لقد اعتادت حماس على الزنا السياسي
فراس حج محمد| فلسطين
ما زال ذلك الرد يتردد صداه في الذاكرة عندما كان أتباع حماس يردون على دخول منظمة التحرير الفلسطينية في عملية السلام والحديث عن معادلة القوى، وأن الشروط الدولية ليست في صالح المقاومة المسلحة، كانوا يقولون وقتذاك: “من لا يستطيع الزواج/ التحرير لا يحق له الزنا/ التفاوض”، ويشكك هؤلاء بمبدأ “خذ وطالب” الواقعي الذي انتهجته المنظمة أملا في تحقيق بعض الخلاص من الاحتلال، ولو على شبر واحد من أرض فلسطين.
دخلت حماس في هذا الطور من مبدأ “خذ وطالب”، وصارت تطالب بدولة في مناطق الضفة والقدس الشرقية وغزة (مناطق 67)، ولكن دون وهم التنازل عن فلسطين التاريخية، وما يعنيه ذلك الخيال الرومانسي السياسي الجميل من تدمير دولة إسرائيل وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها.
هل بإمكان هؤلاء الأتباع الذين ما زالوا على قيد الحركة وصفوفها التنظيمية العودة إلى ذلك السجال السياسي الصبياني في منتصف التسعينيّات؛ ليكتشفوا أنهم كانوا يتمتعون بخيال روائي فانتازي، على الأقل، وهم يعقدون التشبيه بين الزواج والتحرير، وبين التفاوض والزنا الحرام شرعا بكل تأكيد، لعلهم يدركون أن الحركة اليوم تشرّع وتشرعن عملية الزنا السياسي التي أضحت، بقدرة قادر، فعلا وطنيا مباحا شرعا، بل حلالا شهياً؟
لقد “التبس الأمر على اللقلق” كما التبس الأمر على أتباع حماس الممتلئين عنفوانا جميلا وخيالا ثوريا حادا وهم يشاهدون حركتهم الموصوفة بالإسلامية وبنهجها الموصوف بالمقاومة المسلحة أنها أصبحت حركة (تزني) سياسيا، وهي تزين الفعل في نفوس الأتباع هؤلاء، ليروا أنهم يحسنون صنعا وهم يشرّعون الدخول إلى نفق مظلم كان غيرهم قد دخل فيه وتاهوا ولم يستطيعوا الرجوع، ولم يكونوا سعداء ليتعظوا بغيرهم.
عليهم إذن أن يجربوا ويدخلوا معمعة معركة هي خاسرة في المطلق. خاسرة في الفعل الثوري وخاسرة على طاولة المفاوضات، وعلينا أن نتذكر المثل الإنجليزي القائل “من يدفع أجر العازف يختر اللحن”، وها هي حماس تعزف اللحن المناسب استرضاء لمن يدفع لها فواتير النضال الوهمي في عملية زنا سياسي لن يجلب إلا المزيد من العهر في أروقة السياسة في المستقبل. علينا أن ننتظر فقط لنرى ما هو أكثر فحشا على موائد السياسة وشهوة الحكم المجنونة التي تجعل من صاحب الكرسيّ والهراوة عبداً، وليس سيداً.
لم يقف الأمر عند هذه “الزنية” الفاحشة، بل شهدنا جميعاً وبامتعاض مقرف ما حدث مؤخرا في الحرب الأخيرة، حيث تجمدت حماس، وتصنمت، وفتحت رجليها ليبول “لبيد” في سوأة الحركة، وحيّدها في الجولة الأخيرة، و”أسلمت” من يشاطرونها الجغرافيا والمصير إلى أعدائهم، وقادتها يعلمون أن المسلم أخو المسلم، لا يخذله ولا يسلمه، لقد كان جرما أبشع من ممارسة الزنا تحت ستار الكعبة، وكل الدماء التي نزفت تتحمل حماس مسؤوليتها بشكل مباشر.
يبدو أن هذه “الحركة اللعوب” أتقنت فن الدعارة السياسية، فأتت بجرمها المشهود العلنيّ بإعادة علاقتها مع نظام بشار الأسد المجرم الذي لم سبق الطغاة في إجرامه، استباح كل المحرمات، فأتى ما لا يخطر على بال شيطان رجيم، ها هي الآن حماس، تفتح فخذيها لطغاة النظام العلوي الطائفي في سوريا ليتلاعبوا بها، ويجروها إلى حيث يريدون إلى مواخير السياسة وعفنها.
لقد حفرت حماس قبرها في دهاليز العهر السياسي عندما انحازت إلى روسيا وإيران والنظام المجرم في سوريا، وقبل ذلك عندما تواطأت مع أهداف الاحتلال، وحققت له أمانيه، وساعدته على النيل من حركة الجهاد الإسلامي ومجاهديه، ودخل قادتها وإعلاميوها في جحر الضب ولم يخرجوا منه إلى الآن، وقبل هذه وتلك، عندما هيأت أتباعها للتنازل عن فلسطين التاريخية، ولا يغرنكم أنهم يتشدقون بالكلام الفارغ، فقد تعلموا من سوريا وإيران اللتين لم تجدا منذ 1979 الزمان والمكان المناسبين للقضاء على “الكيان الغاصب” كما يصفه طغاتهم، وغدا “فيلق القدس”، و”الحرس الثوري” فيالق عهر سياسي لم تنتج إلا الدمار للأمة قاطبة في سوريا ولبنان وفلسطين وطهران.
لا يصح في حق الزاني إلا الجلد أو الرجم، والنبذ على رؤوس الأشهاد، ليكون عبرة للمعتبر، فلا شيء أشد من “الزنا السياسي” أثرا وخطرا، ولعمر الله إنه لأشد من الزنا الفردي، فضياع أمة لا يقارن بسقوط امرأة في حمأة الرذيلة.
منطقة المرفقات