائها، ونظرا لكون العدالة مفقودة في نظام القطبية الأميركية، فان النظر بالقضية، رغم وضوح تطابقها مع القانون الدولي، يأخذ بالاعتبار درجة خطورة التوترات الناشئة وتوازت القوى بين طرفي نزاع هبط مع التنسيق الأمني الى خلاف. قالها كيسنغر ذات مرة: اخلقوا مشكلة حتى نتدخل! و لا تملك دولة مشاركة، باستثناء الولايات المتحدة الأميركية، سلطة تفرضها على إسرائيل.
يحسب للقيادة الفلسطينية رفضها صفقة القرن ، وتحديها لترمب، حتى وهو يهدد بالهراوة الفاشية دول المعمورة قاطبة؛ لكن المراوحة عند الرفض الكلامي لممارسا ت إسرائيل المدعومة من قبل الإدارات الأميركية لا تشكل رصيدا يحسب له حساب؛ والتنسيق خفض الصراع لمستوى خلاف بين طرفين. الوضع هادئ وما من أزمة تستحث عقد مؤتمر دولي. ربما ينهار التنسيق الأمني، لأنه مهين للكرامة الوطنية، إذ يضمن أمن احتلال ومستوطنين يعيثون خرابا كل يوم ، أجل ربما ينهار تحت ضغوط انتفاضة شعبية ترفض حمابة عمليات التدمير المتواصل للبيوت والمزارع ونهب الأرض واصطياد البشر وكل الممارسات الإسرائيلية الهمجية . حينئذ لكل حدث حديث.
يختزل الموقف الإسرائيلي تصريح قاضية المحكة العليا في إسرائيل ياعيل فلنر، عارضت قرار المحكمة العليا الإسرائيلية بمنع هدم بيت أبو بكر في بلدة يعبد . بررت رأيها ضد القرار بالحاجة الى “جعل الفلسطينيين يفهمون مرة والى الأبد، فكرة أنه ليس لهم الحق في الوجود القومي في ارض اسرائيل، وأنه من المفضل لهم التنازل لليهود أخيرا في الصراع على هذا الحد والمغادرة بشكل طوعي مثلما حدث في العام 1948″.
مفارقات تضع العالم حيال حالة فريدة في بابها: احتلال دام أربعة وخمسين عاما خلالها ، تغول في اغتصاب الأرض وشيد المستوطنات دون مقاومة تردع أـو تَحدٍ يعرقل، فتت الضفة الى بلدات ومدن وبعض أريافها الضيقة معزولة ومتناثرة؛ الضحايا ينسقون لحماية الاحتلال ومشاريعه ويستنجدون بالمجتمع الدولي كي يصد عنهم تطاولات الاحتلال التي يتولون حمايتها. احتلال يتلقى الأمن ممن يفترض فيهم المقاومة ، وتنهال عليه مكاقئات تشجيعية من دول عربية وغير عربية.
طبيعي ضمن هذه المفارقة، وكما يفيد المطلعون ، أن إدارة بايدن لن تغامر برصيدها السياسي وتجلب عليها غضب اللوبي الإسرائيلي. وا لإشادات المتتالية بالرئيس بايدن، لن تنفخ فيه المروءة والشهامة للانتصار لحق مضيع وإصدار الأوامر لإسرائيل بالتوقف عن جرائم الحرب والانسحاب من اراضي الدولة الفلسطينية. لن يلتزم بايدن بالموقف الذي اتخذته إدارة أوباما حين امرت مندوبها بتمرير قرار مجلس الأمن رقم 2334، الرافض لسلب الأراضي والاستيطان. في الحال كفرت إدارة أوباما ، حيث قررت هبة إضافية لإسرائيل مقدارها ثمانية مليارات دولار . والولايات المتحدة تمر حاليا بأزمة مالية واقتصادية حادة وتكابد وباء كوفيد 19 ، وهذا يكفي لتعطيل الانشعال بقضية قد تسبب الصداع. لن ينظر بايدن بالتقدير والاحترام لاقتراح “العمل معا لإقرار السلام في المنطقة والعالم”؛ ولا يظن عاقل أن مشروع بايدن لتسوية الدولتين ينطوي على دولة فلسطينية ذات سيادة قابلة للنمو على أراضي 1967. ومهما يكن فانشغالات الرئيس الأميركي كفيلة بتاجيل النظر في حالة لا تؤرق غير الضحية، ولا تؤثر سلبا على المصالح الأميركية.
النشاط السياسي مسرحية أحالت الميديا المصورة العالم كله متفرجين ومراقبين. إذا نجحت المساعي لعقد المؤتمر الدولي حول فلسطين، ربما يعقد على مستوى غير مقرر ويصدر بيانا مبهما يفسر لصالح رغبات متضاربة، ليبفى مسار القضية رهنا بتوازن القوى . وقد يعقد مؤتمر على مستوى، سوف يمثل نتنياهو في البداية دور المعارض المماطل، وخلف الكواليس ينتزع الضمانات بان لا يغلب على أمره في المؤتمر. يتظاهر حينئذ بالإذعان ويحضر المؤتمر مطمئنا للوعود الضامنة؛ وأيا كان المشاركون، فالدبلوماسية الأميركية ستلعب دور عراب رشوة تنازلات جسيمة ٌتقدم لإسرائيل. بالنتيجة سوف يخذل المؤتمر الحقوق الفلسطينية. الثقل الفلسطيني غير وازن ، والمؤتمر الذي طالما حثت عليه القيادة الفلسطينية أسفر عن مغامرة غير محسوبة. حينئذ، إما أن يتجرع الطرف الفلسطيني الكاس المر، أو يرفض ويتكرر ضده مثال كامب ديفيد الشهير خريف2000 ، الفلسطينيون لا يريدون السلام، و ليس لإسرائيل شريك في عملية السلام!
لقد أضفيت هالة مبالغ فيها على بايدن، لأنه خلف لسلف كريه؛ لكن سجله السياسي نقيض للنزاهة والعدالة. بايدن لم تعرف عنه النزاهة والعدالة كي تعلق علية الامال العريضة . حقا ليس بايدن مثل ترمب مريضا نفسيا فاشيا وحاقدا؛ لكن بايدن ضم في إدارته حشد كبير مؤثر من الصهاينة وأصحاب السوابق في التحريض على غزو العراق وأفغاتستان. وعد بايدن نخبة مانهاتن المتبرعة لحملته ان “لاشيء سوف يتغير بصورة جذرية” عندما يصير رئيسا. وتصريحات وزير خارجيته واضحة وصريحة؛ لن يخرج عن الخط المرسوم للإدارات الأميركية فيما يتعلق بالصراع حول فلسطين. وحيث المحافظون الجدد يتوزعون على الحزبين الرئسين، ولا يضعون بيضهم في سلة واحدة ، فقد دخلت في إدارته فيكتوريا نولاند نائبة لوزير الخارجية للشئون السياسية. ولا بد إلا أن يكون ثقل لرأيها حول الموضوع الفلسطيني. هي زوجة روبرت كاغان، كبير منظري المحافظين الجدد، داعية الحرب المشهور . عرف الزوجان بحماسهما الشديد لنشر الأكاذيب المحرضة على غزو العراق عام 2003. تساءل المؤرخ الأميركي غاري لي أب، أستاذ التاريخ بجامعة تافت: “لماذا تقدم يهودية وصهيونية زوجة شخصية يهودية وصهيونية متنفذة، على التعاون مع فاشيين أكرانيين سفكوا الدماء اليهودية؟ لماذا تلزم دولتها بهذا الموقف المشين؟” أوعزت نولاند الى جيوفري بيات، السفير الأميركي في بولندا ، التعاون مع أوليه تيانيبوك، زعيم حزب سفوبودا النازي، وأحد ثلاثة زعماء اوصت بهم نولاند، وكلهم يمجدون ستيفان بانديرا، عميل الغوستابو الذي طارد اليهود الأكرانيين أثناء الاحتلال النازي. لم تجب نولاند على سؤال وجهته عضو الكونغرس ،دانا روهر باخر ، اثناء استجواب ، الا يوجد فاشيون في أكراينا ؟” الفاشية الأكرانية مفيدة للولايات المتحدة الأميركية، في مسعاها لتمديد حلف الأطلسي العسكري على الحدود الروسية. ويحق التساؤل أيضا: اليس في ذلك فضيحة للصهاينة تثبت كذبهم ورياءهم إذ يحيون كل عام ذكرى ضحايا الهولوكوست؟ اليسوا بذلك يتطفلون على ذكرى الهولوكوست؟!
عرف بايدن بصياغة القوانين التي جعلت من الولايات المتحدة دولة بوليسية. بعد تفجيرات 11 أيلول 2001 برز جو بايدن ترزي قوانين الامبراطورية من أجل دولة تراقب شعبها، كما كتب صحفي التقصي جوناثان كوك. حسب تعريف موسوليني للفاشية، بأنها اندماج الشركات الكبرى بسلطة الدولة فإن قانون باتريوت الذي صاغه بايدن يخول الحكومة الفيدرالية، وليس مكتب التحقيقات الفيدرالي وحده، الدخول الى المعلومات التي تجمعها منابر الميديا الاجتماعية و خدمات الانترنت. بذلك حوّل الميديا الاجتماعية مخزنا لمعلومات القمع السياسي. وقبل ذلك في العام 1994 صاغ بايدن قانون الجرائم، حسب طلب الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون. جلب القانون العنف السياسي الفظيع على الجماهير الفقيرة والملونين والأقليات. منح القانون الشرطة سلطة الاعتقال بناء على الشبهة، حيث يقدمون للمحكمة دون ان تثبت عليهم جريمة . المحاكم الأميركية تدخل في مساومات مع المتهم الجاهل للقوانين ولعواقب الاعتراف بجريمة لم يقترفها ، وحين يصدر الحكم القاسي يتعذر الاستئناف نظرا لارتفاع التكاليف. وفي كاليفورنيا نزلت مظالم بالفقراء علي يدي المدعي العام، كمالا هاريس، مستندة الى قوانين بايدن؛ نالت بفضل سلوكها جواز مرور الى مجلس الشيوخ، ثم الى منصب نائب الرئيس. أوجد بايدن في اميركا أكبرعدد من نزلاء السجون في العالم، معظمهم ضحايا التمببز العنصري. وحدث مرارا أن تطوع محام للتدقيق في قضية سجين وانتزع براءته بعد أن أمضى عقودا داحل السجن.
المجتمع الأميركي حافل بنوابض الفاشية والفرق ضئيل وهامشي بين الليبرالية الجديدة والفاشية’، حتى أنه درج في الأدب السياسي بالولايات المتحدة تعبير فاشية الليبرالية الجديدة. وسوف يضطر بايدن لأخذ فاشية ترمب في الحسباان. سوف يتعرض لضغوط الترمبية ، حتى لو أدين ترمب وحرم من الترشح للرئاسة. سيكون بايدن محاطا بفاشية الترامبية، المكلومة والممسوسة بجنون الانتقام. الترمبية لاتقتصر على شخص ، إنما هي حركة لها جذور عميقة داخل الولايات المتحدة. أشار مارك بروجينسكي، محرر موقع ميدل إيست الإليكتروني المتوقف بسكتة دماغية منذ قرابة العام : ما لا يمكن المبالغة فيه أو تجاهله ان نجاح ترومب الانتخابي جاء نتيجة تراكم سلسلة طويلة من الهجوم ضد الديمقراطية ، وان حضوره في المشهد السياسي الأميركي قد وضع الديمقراطية على المحك. في تعليق مقتضب كتب يقول:
“يعكس انتخاب ترومب جانبا هاما من اميركا؛ هذا الجانب معروف جيدا( ولو ان تفاصيله غير معروفة تماما) فقد تغذى من فساد الطبقة السياسية وحدبها على منافعها الخاصة ، إنها جماعات الضغط والمتنفذون من ملأ السلطة، الى جانب الميديا الرئيسة في الولايات المتحدة. والكثير من معالم “الاستثنائية” الأميركية وذهنية القتل وفدت من السيكولوجية العميقة التي يحرص ترومب على تمجيدها وتغذيتها لكي يستثمرها” .
أجل استثمر ترامب عناصر فاشية في الدولة تعهدها بالرعاية. الترمبية تشكيلة سياسية جديدة، تندمج فيها عنصرية تفوق البيض وقمع الناخبين، والسلطوية سوف تبقى مدة طويلة بعد ترك ترمب البيت الأبيض. قابل ترمب بالرضاء التام فتك فيروس كوفيد19 بالمسنين والفقراء وأحياء الملونين والمهاجرين. القتل العمد من اجل التطهير العرقي له جذور ممتدة عميقا في تاريخ الاستيطان بالقارة الجديدة.
تحتفظ صفحات نيويورك تايمز بمضمون مقابلة عام 1923مع مارغريت سانغر، مؤسسة جمعية تحديد النسل الأمريكية، تحدثت فيها عن المعنى الحقيقي لتحديد النسل كما تراه: “تحديد النسل ، إنه الإلغاء التدريجي، الافناء، وربما الاستئصال، للمخزونات الفاسدة، تلك الأعشاب البشرية التي تهدد تفتح أرقى الأزهار في الحضارة الأمريكية.” التصريحات العنصرية بالغة القذارة مضمنة في كتابها “المرأة والعرق الجديد” الصادر عام 1920.
أفكار سانغر هذه كانت جزءا من تيار فكري اعتبر أنه “علم” وأسمى نفسه “علم تحسين النسل Eugenic. “، منه استقى هتلر أفكاره العنصرية وساهم مثاله السيء قي القضاء على هذا العلم الزائف، وغيرت الجمعية اسمها عام 1942 إلى “جمعية تنظيم الأسرة” الأمريكية. عمل فيها زوجان قدما خبرتهما لولدهما بيل جيتس . في ضوء ما قاله بيل غيتس عن نشأته، وما قالته وكتبته مؤسسة جمعية تنظيم الأسرة، تجد أمثلة عليه في نشاطات وتصريحات بيل غيتس. مثل ما نقلته سابقا من محاضرة قال فيها أنه يريد التخلص من نسبة كبيرة من البشر (ما يعادل 900 مليون إنسان) بواسطة اللقاحات، ومثل تحالفه العتيد مع المنظمة التي مولت تطوير وإنتاج لقاح تحديد النسل، وهي منظمة تتفوق على جمعية تنظيم الأسرة في قذارتها، وقد تلقت من بيل جيتس مليارات الدولارات وتقود حاليا حملة نشر دين كوفيد 19 الجديد .
مثلما كانت سانغر تنتمي إلى تيار فكري، يعتقد أن بيل جيتس ينتمي إلى تيار فكري وليس وحيدا في ما يفعله. بيل غيتس وتياره الفكري هم النتاج الطبيعي لأفكار سانغر، أمثلة على ثقافة الفاشية تسري في عروق المجتمع الأميركي .أنصارهذه الثقافة مهووسون بتخفيض عدد البشر، استغلوا تغاضي ترامب عن كوفيد الجديد وهدفهم الباطني هو التخلص من أعداد كبيرة من البشر. وللأسف فهم يعملون بجد لتحقيق هدفهم ويحققون نجاحات متتالية.
كتب الأكاديمي الأميركي هنري غيروكس،”لا تعول الترمبية على السيطرة على مؤسسات الدولة ؛ إنماترمي أيضا الى التحكم باللغة وبالميديا وبالثقافة الشعبية . يمتزج فيها غلواء رأسمالية لا تعرف الشفقة ولامساواة متنامية والتزام بتفوق العرق الأبيض. ولهذه القوى جذور تاريخية عميقة. دمج هذا الخليط مع جهاز وقيم متخلفة من قسوة الرأسمالية لتقويض المؤسسات والقيم الديمقراطية.
نخلص من كل هذا أن بايدن ليس بالنزيه الحادب على العدالة، وليست الولايات المتحدة خالية من فيروس الفاشية يرجع نوبات الصرع الفاشي التي تنتاب السياسات الأميركية كلما عصفت بها الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. واللوبي الإسرائيلي أقرب الى الفاشية ويدعم خطط ترمب لاستيلاء إسرائيل على فلسطين بالكامل ، وهو مراقب يقظ على مدار الساعة لتصرفات الإدارة الأميركية تجاه الصراع على فلسطين.