مع السائرين الى الله

هلال السيابي | شاعر ودبلوماسي عماني سابق

ألم يأن يا هذا المعنى ألم يان^
بأن تدرك المعنى الجليل من الشان

|||

وتعرف ما تحت السطور من الهدى
وتلمس من روض العلى كل فينان

|||

فإن وراءَ الأمرِ أو تحتَ سرٌّه
دقائق لمٌا يجلُها غير يقظان

|||

تحيٌر فيها الجمٌُ، لكنها هفت
لذي نهيةٍ مابين علم وايقان

|||

وظلٌت تَعَاطاها القرونُ، فواصلُُ
اليها، وثانٍ لم يكن قطٌُ بالداني

|||

تباعدُه عنها، ويبعدُه الهوى،
وذاك بروحٍ من ذراها وريحان

|||

فثمةٌَ فسطاطان من عهد أدمٍ
تَنازعها أهلُ الحياة بإدمان

|||

ومابعده فالله يقضي بامره
فإما غدُُ حامي الشكيمة أو حان

|||

ومن عجبّ لم يبصر القوم شخصها
وان كان أسمى من ثبير وثهلان

|||

حقائق مازالت مواثلَ بالحمى
ولكن حَماها الجهلُ عن كل حيران

|||

وباعدَها عن رؤية القوم بعدُها
ولو قد تجلٌت بين طه وعمران

|||

ألم يأن يا ابن الأرض أن تبصرَ السما
وقد مَثُلت للعين كالفلق الثاني

|||

وأن تجتلي من صفحة الشان سرها
وأن تتراءى الأمر رؤيةَ أعيان

|||

رأها أهيل الله رؤيةَ مبصرٍ
وأنت بأسر الذنب لما تزل عاني

|||

تنامُ وأهلُ الله في سبحاتِهم
يعجٌون عجٌاً بين ذكر وقرآن

|||

فمن واجبٍ قلباً ومن دامعٍ دماً
ومن مشرئبٍ ذاهلٍ غير يقظان

|||

إذا ما ظلام الليل أرخى سدوله
تقلٌد منه صاحباً غيرَ نعسان

|||

وقام مع الجبٌار، والناس هجٌُع
ومدمعه من حره أحمر قاني

|||

على ذاك سار السابقون ومن تلا
وفي ذاك هام المخلصون بإيقان

|||

سروا ونجوم الافق تحسب أنهم
ملائكة الرحمن من كل رباني

|||

فأوجههم من نورهم زهر أنجم
والبابهم من طهرهم عرف ريحان

|||

أقاموا على عتق الدٌٍنان، وما انتنوا
ولما يكن عنها لهم قطٌ من ثان

|||

لقد ركبوا البحر المحيط فوارساً
وعاموا به ما بين درٍ ومرجان

|||

وما قصرتهم همة عن مرادهم

ولا كبتِ الأجياد منهم بميدان

|||

ولم تختلبهم زهرةُ العيش لحظةً
ولكن أروها منهم وجهَ غضبان

|||

وراحوا إلى الرحمن أنوارَ أنجم
ورهبانَ تسبيحٍ وأنضاء فرقان

|||

تلوح بهم سيما الهدى وجلاله
ويسمو بهم عزاً على كل سلطان

|||

تهادَوا على القرآن مالهم سوى
موارده من منهل قط أو حان!

|||

ألا حيٌهل^ -يا ابنَ التراب- فقد بدا
لعينيك ما يغنيك عن كل برهان!

|||

ألم تكُ من هذا التراب وصائرُُ
إليهِ، وإن كنت ابن كسرى بن ساسان

|||

أجل أين ساسان وكسرى وقيصر
وأضرابهم من كل طاغ وشيطان

|||

ومالي وذكر الأولين وهذه
مقابرنا تنبيك عن بيتك الثاني!

|||

تيقٌظ ، فليس الأمر مزحة مازح
بمجلس لهوٍ، أو بمحفلِ عميان

|||

ولكنه شانُ الحياة ، جميعنا
نسير عليه، من شيوخ وشبان!

|||

وثمٌَ من الإحسان ما لو ذكرتَه
لما استسلمت للنوم عين لإنسان

|||

ولا قرٌتِ الانفاس في حشرجاتها
ولا فرحت نفس بجاه وسلطان

|||

فما ثمٌ إلا الملك يعلو لواؤه
على كل ذي ملك بما ثم من شان

|||

ستشهد حتى تملأ الافق صارخا:
“أعاين تسبيحي بنور جناني”

|||

ليفترق المراى فشاهد حضرةٍ
مقدسةٍ، أو شاهدُُ حفل عبدان

|||

تأمل فما حال الملوك وإن علوا
بهذي الدنا إلا كغمضة أجفان

|||

وهل شهدوا إلا من الأمر مرٌَه
إذا شهد السلاٌك أنوار رحمن

|||

ترقٌوا فكانوا كالملائك في الخفا
وإن ظهروا للناس في أسد خفٌان

|||

يخالون من فقر وعسر كأنهم
بقايا أناس دون روح وجثمان

|||

ولكنهم من نعمة الله مالهم
نظير، ولا مثل بإنس ولاجان

|||

بلى إنهم باعوا الحياة بدينهم
وشتان بين الخلد والمنزل الفاني!

|||

ومن يكُ ذا رُشدٍ رأى ربح تَجرهم
وأن سوى ذيٌاك صفقة خسران

|||

فإن تكن اصفرت جسومهم من

التهجد فالأرواح كالفلق الثاني

|||

وهل غير نصل السيف يحمد في الوغى
ولو أنه من غمده غير مزدان

|||

بهاليل قد زكٌى الكتابُ نفوسَهم
وطهٌرهم من كل رينٍ وادران

|||

قليل على الليل الطويل هجوعُهم
ولكنهم عند الضحى خير فرسان

|||

ليهنهم المشوار في رفرف الهدى
فقد قطعوه بين حسن وإحسان

|||

لعمرك ما أحلى الهوى وأجلٌه
إذا سرت في واديه عن قلب هيمان

|||

وأترعتَ من حان المحبة والصفا
كؤوسك حتى صرت في مستوى الحان

|||

ونوديتَ من طوبى ألا حيٌّهل إلى
مقامك هذا بين روح وريحان!

|||

تنادم أهل الله في حجراتهم
وتسعى مجدا عندهم غير ندمان

|||

هناك ترى ما لم تر العين مثله
ولا سمعت عن مثله أذن إنسان!

|||

أجدٌك لو تدري من الأمر بعضه
سريت إليه فوق ريح سليمان

|||

ونافست فيه النيرين سراهما
وزاحمت قاصي الكنٌَس الزهرِ والداني

|||

تنبه ففي الماضين للمرء عبرة
لمن كان ذا سمعٍ لفضلٍ وتبيان

|||

ألم تر أن الله قص عن الألى
مضوا مثل فرعون وعاد وهامان

|||

وقص عن الأملاك والرسل شأنهم
كعيسى وداود وموسى بن عمران

|||

فإنا برغم الانتماء لآدم
فإنا لدى الرحمن جلٌ فريقان

|||

ويا بعد مابين الفريقين من مدى
ويا بعد مابين الفريقين من شان!

١٠ من صفر ١٤٤ هجرية – ٦ من سبتمبر ٢٠٢٢م

^ مستلهمة من قوله تعالى ” ألم يأن للذين أمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ومانزل من الحق ” الحديد / ١٦

^حيٌِهلْ : بمعنى أقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى