حصر خيبات الوطن.. على أفنان وجد الشاعر فتحى زيادة

د. رضا عبد الرحيم | أديب وناقد مصري

   يتساءل الكاتب إلياس بيطار فى كتابه الثورات الوطنية فى مصر وأثرها فى تطور الشعر المعاصر(من يورة عرابى 1881م حتى عبد الناصر 1952م) عن علاقة الشعر بالثورات الوطنية،هل مهد الشعر لها؟أم سار فى ركابها؟ هل جاء متخلفآ آنت..أم متقدما آونة؟ثم سجل خطه السياسى وموقفه منها.. هل صمت؟ أم كان فى صفوف المعادين؟ أم الأنصار؟.. وانتهى إلى أن الثورات الوطنية،كثيرا ما كانت تمهد لثورات شعرية تؤدى إلى التجديد بواسطة التحولات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية.[1]

     تغلب على قصائد ديوان”أفنان الوجد” للشاعر فتحى زيادة الجانب السياسى الثورى وهو تصنيف يدخل ضمن الشعر الإجتماعى،فتحمل بعض القصائد عناوين: “صيحة الأقصى”، و”آه غزه”، و”مدينة الأشباح”، و”القرار”، و”وشوشة الدماء”،و”لا تهاجر”، و”أشلاء حلم”، و”اللقاء الأخير”، و”فرحة النصر” وفيها ينعى الشاعر على العرب التفرق والتناحر والإستسلام الذى يصل إى حد الخنوع أمام العدو ،ويعلن يأسه وقنوطه من أحوالهم فيقول فى قصيدة آه غزه على سبيل الحصر:

باعك كل جبان ولى،راغ،وعبس،عنك تخلى ..خانوا،فهانوا باسم اللذة.ويختم الشاعر قصيداه ختاما قويا ،جاء طبيعيا لا افتعال فيه،صارخا فى هذا الختام:

رحت ألملم ذلى وعارى،أبكى إبائى أبكى العزه ،آه غزه،آه غزه،آه غزه.وفى قصيدة صيحة الأقصى يردد ناقما :عار عليكم إخوتى،عار عليكم أى عار..أن تتركونا نكتوى بين الدمار ويختم قصيدته مرددا: سحقا لكل متاجر،خان العهود وباعنا باسم السلام.

    فنحن أمام شاعر يؤمنبقضية  وطنه وفى قلبها القضية الفلسطنية ويجعلها شاغله ..فهى – القضية الفلسطينية – مُهيمنة على عالمه الشعرى،ورحاب تجربته مهما تنوعت الموضوعات التى يعالجها .وإن كان الديوان بكل قصائده يسير فى نفس الإتجاه ..وبنفس الهدف.فالقصائد تجىء كلا متماسكا مترابطا. وهو هنا يذكرنا بقصائد على محمود طه ومحمود درويش وسميح القاسم(شاعر المقاومة) وغيرهم .

    وأتوقف هنا عند قصيدة “تبقى الذكرى” والتى تشى بأن الشاعر مسكون بالروح الأسرية سواء الأسرة الصغيرة –اللبنة الأولى (الأسرة)،أو على مستوى الوطن الأم أو الوطن الكبير..وهى قصيدة رثاء لأمه فنسمع دقات قلبه تتساءل: كيف لقلبى أن ينساك؟ كيف يا أمى ؟! إن هواك،يحيى الذكرى ،فى أعماقى،هشت جنينا،فى أحشائك..كان غذائى ،محض دمائك..ويختتم القصيدة بالرجاءلأمه:أرجو من رب حنان،يسكن روحك،أعلى جنان.

      وجاءت القصيدة “تبقى ذكرى” على بحر مجزوء الكامل، بموسيقاها الوترية المتدفقه[2]،وسهولة قراءتها كأنها نشيد من الأدب الطفولى ،يُرتله الأطفال لتحقيق المتعة والقيم التربوية.

  هذا وقد يؤخذ على الشاعر اضطراب الأداء فى بعض التراكيب بسبب استخدام المضاف الثنائىالصفة(الكلمة مضاف ةمضاف إليه فى وقت واحد)..والعرب لا يستسيغون مثل هذا الاستعمال،كما ترى فى العبارات الأتية””يعقبه الدمار،”اك ضعف بل وذل وانكسار”،”نين الوليد،لصدر رءوم”..كما كنت أتمنى أن يبرأ أسلوبه السهل المتدفق من الكلمات المقلقة-وهى قليلة- مثل:الفرقد،جُلنار،اليراعُ،شراشف.

   وخطورة استخدام الكلمات الغربية أو المهجورة فى الشعر أنها توقع القارىء فى حرج إدراكى،فهى تجبره على اختيار واحد من حلين كلاهما مر،فإما أن يتوقف عن استكمال قراءة القصيدة ليهرع إلى معجم لُغوى لمعرفة اللفظة العربية فيخرج من جوها الشعرى إلى ما هو عقلى بحت – وهذا ما قمت به بالفعل أثناء قراءة الديوان – زإما أن يواصل قراءة القصيدة مضحيا بفهمه، وتخطى ما غمض من كلماتها،فيخرج منها بمضمون فكرى منقوض.[3]

الإحالات والمراجع والمصادر:

[1]الياس بيطار،الثورات الوطنية فى مصر وأثرها فى تطور الشعر المعاصر،بيروت 1976م

[2]محمود على السمان،العروض الجديدة،أوزان الشعر الحر وقوافيه،دار المعارف،القاهرة 1983م

[3]محمود بطوش،شاعر المعنى والمبنى،دراسات فى شعر خالد مصطفى،دار المثقف للنشر والتوزيع،القاهرة 2021م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى