أنواع الحب الخمس فى شعر ثروت سليم

د. رضا عبد الرحيم | ناقد وأديب مصري

اتاح القرآن الكريم للفصحى خصائص جمالية خلدت فيها بخلودها، الذى ظل على توالى الأزمان يحميه. وبذلك ثبت فى التراث الأدبى أول مقوم أساسى من مقومات وحدته، وهو الفصحى المعربه الناصعة ذات الخصائص الجمالية البديعة .[1]

يضاف إلى ذلك العاطفة التى منح الشعر صفة الخلود،فالعلم الذى كان فى زمن أبى الطيب مات وبقى شعره، لأن العلم خاضع للعقل. العقل سريع التغيير حتى فى الإنسان الواحد من صباه إلى كهولته، فقد يرى اليوم رآيا ثم يرجع عنه فى غده، أما العواطف فلا تتغير إلا قليلا، فهى ثابتة فى جوهرها عند جميع الأمم.[2]

فعاطفة الحب مثلا موجودة عند الأمم المختلفة، وفى كل العصور وإن اختلفت طرق التعبير عنها.. وفى ديوانه المعنون بـ:”لغة الحب” نتلمس معانا جديدة لـ سموُ الحب، وصدق عاطفة الشاعر وقوتها واستمرارها وتنوعها وانسانيتها.

فالشعر هو ما أشعرك ،وجعلك تحس عواطف النفس إحساسا شديدا – لا ما كان ملغزا أو يحمل خيالات متناقضة وتشبيهات فاسدة – فالمعانى الشعرية هى خواطر المرء وآراؤه،وتجاربُه وأحوال نفسه،وعبارات عواطفه.[3]

وإذا كانت العواطف أساسا من أسس الشعر،فما هى المقاييس التى يمكن أن نقدرها بها؟رأى بعض النقاد أن هذه المقاييس تتمثل فى صدق العاطفة وقوتها واستمرارها وتنوعها وانسانيتها”تساميها”أو ضعتها. [4]

حُب اللغة العربية:

 استشعر الشاعر ثروت سليم سر جمال الله فى لُغة عظمى(اللغة العربية)،اقتبس من جمالها التبر والماس..يقول فى قصيدته “لغة الحب”:

والحب سر جمال الله فى لُغة

عُظمى تجمل منها التبر والماس

وجسد عشقه لحروفها بعشقه لقرض الشعر..يقول:

والأبجدية سر الحب فى لُغتى

فالشوق حبر..وخد الورد قرطاس

ومن قدسية الحرف عند الله جعل الله له حُراس. وهكذا يتغزل شاعرنا فى اللغة غزلا عفيفا/صريحا كعاشق للكلمة والحرف.

حُب الله:

ويتجلى هذا الجانب الصوفى من شخصية الشاعر ثروت سليم،وهى شخصية الصوفى/الشاعر أو الشاعر/الصوفى، ففى قصيدته “إمارة الشعر” يقول:

الشعر صوت الله حين يهزنى

فأرى الضياء بحالك الظلماء

وهذا حال الصوفية مع الحب الإلهى مثل ابن الفارض والحلاج وابن عربى وغيرهم من شعراء الصوفية،ويأمر قلبه أن يسير نحو الله،ويجعل من الحب فى الله ميثاق ونبراس فنجده يقول:

وسر بدربك نحو الله فى قبس

فالحب فى الله ميثاق..ونبراس

ثم يمتدح الهيام فى حب الله قائلا:

والهائمون بحُب الله قد وصلوا

ما هزهم عن طريق الله وسواس.

وفى قصيدته”الحب السرمدى” يُعلن عن حبه الإلهى زاهدا فى كل حُب سواه فيقول:

دعنى أطوف كما الدرويش فى وله

لكى أرى قلبى المنصور مكسورا،

ويختتم القصيدة قائلا:

أصبحت يارب عبدا فى محبتكم

وبت عبدا وفى نعماك مغمورا.

كما ستدهشكم صوفيته فى قصيدة”خمر الحُب” وهو يقول:

وسكرة الروح فى معراج بارئها

كخمرة الحُب بين البيت والحرم.

حُب الرسول(صلى الله عليه وسلم):

يضم الديوان أكثر من قصيدة فى مدح خير الآنام سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، منها قصيدة “إلا تنصروهُ”،”الصلاة على النبى”،”على باب الحبيب المصطفى” وهى جميعها تعبر بصدق عن نشأة وثقافة دينية رفيعة وتؤكد على ما ذهبنا إليه من صوفية الشاعر الغالبة  عليه . ومن قصائد حبه وعشقه للحبيب “صلى الله عليه وسلم” نختار أبيات قليلة من قصيدة “على باب النبى”:

بباب المُصطفى أطرقتُ سمعى

وعند مقامه قد رق دمعى

هُناك حيثُ فى جنبى سرُ

يدورُ بمُهجتى والحُب طبعى

وحبك يارسول الله نُور

أنار بصيرتى ..وأضاء شمعى.

حُب الوطن:

لا تقف مشاعر الشاعر ثروت سليم محايدة وهو يشاهد الخطر يحيق بوطنه مصر..وهو المؤمن بأن للشاعر دورا لا يقل عن المحارب بل يبزه أيضا فهو القائل:

أنا شاعر ومُقاتل وفدائى

والشعر صاعقة على أعدائى 

فنجده فى قصائده الوطنى المقاتل الذى يرى أن عدو وطنه هو عدو له شخصيا ،فيستل قلمه ملبيا نداء الوطن ،مدافعا عنه فى قصيدة “لا دين للإرهاب” قائلا:

يا أيها الإرهابُ وجهُك أسود

لا خير فى مستبشر بغُراب،

فاغرب بوجهك لن تُقيم بأرضنا

وتمُر بين الباب والمحراب،

مصرُ التى أعلى العلىُ مكانها

ستظل آمنة على الأحقاب.

وفى البيت الآخير من قصيدته “مصرُ العظيمة” يطبطب على جرح الوطن قائلا:

وعزاؤنا وطن يعيش بروحنا

وعزاؤهم بكلابهم أشلاء

وفى قصيدته”شهيدُ الوطن” يعظم الشهيد قائلا:

قُم للشهيد مهابة وجلالا

واضرب بسيفك قاتلا مُحتالا

ثم يوجه رسالة مباشرة لرئيس الجمهورية فى قصيدته”إلى سيادة الرئيس” مطالبا منه ردع اعداء الوطن قائلا:

هو الكفارُ لعنة كل عصر

ودون الردع ما لك من مناص

حُب الشعر:

قرض الشعر عند الشاعر ثروت سليم لا يتوقف عند الإفصاح عن مكنون نفسه،وخاصة مشاعره، بل يراه آبا له، والقصيدة آما له ،ففى قصيدته”غضبة الشعر” يقول:

 أبى هو الشعر لكنى هُنا بشر

أبكى وأفرح ما شاءت ليالينا،

هى القصيدة أمى كم تُعاندنى

حينا فأغضب أمى..وهى تُضينا

كما يبكينا فى قصيدته”إنى أتنفسُ شعرا” بوصف علاقته بالشعر كعلاقة بين متلزمين لا يفترقان أبدا حتى أنه يتمنى أن يكون الشعر رفيقا له فى حياته الآخرى أيضا فيقول فى محبة الشعر:

 هو بى يعيش كأن أنفاسى به

ويجىء فى حل وفى ترحال

ويختتم القصيدة قائلا:

هو لا يموت ولا اموت بغيره

وسندخل الفردوس دون سؤال

حُب المرأة:

كانت المرأة وما زالت نواة لكل شعر رومانسى على مر العصور ،لكنى اتوقف فى ديوان “لغة الحب” –الذى يضم قصائد كثيرة فى حب المرأة- عند قصيدة “إنى أحبك لكن لا تحبينى” وخاصة عند البيت الأخير الذى يقول فيه صراحة دون مواربه:لك الحياة وفى عينيك أغنيتى..أبقى أحبُك..لكن لا تحبينى والشطر الثانى هو عنوان القصيدة نفسها وأتعجب !!

فابن زيدون يقول:

أضحى التنائى بديلا من تدانينا

وناب عن طيب لقيانا تجافينا

 وهى آية من آيات الشعر الأندلسى فى روعة موسيقاها، ولما بث فيها ابن زيدون من حنين ظامىء إلى صاحبته،حنين لا ينطفىء جذوته،وقد صاغها على نمط قصيدة البحترى:يكاد عاذُلنا فى الحب يُغرينا..فما لجاجُك فى لوم المحبينا..فهى التى ألهمته إرناناته ونغماته وتصوير حنينه وحُرقة فؤاده ولوعته.[5]

وما لا يحتاج إلى بيان فى رؤية شاعرنا ثروت سليم هو دور الشاعر فى الحياة ،ولو كره التافهون،فلم يكن الشعر يوما إلا ديوان العرب، إنه الإيمان بالكلمة الصادقة ودورها،وبالشعر صاحب القضية..والمتابع والمدقق لتجربة الشاعر المبدع ثروت سليم لابد أن يتوقف أمام هذه الإمكانيات الفذة. فلشعره خصوصية وجاذبية، ولعلاقته باللغة فتنة،وغواية تقتنص كل من اقترب من إبداعه الشعرى.

المصادر والمراجع والإحالات

[1] شوقى ضيف،فى التراث والشعر واللغة،دار المعارف المصرية ،القاهرة 1987،ص ص 11-24

[2] أحمد أمين ،النقد الأدبى ،مكتبة النهضة المصرية ،القاهرة 1972،ص ص 1/22-23

[3]  عبد الرحمن شكرى ،دراسات الشعر العربى،مراجعة محمد رجب البيومى،الدار المصرية اللبنانية،القاهرة 1994،ص ص17-20

[4] محمد الصادق عفيفى ،النقد التطبيقى والموازنات،مكتبة الدار البيضاء 1972،ص ص 29-30

[5] شوقى ضيف/المرجع السابق ،ص ص 37-38

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى