أسرلة التعليم في القدس العربية المحتلة
جميل السلحوت | أديب مقدسي
للقدس خصوصيّة تختلف فيها عن بقيّة الأراضي الفلسطينيّة المحتلة في حرب حزيران 1967 العدوانيّة، وذلك أنّ الاحتلال استهدف المدينة المقدّسة أكثر من غيرها، ففي 28 حزيران -يونيو-1967 وقبل مرور ثلاثة أسابيع على الحرب العدوانيّة، قام البرلمان الإسرائيليّ بضمّ القدس الشّرقيّة من جانب واحد،في مخالفة لإرادة الشّعب الفلسطينيّ، والمقدسيّين الفلسطينيّين، والقانون الدّوليّ والشّرعيّة الدّوليّة. وللعلم فقط فإنّ مساحة بلديّة القدس قبل احتلالها كانت 6 ميلومتر مربّع. فقام المحتلّون بضم القرى وبعض التّجمّعات في محيط المدينة مثل منطقة كفر عقب وسمير أميس بين القدس ورام الله، قلنديا، بيت حنينا، شعفاط، مخيّم شعفاط، العيسويّة،الشّيخ جرّاح واد الجوز، جبل الزّيتون”الطّور”، سلوان، الثّوري، جبل المكبّر، صورباهر، أمّ طوبا، بيت صفافا وشرفات. لتصبح مساحة المنطقة المضمومة حوالي 70 كيلومتر مربع، مع التّنويه أنّ الضّم قد قسّم بعض البلدات إلى أجزاء داخل الحدود البلديّة المزعومة وأجزاء خارجها، مثل: كفر عقب وسمير أميس، قلنديا، بيت حنينا، جبل المكبّر، صورباهر وأمّ طوبا. وما يهمّنا في هذا العجالة هو ما يتعلّق بالتّعليم المدرسيّ في المدينة المقدّسة.
تطبيق المنهاج الإسرائيليّ: فرض المحتلّون مناهجهم الدّراسيّة على مدارس القدس بعد الاحتلال مباشرة، وعند افتتاح العام الدّراسيّ 1967-1968 في الفاتح من سبتمبر 1967، دعا “اتّحاد المعلّمين” السّرّيّ،والذي كان يقف خلفه حركة القوميّين العرب،الحزب الشّيوعيّ الأردنيّ وحزب البعث العربيّ، إلى إضراب المعلّمين والتّلاميذ احتجاجا على الاحتلال، وتمّ التّراجع عن الإضراب في شهر نوفمبر من نفس العام، بعد أن ارتأى القائمون عليه أنّ مصلحة التّلاميذ تقتضي ذلك.
وفي محاولة من المحتلّين لتضليل الرّأي العامّ العالميّ، وإيهامهم بأنّ الحياة تسير كما يجب في القدس،فقد افتتحوا العام الدّراسيّ في الأولّ من سبتمبر، لكنّ المعلّمين والأهالي والتّلاميذ قاطعوا العودة إلى المدارس،فعيّن المحتلّون معلّمين بعضهم غير حاصل على شهادة الثّانويّة العامّة.
العودة إلى المدارس: ارتأت القوى الوطنيّة أنّ مصلحة التّلاميذ والشّعب والوطن تقتضي عودة التّلاميذ إلى مدارسهم في الأراضي المحتلّة، حيث قام المحتلّون بتعديل المنهاج الأردنيّ الذي كان معمولا به في مدارس الضّفّة الغربيّة وجوهرتها القدس، والمنهاج المصري الذي كان ممولا به في قطاع غزّة.
وفي القدس تمّت مقاطعة المدارس الرّسميّة التي طبّقوا عليها المنهاج الإسرائيلي، ولكم أن تتصوّروا أنّ المدرسة الرّشيديّة الثّانويّة كان عدد معلّميها 33 معلّما في حين كان عدد طلابها 11 طالبا. والتحق التّلاميذ بالمدارس الخاصّة التي تدرّس المنهاج الأردنّ المعدّل، كما التحقوا بالمدارس الواقعة في محيط القدس خارج الحدود البلديّة المزعومة.
مدارس الأوقاف الإسلاميّة:
بادر المرحوم حسني الأشهب مدير التّربيّة والتّعليم في القدس قبل احتلالها، بالتّعاون مع دائرة الأوقاف الإسلاميّة وجمعيّة المقاصد الخيريّة بتأسيس مدارس خاصّة تدرّس المنهاج الأردنيّ المعدّل،وسُمّيت في حينه مدارس الأوقاف الإسلاميّة، أو مدارس”حسني الأشهب”، وهذه المدارس استوعبت الغالبيّة العظمى من تلاميذ المدينة.
وفي سبعينات القرن الفارط، سئل تيدي كوليك رئيس بلديّة الاحتلال عن أسباب إعطائهم تراخيص للمدارس الخاصّة، فأجاب بأنّه توفّر على البلديّة أكثر من عشرة ملايين دولار سنويّا.
التّراجع عن المنهاج الإسرائيلي: درس المحتلّون أسباب عزوف الطّلبة عن المدارس الرّسميّة في القدس، فوجدوا أنّ فرض المنهاج الإسرائيليّ هو السّبب في ذلك، فتراجعوا عنه في العام 1972 في المدارس الثّانويّة، وفي العام 1974 تمّ التّراجع عن في مختلف المراحل التّعليميّة، لقناعتهم بأنّه من غير المعقول ألّا يكون تعليم رسميّ في المدينة أمام الرّأي العام العالميّ، وأبقوا على “مدنيّات اسرائيل” في المرحلة الابتدائيّة، واللغة العبريّة في المراحل كافّة.
نقص حادّ في الصّفوف الدّراسيّة في القدس: رغم أنّ بلديّة الاحتلال تجمع 35% من ضرائبها من القدس المحتلّة، إلا أنّها تنفق عليها أقلّ من 7%. وهناك نواقص كثيرة في القدس، ومنها النّقص الحادّ في الصّفوف الدّراسيّة الذي وصل في العام 2010 إلى حوالي 1800 صفّ دراسيّ.
نقص في متطلّبات التّعليم: هناك نقص حادّ في المختبرات العلميّة، وسائل الإيضاح، المكتبات المدرسيّة، الملاعب وساحات الاصطفاف.
تسريع التّهويد: مع أنّ تهويد المدينة المقدّسة لم يتوقّف يوما منذ احتلالها، إلّا أنّ المحتلّين أصيبوا بسعار التّهويد بعد خطيئة أوسلو، وازدادوا تغوّلا بعد أن نقلت إدارة الرّئيس الأمريكي ترامب في 6 ديسمبر 2017 سفارتها من تل أبيب إلى القدس. فواصلوا إغلاق المؤسّسات الفلسطينيّة في المدينة، ويعملون على إلغاء أيّ وجود فلسطينيّ في القدس.
أسرلة التّعليم: تعمل اسرائيل بهدوء على أسرلة التّعليم في القدس المحتلّة، وسبق أن طبّقت المنهاج الإسرائيلي في بعض المدارس، تاركة الخيار للتّلاميذ لدراسة المنهاج الفلسطينيّ أو اٍلإسرائيليّ، لكنّها في بداية العام الدّراسيّ 2022-2023 كشفت عن أنيابها، ووجهت إنذارات لثماني مدارس بتطبيق المنهاج الإسرائليّ، أو سحب تراخيصها، ونظرا لعدم وجود مدارس لاستيعاب طلبة هذه المدارس، فقد جرى تمديد ترخيصها لمدّة عام واحد،وإذا لم تطبّق المنهاج الإسرائيليّ فإنّها ستغلق.
الأهالي يرفضون: أعلنت لجان أولياء الأمور في مدارس القدس العربيّة المحتلة رفضهم القاطع لأسرلة المناهج في مدارسهم.