نصان: عطشٌ قديمٌ و لا نهرَ للمدينةِ ..لا زورقَ فيها
عبد السلام العطاري
(لا نهرَ للمدينةِ ..لا زورقَ فيها)
وتبرأُ بقلقِك
باخضرارِ الماءِ كعينيها!
وتبرأُ بنفسِكَ
الأمَّارةِ بالحبِّ
بشهوةِ اغتسالِ النَّهرِ
بنهديها!
وتبرأُ بصوتِكَ
أغنية باحمرارِ شفتيها
وتقولُ: قبلتي وإغماضةُ عيني بعينِها
وتمضي بكَ الغفوةُ في غيبِ الكهفِ القديمِ
تنادي هذا الزَّورقَ المحمولَ في النّهرِ
روحُ امرأةٍ تركَ لي الظلُّ
ثوبَها الواشي بجمرةِ الجسدِ
والرِّيحُ حمَّلتني عطرَها
وأنا ألوكُ مرارةَ العبورِ
وأقبضُ على الظلِّ في ثوبِها
لا ظلَّ في ظلِّ الحُلمِ
لا نهرَ يعبرُ قلبَ المدينةِ …
لا زورقَ فيها
غير روحي العالقةِ بعشبِ النَّهرِ الذي كان!!
وشوكها يقبضُ على فمي
أكتمُ صرختي ونشيدي يعلو
بصمتٍ يمزِّقُ شفتيَّ
واللِّسانُ تكبِّلُه اللّهفةُ بصمغِها
وأنادي رؤيايَ …
أيقظني أيُّها العوسجُ
بوخزِ قلبي
ليسيلَ الشَّوقُ عطر نهدِها
وأتلوها قصيدةً على النَّهرِ
وما أبرئُ نفسي من قلقِها
والنَّفسُ أمَّارةٌ بالحبِّ وبالتعبِّ.
(عطش قديم)
لو كنتُ يساريًّا لحملتني فلَّاحةٌ بينَ يديها وركضت في منتصفِ النَّهارِ لتسألَني عن منجلِ الحصادِ في وعرةٍِ زرعَها أبي بالقمحِ والشَّعيرِ.
لو كنتُ يمينيًّا لحملني تاجرُ القماشِ على ظهرِه لأدلَّة على مغزلِ أبي وعن النَّسيجِ الذي ابتاعَه قبلَ الحربِ.
لو كنتُ شرقيًّا للفحتني دعوةُ جدَّتي خشيةَ أن يُصابَ الحقلُ بعقم ريحه واليباس يضربُ جذرَ خضرتِه.
لو كنتُ غربيًّا لحملتُ الرِّيحَ على كتفي، وجمعتُ الماءَ؛ غيمةً غيمةً، وغسلتُ قرميدَ حيفا، ومسحتُ عن وجهِ الحقولِ شقوقَ الظَّمأ، وأطفأتُ عطشَ بوارِها، وأضأتُ نجمةً على صدرِ يافا، وافترشتُ رملَ شطآنِها وغنَّيتُ لكِ، غنَّيتُ لكِ يا بلادي.