رزنامة

عبد الله رسم | اليمن

(1)السرطان:

يعتلي المنبر يتناول كتاباً جاهزاً لخطبة الجمعة يقرأ ديباجة الخطبة المعتادة يلج للخطبة الأولى يذكر في زهوا أن الأمة الوحيدة المتماسكة هي أمة الإسلام ويقول مفنداً الشيوعيين والنصارى واليهود وبقية الأمم متناحرة وغير مستقرة حياتهم..
أخير يحمد الله أن جعل هذه الأمة تحقن دماء أبنائها وتحافظ على حياتهم..
ختم خطبته بدعاء طويل بالهلاك والموت والدمار لليهود والنصارى وكل أعداء الدين..
أنتهت الصلاة لم يكد يدلف الباب حتى سمع أصوات تهز البدن وترعب السكينة توفت زوجته التي لم يجد لها ثمن جرعة الكيماوي عوضاً عن عدم إمتلاكه لما يسد به جوع أسرته النازحة
كان يقول في نفسه لو رجعت على المنبر لأ لعننكم يا أعداء البشرية يا أحقر شرذمة ياعرب ومسلمين بلا عروبة وبلا إسلام..!!

(2)نضال:
يمشي مسافة طويلة جداً بحذاء ممزق من وسط أرضيته ..ترك ندوباً في قدمه.. كان هذا يعيق حركته بالمشي لمدرسته البعيدة.. هو خرج طاوي البطن ليلحق بموعد الطابور الصباحي
ليسمع الأذاعة المدرسية التي أعدها طلاب الفصل الذي يرأسه عن يوم المعلم العالمي
في الطريق تشتد قساوة الطقس وتكشر الشمس عن أشعتها اللاهبة..
يدخل متأخرا في لحظة تحية العلم يقف في البوابة إحتراما للنشيد الوطني
يمشي نحو مكتب الإدارة والحافظة ملونة بالحبر الأحمر غياب يوم كامل ..
في عيده العالمي معلم منكوب في صفحة بؤس من صفحات الحرب اللعينة.

(3)خنفشار :

تجلس في فناء منزلها واجمة وهموم الأرض على رأسها تنظر لولدها المدلل ذلك الذي سنتعرف على سيرته بين السطور التالية
شريط من الذكريات يمر أمام الأم المغلوبة على أمرها…..
وجدت أبنها المدلل
^دخيل على عمل المنظمات يعتقد أن المظهر وحده هو الرسالة المجتمعية السامية ..أخذ الخروف الوحيد في حضيرة أمه العجوز الأرملة فآخر عنقودها مدلل على غير العادة ذهب به إلى السوق والدموع تذرف على خد الأم فرحة بصغيرها الذي شارف على العقد الرابع فهو نصير المستضعفين وأمل الكادحين باع الخروف وأشترى بقيمته بدلة وجزمة وصبغ شعره ليواري الشيب الذي أشتعل كالنار في الهشيم..
وأخذ شنطة من تلك التي تحمل على ظهور موظفي المنظمات الدولية وطلاب الجامعات والمعاهد العليا وهو لايمتلك (جهاز لاب توب) فقد ملأها بأوراق ولم ينسى أن يضع فيه أغراضه الشخصية مكينة الحلاقة ومشط ومرآه وشاحن وخازن كهرباء ونصف كيلو شمة سوداء وبدلة للتبديل بين لبس العمل ولبس التخزينة والأجواء الغير رسمية…

تهندم وجرب البدلة أمام أمه وجمع من النسوة قريباته ومن صديقات والدته اللاتي وعدهن بتسجيلهن في كل أستحقاق يخص النازحين والغلابى في مجتمعه المضيف ..
كان قد مر على هذا التجهيز للمهمة الإنسانية المرتقبة ثلاث سنوات و(قريندايزر )..!!

يجول في محيطه جولات ماكوكية وشنطته لاتفارقه حتى في المقيل مع أصدقائه
يتحامل على أوجاعه بسبب حمله لتلك الحقيبة بأستمرار لكنه مكابر فهو عضو منظمة يهتم بهندامه وشكله الخارجي فقط
وكذلك يشعر بتنميل في أصابع يده اليمني من كثرة مايكتب أسماء الناس ويعدهم بالشهد والمكاسب الوفيرة فالمحافظ كلمه وجها لوجه وتارة لديه أمر بأستيعاب كافة المعدمين والمعوزين في معظم مديريات محافظته ..
ووقته ثمين جدا فهناك مهام جسام تنتظره في العاصمة وكثرت أستعراضته والناس عرفت أفكه وزيف ماينطق وملت منه لكن البهلوان مستمر في غباءه ومدمن.للتغابي عن نقمة المواطنين والنازحين إتجاهه..
تلقى مرة صفعة قوية وهو يطرق باب فقير باع أسطوانة الغاز نظير تسجيله له في مستحقات الكاش التابع لمنظمة عالمية وكان قد مر على عملية النصب تلك سنتين خرج رب تلك الأسرة والشرر يتطاير من عيونه فتح فأذا بأبو شنطة وجنز بالباب فصفعه بكل قوته مما جعله يترنح ويسقط مضرجاً بدمه رفعه بعض المارة وصاحب البيت يستشيط غضباً وصفق الباب بقوة صائحاً ومحذراً للمعتوه من تكرار الوقوف في بابه..
عند عودته للبيت بعد أسبوع من الغياب
قال لأمه المسكينة أنها أصابة حرب فقد أخذه مسؤول جهادي للجبهة ليلقي محاضرات دعم نفسي للجنود وجاءتهم قذيفة من العدو تطايرت شظاياها وأصابته أحداها أصابة بليغة لكن قوة تحمله عجيبة فهو العجب بذاته….!!!

(4)الشهيد:

انظري إليه يالجماله الساحر.. وكزت زميلتها في الطابور الصباحي وفي همسا يكاد يشعل خمس.. فتحت فمها ببلاهة ياااااه من هذا القادم الجديد جائهم من الخلف صوت تلك الزميلة التي يطلقون عليها جهينة لأنهم يجدون عندها تفسيرا لكل شيء لتعدد مصادرها الأخبارية وشبكة مراسليها على منصات التواصل الإجتماعي فهي أشبه ماتكون وكالة أنباء بشرية قائلة لهم في ثقة هذا أحمد الطالب الجديد وزميلنا في ذات الفصل الدراسي أنه من القرية المجاورة تم نقله عندنا يقال أنهم فصلوه بسبب إفتتان الطالبات به وبشخصيته وذكائه وهو يجيد الألقاء كالمذيعين وصوته جميل ويعرف يختار الوان ملابسه بعناية والعطر يفوح منه بشكل مثير، سمع المشرف على الطابور الهمس في آخر طابور الفصل العاشر ماهذا؟ من يتكلم أسكتوا وإلا عاقبت الفصل كاملاً..
أسرت لزميلتيها بإن للحديث بقية
أخذ معلم البدنية يرحب بالضيف الجديد وطلب منه إن يلتحق بالطابور ليستمع للإذاعة المدرسية التي كان الدور في إعدادها وتقديمها على فصله العاشر..
خرج جميع الطلبة المكلفين ولم يحضر مقدم البرنامج يتسائل المعلم أين زميلكم المكلف بهذه المهمة قالوا أنه مريض وللتو شاهدوا أحد أفراد إسرته يخرج من حجرة المدير وبيده ورقة أذن
لمهند حتى يتماثل للشفاء
المعلم يحث الطلبة على إيجاد البديل بأسرع وقت كل واحد منهم يتحجج بالآخر والعذر لديهم جاهز
لم يكتبوا المقدمة في ورقة ويتدربوا على قرائتها ..كان هناك طالب من نفس طابور الصف يرفع يده أنه على استعداد للقيام بالمهمة لكن كيف سيقدم وهو لم يعد برنامجه الخاص بهذا اليوم
يخرج بكل ثقة ويصعد على المنصة ويرتجل ديباجة التقديم بصوت شجي ونبرات متناسقة كان يعرف مايقول..
وبه طاقة غير عادية من غير المتكرر في مدارسنا أن تجد بمثل هذا الفتى الجديد
أبهر الجميع بأسلوبه وبلاغته وحسن نطقه للكلمات أخذ بتلابيب القلوب أحدث دهشة لدى الجميع
ودهشة مضاعفة في قلوب الفتيات صدى كلماته يدوي في جدران المدرسة ويرجع مجلجلاً في كيان أحداهن بل أخذ صوته بمجاميع فؤادها..
صار حديث الساعة ومحط أنظار الطالبات أفصح ذات مرة لمعلمه عن رغبته في الالتحاق بكلية الإعلام
كان شغوفا بكل ماله صلة بمهنة الإعلام. .تمر الآيام والشهور وتتبعها السنين يتخرج أحمد من المرحلة الثانوية
تأتي الحرب ..تعصف بإحلام الفتى الطائر فوق غيم السماء فهو الذي ردد منذ اليوم الأول لدخوله مدرسته الجديدة رفرف عزيز ياعلم ياطلاب الجمهورية اليمنية هذا علمكم يرفرف في سماء الوطن فحيوه معي قائلين
وهم يرددون بعده في أكبر صيحة شهدتها المدرسة منذ تأسيسها كيف لا وأحمد هو فارس الإذاعة المدرسية
ماعاد للنشيد وقعه ولا تتحرك مشاعر الشاب اليافع نحو المستقبل أنطفئت بداخله جذوة التفائل بغدا مشرق الحرب لاسواها تأخذ حيزا كبيرا من أهتمامه كعاشق للوطن ومحباً للراية الخفاقة على ربوعه في سمو ورفعة تتهاوى أمامه وتدنس تحت ركام المباني المدمرة والمدارس المحطمة والمختلطة بإشلاء الضحايا من الأبرياء العزل ..
في صور مؤلمة زادت من نفور أحمد من شبح الحرب النفسية وتأثيراتها
كالقلق وترقب المجهول والمصير المحتوم تحت وابل من شظايا طائرات الجو وبارجات البحر
عزم الأمر وقطع عهدا على نفسه لن يجلس في البيت ينتظر دوره في حفلة الشواء التي تمنحها الF16دونما رادع من الأرض المحروقة لامضاد يسقطها ولا قناص يطالها في علوها السافر المميت
قرر الذهاب لملاقاتها بجسد غض وبنية ضئيلة وبشجاعة منقطعة النظير بسلاحه الرشاش بأحدى جبهات الحرب وقف في الصفوف الأمامية يحمل هدفه السامي بتنفيذ هجوم كاسح لدحر الغزاة عن بلاده تمكن في بسالة من صد هجوم العدوان وتقهقر العدو للخلف وأنكشفت نقاط ضعفه فانقض عليه المحاربون في إستماتة تخلع قلوب الخصوم من صدورهم كر لا هوادة فيه في غارة ملؤها الجبروت على خصم تحمي إنكساره طائرات نفاذة وتصد عن ظهورهم بارجات لاتعرف سوى الإبادة الجماعية
ففي غارة مضادة قدمت تكسر حاجز الصوت وترعب الآمنين
بهديرها طائرة مخصصة بتنفيذ مهمتها الموكلة إليها كان أحمد ضمن الرتل المتوغل في صفوف العدويخطو فيسحق الهوان يسرع فيقضي على اليأس يركض فتنتهي مشاكله مع القلق والإنفصام
بضغطة زر أنتهى كل شيء آلة الموت تحصد أرواح من كان في الرتل المنتصر تذوب الأجساد وتتحلل الأشلاء ويسدل الستار…..!!

عزرائيل معلناً تحرير أحمد من أحلام الدنيا للأبد..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى