العربة.. قصة قصيرة
بقلم : د. أحمد حسين عثمان | مصر
بجسد هزيل وبيدين تترعشان حاول الشاب أن ينصع عربة خشبية على الطراز التركي القديم، ما أعجبه في هذا الطراز تلك الخصوصية التي تتمتع بها العربة فلايدري أحد ما أو مَن بداخلها، بعد تفكير عميق في تحديد الطريق استلقى عربته التي ساعدته بكثرة الممارسة على اشتداد ساعده،وقوت من عوده، يسير بين القوم دون أن يروا هذا البخار المكتوم بين شفتيه، وهذه المعركة بين جوارحه المشتعلة.
كان الطريق وعرا، وكلما أرهقته المسافة رأى صورة هدفه مرسومة على ناصية السحاب الأبيض فيزيده ذلك من وقود طاقته.
كان من الطبيعي أن تتبدل الفصول؛ ليأتي فصل الشتاء ببرده الزمهريري، تتضاءل رقبته داخل معطفه الأسود والتصقت أكتافه بأذنيه هروبا من موجات الهواء المتتابعة.
لاحظت عيناه المنتفخة أرقا ونصبا فتاة تسير على جانب الطريق تتلحف بأوراق الشجر من شدة البرد والمطر. دبت صيحة الرجولة في عروقه ، أخبرها بأن رحلته طويلة وأنه لن يقدم لها أكثر من الخروج من هذا المأزق، وأن عربته نظيفة جدا من الداخل .
أخبرته وهي تزيل قطرات الدمع الممزوجة بقطرات المطر بأنها لاتريد سوى الخروج من هذا المكان، وأنها لا تطمع سوى في الدفء المستكن في جوف العربة، وأنها ستكون معينة على استكمال الرحلة دون أن تجعله يحيد عنها.
استقلت العربة وتعلقت بعض بقايا الطين داخلها، حتى أنه وجد صعوبة في إعادة العربة إلى ما كانت عليه.
طلبت من أن ينحرف قليلا كي تعطي حبات البرتقال التي جمعتها إلى أمها وأخيها، فانحرف عن طريقه ملبيا .
شعر أن العربة أصبحت ثقيلوأن كثرة الامتيازات التي حصلت عليها فاقت امتيازات صاحب العربة نفسه حتى ضل عن طريقه ، وظلت هي نائمة داخل العربة وظل هو يقود السيارة بسرعة أقل وحمل أكبر.ولا يزال حتى الآن يقود، وقد أوصل الجميع إلى غايته في حين ظل هو بلا غاية.